مقدار العقيقة للولد والبنت

اختلاف عقيقة الولد عن البنت في المقدار

تُعَدُّ العقيقة من السنن المؤكدة في الإسلام التي حثَّ عليها النبي محمد ﷺ، وهي شكرٌ لله تعالى على نعمة المولود، وتقرُّب إليه بالذبح في اليوم السابع من ولادته غالبًا، مع تسمية الطفل، وحلق شعره، والتصدق بوزنه فضة. وقد بيَّنت الشريعة الإسلامية أحكام العقيقة تفصيلًا، ومن جملة هذه الأحكام التمييز في مقدار العقيقة بين الذكر والأنثى، وهو ما أثار اهتمام الفقهاء والمحدثين، وحملهم على بيان الحكمة والفروق وأدلتها من السنة النبوية.

تعريف العقيقة وأصل مشروعيتها

العقيقة في اللغة مأخوذة من “العَقّ”، أي القطع، وسُميت بهذا الاسم لأنه يُقطع بها دم الذبيحة عن المولود، وتُعرف اصطلاحًا بأنها: ما يُذبح عن المولود شكرًا لله تعالى عند تمام سبعة أيام من ولادته أو بعدها، وهي سُنة مؤكدة عن النبي ﷺ، كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي:

“العقيقة تُذبح عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة”.

وقد عمل بها السلف الصالح، وأكدها جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، والحنفية – وإن كان الحنفية يرونها مستحبَّة فقط – على أنها سنة مشروعة عن النبي ﷺ.

مقدار العقيقة في الشريعة الإسلامية

وفقًا للحديث النبوي الشريف الذي ورد عن أم كُرز الكعبية رضي الله عنها، قالت:

“سألت رسول الله ﷺ عن العقيقة، فقال: عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة”. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان.

يفيد هذا الحديث أن العقيقة تختلف في المقدار بين الذكر والأنثى؛ إذ يُذبح عن الذكر شاتان، بينما تُذبح عن الأنثى شاة واحدة فقط.

تفصيل مقدار العقيقة في المذاهب الأربعة

وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأفضل في عقيقة الذكر أن تُذبح شاتان، اقتداءً بالسنة النبوية، وإن ذُبحت شاة واحدة أجزأت – أي حصل المقصود – لكنها ليست الأكمل، ولا الأفضل.

هل وجوب شاتين في عقيقة الذكر تعبدي أم تعليلي؟

هذا الاختلاف في مقدار العقيقة أثار تساؤلًا بين أهل العلم: هل هو على سبيل التعبُّد الصرف الذي لا تُدرَك علته، أم أن له حكمة معلومة؟

يرى أكثر العلماء أن الأمر تعبدي، ولا يُشترط أن نُدرِك علته على نحو دقيق، بل يُفعل امتثالًا لأمر النبي ﷺ. ومع ذلك، اجتهد بعض أهل العلم في تعليل هذا الفرق، وبيان الحكمة من اختلاف مقدار العقيقة بين الولد والبنت، على النحو التالي:

الحكم المستنبطة من اختلاف المقدار

1. رمزية الشكر والتقدير للنعمة: يرى بعض العلماء أن الذكر يُتوقع أن تكون له مسؤوليات أكبر، وقد كان المجتمع العربي في الجاهلية يُعلي من شأن الذكور، فجاء الإسلام ليؤكد على التكريم، لا على التفضيل، فجعل الذبح شكرًا لله أكثر في الذكر؛ من باب الاعتراف بمسؤولياته المستقبلية التي يتحملها.

2. بيان الفارق في الدور الاجتماعي: قد يكون من الحكمة التشريعية أن يُذبح عن الذكر أكثر لأنه سيكون مسؤولًا عن الإنفاق والكسب والزواج وإعالة الأسرة، بينما الأنثى تكون غالبًا في كنف والدها أو زوجها، فتكون العقيقة أقل.

3. الاستئناس بالعادات القبلية القديمة في سياق تصحيحها: في الجاهلية كانت البنات يُهملن ويُؤذين، فجاء الإسلام ليُثبت مشروعية العقيقة لهن بشاة، في حين أبقى على شاتين للذكر ضمن إطار لا يُشعر بتفريق مذموم.

4. استحضار سنة النبي ﷺ والاقتداء به: من الواضح في السنة أن النبي ﷺ عقَّ عن الحسن والحسين رضي الله عنهما بشاتين لكل واحد منهما، ولم يُروَ عنه أنه عقَّ عن الإناث إلا بشاة، مما يدل على أن هذه السنة مقصودة لذاتها.

متى تُذبح العقيقة؟

السنة أن تُذبح العقيقة في اليوم السابع من الولادة، فإن لم يُمكن ففي الرابع عشر، فإن لم يُمكن ففي الحادي والعشرين. كما جاء عن النبي ﷺ في الحديث الصحيح:

“كل غلام رهينة بعقيقته، تُذبح عنه يوم سابعه، ويُسمى فيه، ويُحلق رأسه”.

وذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز الذبح في أي وقت بعد الولادة، ما لم يُحدد بزمن معين، لكن الأولى التقيّد بالسنة.

هل تُجزئ البقرة أو البدنة عن شاتين؟

اختلف العلماء في هذه المسألة، فالشافعية والحنابلة يرون أنه لا يُجزئ عن العقيقة إلا الغنم، فلا يُجزئ البقر أو الإبل، لأن النص ورد على الغنم فقط. أما المالكية فيرون أنه لا بأس بذلك إذا نوى بها العقيقة، شريطة أن يُوزعها على النحو الذي يحقق مصلحة العقيقة، كأن يُذبح عنها سبع بدنة أو بقرة.

شروط الشاة في العقيقة

• أن تكون من بهيمة الأنعام: (ضأن أو معز).

• أن تكون سالمة من العيوب المانعة للإجزاء (العور، العرج، المرض… إلخ).

• أن تكون بالغة السن المجزئ: الجذع من الضأن، أو الثني من المعز.

• أن يُسمى الله عليها، وأن يُنوى بها العقيقة.

هل يجب أن تكون الشاتان متماثلتين؟

لا يشترط التماثل بين الشاتين في العقيقة من حيث اللون أو الحجم، لكن يستحب أن تكونا مكافئتين كما ورد في الحديث: “شاتان مكافئتان”، أي متقاربتان في الصفات؛ لأن هذا يدل على كمال الامتثال.

ما يُفعل بعد ذبح العقيقة

1. توزيع اللحم: يُستحب أن يُطبخ لحم العقيقة ويُقدم للأقارب والجيران والأصدقاء. وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه يُستحب عدم كسر عظامها تفاؤلًا بكمال جسم الطفل وسلامته.

2. حلق شعر المولود: يُحلق شعر المولود في اليوم السابع، ويُتصدق بوزنه فضة كما فعل النبي ﷺ للحسن والحسين.

3. التسمية: يُستحب أن يُسمى الطفل في هذا اليوم، وهذا من باب الاقتداء بسنة الرسول ﷺ.

4. الدعاء للمولود: يُستحب أن يُدعى له بالبركة، ويُقال: “بارك الله لك في الموهوب لك، وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورزقت بره”.

العقيقة والفقير

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يُستحب للغني أن يعقّ عن ولده، ولا حرج على الفقير في تركها. بل نص بعض الفقهاء على أنه لا يُشرع للفقير أن يستدين لأجلها، لأن العقيقة من القربات التي لا تُقدَّم على ضرورات العيش.

الفرق بين العقيقة والذبائح الأخرى

موقف العلماء المعاصرين

اتفق علماء العصر على مشروعية العقيقة، وجرى العمل بها في عموم العالم الإسلامي، وظهرت فتاوى رسمية من دور الإفتاء في مصر، والسعودية، والمغرب، والأردن، وغيرها تؤكد على أن العقيقة سنة مؤكدة، وتُذبح شاتان عن الذكر وشاة عن الأنثى، اتباعًا لسنة النبي ﷺ.

وفي هذا السياق، أفتت دار الإفتاء المصرية بأن:

“العقيقة سنة مؤكدة عن المولود الذكر والأنثى، تُذبح شاتان عن الذكر وشاة عن الأنثى، وإن لم يقدر الإنسان على ذلك فلا حرج عليه”.

الخلاصة

من خلال ما سبق يتضح أن الشريعة الإسلامية فرقت في مقدار العقيقة بين الولد والبنت، فجعلت للولد شاتين وللبنت شاة واحدة، وذلك على سبيل السنة المؤكدة، لا على وجه الإلزام أو التفضيل المُطلق، بل في سياق تعبدي يُقصَد به الشكر لله على نعمة الولد، والاقتداء بالنبي محمد ﷺ. ومع أن الشريعة وضعت هذا التفريق، إلا أنها أكدت على كرامة الذكر والأنثى، وحثت على العدل والمساواة في المعاملة والرعاية، مما يجعل العقيقة فعلًا تعبديًا خالصًا يحمل في جوهره روح الامتثال لله وشكر نعمه دون التفريق القيمي بين الجنسين.

المراجع:

• “المجموع” للنووي، دار الفكر.

• “الفتاوى الإسلامية” – دار الإفتاء المصرية.