حديث شريف عن بر الوالدين
بر الوالدين من أسمى القيم التي دعا إليها الإسلام، ويعد من أبرز مظاهر الإحسان التي حث عليها القرآن الكريم والسنة النبوية. والحديث عن بر الوالدين يعكس مدى أهمية هذا الموضوع في حياة المسلم، باعتباره من الأوامر الربانية التي تضمن له رضا الله تعالى في الدنيا والآخرة. في هذا المقال، نتناول الحديث الشريف الذي يتحدث عن بر الوالدين، وكيفية تطبيقه في حياتنا اليومية، مع تسليط الضوء على فضائله وأثره على المجتمع والأفراد.
مفهوم بر الوالدين في الإسلام
قبل الحديث عن الأحاديث الشريفة التي تناولت بر الوالدين، لا بد من توضيح مفهوم البر في الإسلام. البر هو الإحسان والإكرام والاعتراف بالجميل والاعتناء بشؤون الوالدين، بل وتحمل المشاق في سبيل راحتهما وسعادتهما. ومن خلال هذا المعنى يتضح أن البر ليس مقتصرًا على المعاملة اللطيفة والمساعدة المادية فحسب، بل يشمل كل أنواع الإحسان التي تظهر في القول والفعل والمشاعر.
ويحذر الإسلام من التقصير في بر الوالدين، سواء كان ذلك في معاملتهما بالكلمات أو الأعمال أو حتى التفكير، فقد وضع القرآن الكريم والسنة النبوية مكانة خاصة للوالدين، وجعل برهما من أسباب رضا الله تعالى. ويعد الحديث الشريف من أبرز الوسائل التي تحث المسلمين على الإحسان إلى الوالدين، لدرجة أن بر الوالدين قُرن بالطاعة لله تعالى في كثير من الآيات القرآنية.
الأحاديث الشريفة عن بر الوالدين
من الأحاديث الشريفة التي تبرز مكانة بر الوالدين في الإسلام:
-
حديث عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه:
قال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه -: “قلتُ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّ الأعْمالِ أقْرَبُ إلى الجَنَّةِ؟ قالَ: إيمَانُ اللَّهِ، والجهادُ في سَبيلِهِ، قُلتُ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، وماذا؟ قالَ: برُّ الوالِدَيْنِ، قُلتُ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، وماذا؟ قالَ: الصلاةُ علَى مواقِيتِها، قُلتُ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، وماذا؟ قالَ: جهادٌ في سَبيلِ اللَّهِ.”
هذا الحديث يؤكد على أن بر الوالدين من أعظم الأعمال التي تقرب المسلم إلى الجنة، ويدل على عظمة البر بالوالدين في الإسلام. عندما سأل عبدالله بن مسعود عن العمل الأقرب إلى الجنة، جاء جواب النبي صلى الله عليه وسلم بالترتيب الصحيح: الإيمان بالله، ثم الجهاد في سبيله، ثم بر الوالدين. وهذا يوضح مدى أهمية بر الوالدين في الدين الإسلامي، حتى إنه يأتي بعد الإيمان بالله والجهاد في سبيله. -
حديث أبي هريرة – رضي الله عنه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: *”رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه.” قيل: من يا رسول الله؟ قال: “من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة.”
هذا الحديث يعبر عن تحذير شديد لمن يفرط في بر والديه ولا يحسن إليهما، رغم أن الفرصة سانحة له لإرضائهما في مرحلة متقدمة من العمر. يتكرر ذكر “رغم أنفه” في الحديث، وهذا تعبير عن الامتعاض الشديد وازدراء الشخص الذي ضيع الفرصة العظيمة في بر والديه. -
حديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من أبرّ البر صلة الرجل أهل ودّ أبيه بعد أن يُوَلَّى.”
هذا الحديث الشريف يعكس معنىً عميقًا حول أهمية بر الوالدين حتى بعد وفاتهما. ففيه، يوجه النبي صلى الله عليه وسلم أن البر لا يتوقف بعد وفاة الوالدين، بل يجب على الإنسان أن يواصل الإحسان إليهما عن طريق صلة الرحم ومواصلة البر بهما، كزيارة أصدقائهما والدعاء لهما.
بر الوالدين بين الفرض والنفل
يعتبر بر الوالدين من القيم العليا التي لم يقتصر الإسلام في دعوته إليها على مجرد النصح والإرشاد، بل أقره كواجب ديني لا يمكن التهاون فيه. والآيات الكريمة في القرآن تدل على أهمية هذا الواجب. فقد جاء في سورة الإسراء آية 23:
“وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا.”
في هذه الآية، نجد أن الله تعالى قد فرض الإحسان إلى الوالدين بكل الوسائل الممكنة، محذرًا من أي تصرف قد يسبب لهما الحزن أو الاستياء، حتى وإن كان ذلك بكلمة أو فعل صغير مثل قول “أف”. ورغم أن “أف” هي كلمة صغيرة، فإنها تعبير عن أقل درجات الاستياء، مما يشير إلى وجوب الابتعاد عن أي فعل من شأنه إلحاق الأذى بالوالدين.
بر الوالدين في ضوء النصوص الشرعية
في ضوء ما جاء من نصوص شرعية، فإن بر الوالدين لا يقتصر على تقديم المال أو التفاعل المادي فقط، بل يشمل أيضًا الإحسان في القول والعمل. إذ يُحث المسلم على أن يظهر الاحترام والتقدير لوالديه في جميع حالاته، حتى في أحلك الظروف. فحتى وإن كان الوالدان غير مسلمين، يجب أن يعاملهما المسلم بالإحسان، ويظل لهما الحق في البر طالما لم يُطلب منهما أن يشرك بالله.
أثر بر الوالدين على الفرد والمجتمع
إن بر الوالدين له آثار عميقة في حياة الفرد المسلم. فعلى مستوى الفرد، يساهم بر الوالدين في طمأنينة القلب ونقاء النفس، ويؤدي إلى بركة العمر وزيادة الرزق. كما يبعث على السعادة والراحة النفسية، كون المسلم يرضي الله تعالى بذلك، ويشعر بالسلام الداخلي من جراء فعل الطاعات.
أما على مستوى المجتمع، فإن بر الوالدين يعزز من روح التكاتف والتضامن بين أفراد الأسرة والمجتمع. فحين يرى الناس بعضهم البعض وهم يعاملون والديهم بالإحسان، يتحفز الجميع لأن يكونوا أكثر تواصلًا وحرصًا على بر الوالدين، مما يعزز القيم الإنسانية في المجتمع بشكل عام.
الفوائد الدنيوية والآخروية لبر الوالدين
من خلال الأحاديث والآيات، يتضح أن بر الوالدين ليس مجرد فعل من أجل إرضائهما فقط، بل هو طريق إلى رضا الله تعالى ودخول الجنة. عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: “قلت: يا نَبِيَّ اللَّهِ، ما أَعظمُ الأجرِ في برِّ الوالدين؟ قالَ: أن تظلَّ تبرَّهما، حتى لو كانا فِي النَّارِ، إنَّ اللهَ يُدْخِلُكَ بهما الجنةَ.”
بذلك، نجد أن بر الوالدين يمثل جسرًا بين المؤمن ورضا الله عز وجل، ويعد من الأسباب الموصلة إلى الجنة. كما أن بر الوالدين يعود على المسلم بمكافآت عظيمة في الدنيا، مثل الراحة النفسية، والبركة في العمر والرزق.
الخاتمة
في الختام، فإن بر الوالدين هو من أعظم القيم التي دعانا إليها ديننا الحنيف، ولا شك أن في الحديث الشريف الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم إشارة واضحة لأهمية هذا الفعل المبارك، سواء في الدنيا أو الآخرة. وعلى المسلم أن يسعى جاهدًا لإرضاء والديه وإحسان معاملتهما، مستعينًا بتوجيهات القرآن الكريم والسنة النبوية في ذلك. فبهذا الإحسان يكون قد حقق رضى الله تعالى، ويكون قد سلك طريقًا للنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.
