شرح قصيدة “هذا الذي تعرف البطحاء وطأته”
قصيدة “هذا الذي تعرف البطحاء وطأته” هي إحدى أبرز القصائد التي اشتهر بها الشاعر العربي العظيم الصحابي الجليل حسان بن ثابت. تمتاز هذه القصيدة بأنها ليست مجرد قصيدة شعرية، بل هي جزء من التاريخ الأدبي العربي الذي يتحدث عن شخصية نبيلة وعظيمة، كما تعكس بعض ملامح المواقف البطولية التي شهدتها فترة الجاهلية والإسلام.
تعود القصيدة إلى حسان بن ثابت، الذي كان يُلقب بـ “شاعر رسول الله” صلى الله عليه وسلم، وذلك بسبب دفاعه المستمر عن الإسلام ورسول الله من خلال شعره. وكان حسان بن ثابت من أبرز الشعراء الذين وصفوا شخصيات تاريخية مهمة، سواء في الجاهلية أو في فترة الإسلام. القصيدة التي بين أيدينا تعتبر إحدى أبرز ملاحم الشعر التي دافع فيها حسان بن ثابت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجاءت هذه القصيدة في سياق هجائي يشيد فيه بشخصية النبي الكريم.
القصيدة: مضمونها وشخصياتها
القصيدة تبدأ ببيت شعري شهير جدًا يقول فيه حسان بن ثابت:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحلّ والحرمُ
الشرح والتفسير:
البيت الأول هو تعبير عن الشخص الذي تعرفه البطحاء (أرض مكة) وطأته، أي أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو من الشخصيات التي تحظى بمكانة كبيرة في مكة، بل إن مكة نفسها تعرف قدمه وأثره. البطحاء هي الأرض التي كانت فيها مكة، وكانت تعد من أقدس الأماكن بالنسبة للعرب في الجاهلية وكذلك في الإسلام، إذ أنها كانت مهدًا للعديد من الأحداث التاريخية المهمة.
ثم يستمر حسان بن ثابت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيت شعري آخر، حيث يُذكر أن البيت (أي البيت الحرام) يعرفه والحلّ والحرم، مما يعني أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان معروفًا ليس فقط في مكة ولكن أيضًا في الأماكن المقدسة التي يقدسها العرب والمسلمون.
الشاعر وأسلوبه
حسان بن ثابت كان شاعرًا متمكنًا في استخدام المفردات اللغوية، وكان شعره يمتاز بالقوة والبلاغة، حيث كان يُحسن صياغة أفكاره بأسلوب سلس وأنيق. في هذه القصيدة، يتضح جليًا أن حسان بن ثابت كان يستخدم الأسلوب الهجائي في طراز فني مبتكر، يركز فيه على تبيان الفروق بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أولئك الذين كانوا يعارضون الدعوة الإسلامية في ذلك الوقت.
لم يكن الهدف من القصيدة التفاخر بمقام النبي فقط، بل كان الهدف أيضًا هو الرد على معارضة المشركين للنبي ورسالة الإسلام. كان حسان بن ثابت دائمًا في صراع مع أولئك الذين حاولوا النيل من مقام النبي صلى الله عليه وسلم سواء بالكلام أو بالأفعال. فالشعر في تلك الحقبة كان يُستخدم بشكل أساسي كسلاح للدفاع والهجوم، وتفنيد المغالطات والافتراءات التي يروجها الخصوم.
الشخصية المركزية في القصيدة: النبي محمد صلى الله عليه وسلم
شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي الشخصية المركزية في هذه القصيدة. من خلال استخدام حسان بن ثابت لهذه الصور الشعرية الرائعة، استطاع أن يبرز مكانة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب المؤمنين وفي أرض مكة. لقد كانت مكة، مع كونها مركزًا دينيًا وتجارياً هامًا، مسرحًا للصراع الفكري والديني بين رسول الله وبين قريش، الذين كانوا يعارضون الدعوة الإسلامية.
وبهذا الشكل، يتضح أن حسان بن ثابت كان يتحدث في قصيدته عن تأثير النبي صلى الله عليه وسلم على الأرض التي نشأ فيها، وكيف أن محمداً صلى الله عليه وسلم أصبح معروفًا بشكل لا مثيل له، لدرجة أن الأماكن المقدسة كانت تعرفه وتعرف أثره. كان حسان بن ثابت يقصد من هذه الأبيات أن يبرز شخصية النبي التي تستحق التقدير والإجلال على الرغم من المحاولات المستمرة من قريش لتشويه صورته.
الرسالة التي يحملها الشاعر
القصيدة لا تقتصر على الإشارة فقط إلى مكانة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وفي قلوب الناس، بل تحمل أيضًا رسالة قوية تتعلق بثبات العقيدة وصدق الدعوة. فحسان بن ثابت هنا لا يتحدث عن نبي يملك المجد أو الثروة، بل يتحدث عن نبي أرسله الله ليكون هداية للناس جميعًا، وقد ظل ثابتًا في مهمته على الرغم من محاولات معارضيه إعاقة دعوته.
الرمزية في الأبيات
الرمزية في القصيدة تكمن في إشارة حسان بن ثابت إلى “البطحاء”، و”البيت” و”الحلّ والحرم”. فهذه الأماكن تعتبر رموزًا للطهارة والمقدس في الثقافة العربية والإسلامية. البطحاء هنا ليست مجرد أرض بل هي رمز للمكان الذي شهد ولادة الإسلام، والبيت يشير إلى الكعبة المشرفة، أقدس مكان في الإسلام، الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم.
إن حسان بن ثابت بهذا الشكل يَجمع بين الماديات والروحانيات في صورة شعرية جميلة، تتجاوز حدود الكلمات لتصل إلى المعاني العميقة. فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي تربت فيه مكة، وهو الذي جعل من تلك البقعة أرضًا مباركة مشرفة بوجوده.
أثر القصيدة في الأدب العربي
لقد كان لهذه القصيدة دور مهم في تعزيز الأدب العربي الإسلامي، حيث شكلت نموذجًا للقصائد التي يتم فيها الدفاع عن القيم الإسلامية، وكان حسان بن ثابت واحدًا من أوائل الشعراء الذين استخدموا الشعر للرد على الاتهامات الموجهة للنبي صلى الله عليه وسلم. إضافة إلى ذلك، نجد أن الشعراء اللاحقين، الذين أتوا بعد عصر حسان، تأثروا بهذه القصيدة وغيرها من أشعار حسان بن ثابت في أسلوبهم وموضوعاتهم.
خاتمة
قصيدة “هذا الذي تعرف البطحاء وطأته” تعد من أبرز الأعمال الشعرية في الأدب العربي. هي قصيدة حملت في طياتها دفاعًا عظيمًا عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأظهرت عظمة المكانة التي كان يشغلها في قلوب الناس. بأسلوبه الرائع، وبأسلوب الهجاء والفخر، استطاع حسان بن ثابت أن يُظهر مكانة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ويشيد بها في وجوه أعداء الدعوة. هذه القصيدة، بجانب أنها جزء من تاريخ الأدب العربي، هي أيضًا مرآة تعكس لنا قيمًا من قيم الثبات والإيمان والوفاء للقيم التي حملها النبي صلى الله عليه وسلم في رسالته.
