معنى اسم الله المقيت

إنّ من أعظم أبواب المعرفة الإيمانية وأشرفها، تأمّل أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، والتي بها يعرف العبد ربه، فيزداد له حبًّا وتعظيمًا وخشيةً وخضوعًا. ومن هذه الأسماء الجليلة اسم “المقيت”، الذي ورد في القرآن الكريم مرة واحدة، ويُعد من الأسماء الدالة على عظمة الله في تدبيره لخلقه وكفالته لأرزاقهم ومعايشهم.

ورود اسم الله المقيت في القرآن الكريم

ورد اسم الله “المقيت” في القرآن الكريم في قوله تعالى:

{من كان عدوًّا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدوٌّ للكافرين}

{قد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون}

{أو كلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون}

{ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون}

{واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر}

{ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام}

{وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد}

{وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد}

{ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد}

{يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}

{إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}

{والله على كل شيء مقيت}

(سورة النساء: 85)

قال المفسرون إنّ هذه الآية تشير إلى أن الله تعالى مطّلع على كل شيء، وهو على كل شيء مقيت، أي: حفيظ، شهيد، قادر، موصل للأقوات.

معنى اسم الله المقيت في اللغة

لفظ “المقيت” مشتق من الجذر الثلاثي (قَوَتَ)، والـ”قُوت” هو ما يُحتاج إليه للبقاء على قيد الحياة من طعام أو غيره من ضروريات المعيشة. وعليه فإن:

• أَقَاتَ الإنسانُ غيره: أي أعطاه قوت يومه.

• المُقيت: هو من يقدّر الأقوات ويضمن وصولها، ويرزق الخلق ما يحتاجونه في معاشهم بحسب علمه وحكمته.

قال ابن فارس في “معجم مقاييس اللغة”: (ق-و-ت) أصلٌ صحيح يدلّ على إمساك شيء بمقدار. ومنه القُوت: الطعام، لأنه يُمسك البدن.

تفسير اسم الله المقيت في ضوء القرآن والسنة

قال علماء العقيدة وأهل التفسير إن اسم الله “المقيت” يتضمن معاني عظيمة، منها:

1. الرازق للأقوات والأرزاق:
   
   فالله تعالى هو الذي يرزق عباده قوتهم، ويقسّم بينهم أرزاقهم، ما كان منها مادياً كالغذاء والشراب، أو معنوياً كالعلم والإيمان.

2. المقدّر لأرزاق الخلق:
   
   لا يقع شيء في العالم من رزق، أو نفع، أو ضر، أو حياة، أو موت، إلا بإذنه، فهو الذي قدّر لكل مخلوق ما يصلحه ويكفيه.

3. الحفيظ الرقيب:
   
   من معاني اسم المقيت أيضًا أنه الشهيد الرقيب على كل شيء، لا يخفى عليه أمر صغير ولا كبير، وهو مطّلع على خفايا الأمور.

4. الكافي لعباده:
   
   الله سبحانه وتعالى يكفي عباده المؤمنين ويهيئ لهم ما يحتاجون إليه، وهذا من كمال قدرته وعلمه ورحمته.

قال القرطبي في تفسيره: “المقيت هو الحافظ، أي الحفيظ، وقد قال بعضهم: المقيت هو القائم على كل نفس بما أقاته من قوتها، فهو مطّلع على أحوال العباد، عالم بحاجاتهم، ومُوصِلٌ لهم ما يُقيم حياتهم”.

أقوال العلماء في معنى اسم الله المقيت

الإمام ابن جرير الطبري:

قال في تفسير الآية (والله على كل شيء مقيت):

“يعني حفيظًا شهيدًا قادرًا، فالمقيت هو القائم على كل نفس بما أقاته من قوتها، فهو الذي يرزقها ويقدر عليها أقواتها”.

الإمام ابن القيم:

قال في كتابه “بدائع الفوائد”:

“المقيت هو الذي أوصل إلى كل مخلوق رزقه، وقدّر له قوته، لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه شيء من أمر الخلق”.

الإمام البيهقي:

في كتاب “الأسماء والصفات”، قال:

“المقيت: هو الذي أوصل إلى كل نفس قوتها، وجعل لها ما تحيا به، من طعام وشراب، وهو العليم بمقادير الأقوات، البصير بأحوال الخلق”.

ارتباط اسم الله المقيت بأسماء الله الحسنى الأخرى

اسم الله “المقيت” له صلة وثيقة بأسماء أخرى، مثل:

هذه الأسماء تتكامل في إظهار عظمة تدبير الله وشمول علمه وكمال قدرته ورحمته.

دلائل اسم الله المقيت في الكون والخلق

إن اسم الله “المقيت” يتجلى في مشاهد كثيرة من الكون، أبرزها:

1. تنوع الأرزاق ووفرتها:
   
   كيف أن لكل كائن حي رزقه المختلف بحسب نوعه وحجمه وبيئته. فالنملة في جحرها لها قوتها، والطير في السماء لا يخلو من رزقه، والحيتان في أعماق البحار تجد قوتها.

2. التوازن البيئي والغذائي:
   
   في النظام البيئي توازن دقيق يجعل لكل مخلوق موردًا غذائيًا محددًا، فلا تفسد الأرض، ولا تنقطع دورة الحياة، وهذا من دقة تقدير الله.

3. الغذاء في رحم الأم:
   
   الجنين في بطن أمه يأتيه رزقه وقوته في بيئة معزولة، لا عمل له ولا جهد، بل قدرة الله ولطفه وعلمه ترعاه.

4. الرضاعة بعد الولادة:
   
   حين يولد الطفل، يكون لبن الأم متوفرًا، مطابقًا تمامًا لحاجاته الغذائية، ويتغير طعمه ومكوناته مع نموه، وكل هذا من تقدير المقيت جلّ جلاله.

5. الهجرة الموسمية للكائنات:
   
   بعض الطيور تهاجر آلاف الكيلومترات لتصل إلى أماكن تجد فيها قوتها، وهي لا تملك خريطة ولا دليل، لكن الله المقيت هو الذي هداها، وساق إليها رزقها.

أثر الإيمان باسم الله المقيت في حياة المسلم

أولاً: اليقين برزق الله

من يتأمل اسم الله المقيت، يجد فيه يقينًا راسخًا أن الرزق مقدر لا محالة، فلا ينشغل القلب بالقلق المفرط من فوات الرزق، ما دام الله هو المقيت الذي لم ينسَ النملة في جحرها، ولا الطير في السماء، ولا الجنين في الرحم.

ثانيًا: التوكل على الله

الإيمان بأن الله هو المقيت يعزز التوكل الصادق، فالعبد يبذل الأسباب، لكنه لا يعلّق قلبه إلا بربّ الأسباب، الذي يوصل إليه رزقه كيف شاء، ومتى شاء، وبما شاء.

ثالثًا: الرضا والتسليم

من عرف أن الله هو المقيت، رضي بما قسم له، ولم يتسخط على حاله، لأنه يعلم أن الرزق موزع بعدل وحكمة ورحمة.

رابعًا: الإحسان إلى المحتاجين

بما أن الله هو المقيت، فمن وسائل نيل رضاه أن نكون وسطاء في إيصال القوت إلى من يحتاجه، وأن نكون رحماء بعباد الله كما رحمنا الله.

خامسًا: الاستحياء من الله

إذا علم العبد أن الله هو المقيت الذي أوصل إليه كل قوتٍ في حياته، استحيا أن يعصيه بما رزقه، أو يستخدم نِعَمَه في مخالفة أمره.

الفرق بين المقيت والرزاق والكافي

ارتباط اسم المقيت بسلوك العبد اليومي

في العمل

يجب على المسلم أن يسعى للرزق باجتهاد وأمانة، دون جشع أو خوف، لأن الله المقيت لن يضيّع جهده، ولن ينسى قوته.

في العبادة

التوجه إلى الله بالدعاء طلبًا للقوت والرزق، لأن الله هو المقيت، القادر على أن يفتح للعبد أبواب الخير من حيث لا يحتسب.

في الأخلاق

من يؤمن بأن الله هو المقيت لا يحسد غيره، ولا ينظر لما في أيدي الناس، لأن القوت موزع من عند المقيت العليم الحكيم.

خاتمة

إنّ اسم الله “المقيت” من الأسماء العظيمة التي تدل على إحاطة الله الشاملة بعباده علمًا ورزقًا وقدرة، وأنه المتكفّل بتقدير أرزاقهم وإيصالها إليهم، بما يناسب حاجاتهم وظروفهم. إنه اسم يبعث الطمأنينة في القلوب، ويغرس فيها اليقين والتوكل والرضا. وقد أدرك أهل الإيمان عبر العصور أن من عرف الله بأسمائه، عبده حق عبادته، وأحبّه أعظم محبة، وتوكّل عليه أعظم توكّل.

المصادر

• تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري

• كتاب “بدائع الفوائد”، ابن القيم الجوزية