تُعد المياه الصالحة للشرب من أهم مقومات الحياة الصحية، وقد أولت منظمة الصحة العالمية (WHO) أهمية قصوى لتحديد مواصفات دقيقة تضمن سلامة المياه من التلوث الكيميائي والبيولوجي والفيزيائي، وذلك لحماية صحة الإنسان من الأمراض المرتبطة بتلوث المياه. تُستخدم هذه المواصفات كمرجع أساسي للدول والمؤسسات والمنظمات الصحية لتقييم جودة مياه الشرب وتحسين بنيتها التحتية وضمان سلامتها من المصدر حتى نقطة الاستخدام.
أهمية تحديد مواصفات مياه الشرب
تشكل المياه غير النظيفة أحد الأسباب الرئيسية لانتقال الأمراض المعدية مثل الكوليرا، التيفوئيد، التهاب الكبد الوبائي A، والإسهال المزمن، والتي تساهم سنويًا في وفاة الملايين حول العالم، لا سيما في الدول النامية. بناءً عليه، فإن تحديد معايير واضحة وموحدة لمياه الشرب يساعد على حماية الصحة العامة وتقليل العبء الصحي الناتج عن الأمراض المرتبطة بالمياه.
المستويات الأساسية لتقييم جودة مياه الشرب
تُقسم مواصفات مياه الشرب حسب منظمة الصحة العالمية إلى ثلاثة مستويات رئيسية:
-
المواصفات الفيزيائية
-
المواصفات الكيميائية
-
المواصفات الميكروبيولوجية
وسوف نناقش كل منها بالتفصيل أدناه.
أولًا: المواصفات الفيزيائية
تشير المواصفات الفيزيائية إلى الخصائص الظاهرة للمياه والتي تؤثر بشكل مباشر على طعمها، رائحتها، ولونها، مما قد ينعكس على رغبة المستهلك في شربها حتى وإن لم تكن ضارة صحيًا. وفقًا للمعايير الدولية:
| الخاصية الفيزيائية | الحد الأقصى الموصى به | الملاحظات |
|---|---|---|
| اللون | أقل من 15 وحدة بلاتينية | المياه يجب أن تكون عديمة اللون تقريبًا |
| الطعم | غير مميز | لا ينبغي أن تحتوي المياه على طعم غريب |
| الرائحة | غير مميزة | يجب أن تكون عديمة الرائحة |
| العكارة | أقل من 5 NTU | تشير إلى نقاء المياه من الجزيئات العالقة |
| درجة الحرارة | بين 15 – 25 درجة مئوية | لا تؤثر على الصحة لكن تؤثر على القبول الحسي |
يُشار إلى أن بعض التغيرات الفيزيائية قد تدل على وجود تلوث كيميائي أو ميكروبيولوجي، لذا فإنها تمثل مؤشرات مهمة يجب عدم تجاهلها.
ثانيًا: المواصفات الكيميائية
تتعلق المواصفات الكيميائية بالمركبات والعناصر الكيميائية التي قد تتواجد في المياه نتيجة التلوث الصناعي، الزراعي، أو الطبيعي. حددت منظمة الصحة العالمية مستويات قصوى آمنة لهذه المواد لضمان عدم تسببها بمشاكل صحية مزمنة، مثل التسمم، أمراض الكلى، السرطان، واضطرابات النمو لدى الأطفال.
أبرز المواد الكيميائية ومعاييرها حسب منظمة الصحة العالمية:
| المركب الكيميائي | الحد الأقصى المسموح به (ملغم/لتر) | التأثير الصحي المحتمل |
|---|---|---|
| النترات (NO3) | 50 | قد تسبب “متلازمة الطفل الأزرق” |
| الفلوريد (F⁻) | 1.5 | تأثيرات سلبية على العظام والأسنان عند التراكيز العالية |
| الزرنيخ (As) | 0.01 | عنصر سام ومسرطن |
| الرصاص (Pb) | 0.01 | يسبب تلفًا في الجهاز العصبي والكلى |
| الكادميوم (Cd) | 0.003 | يؤثر على وظائف الكلى ويُعد من العناصر السامة |
| الزئبق (Hg) | 0.006 | يسبب اضطرابات عصبية ويؤثر على النمو |
| الكلور المتبقي | 0.2 – 0.5 | ضروري للتطهير ولكن يجب ضبطه |
إضافة إلى العناصر السابقة، توجد قائمة طويلة من المركبات العضوية مثل المبيدات ومركبات الهيدروكربون العطرية المتعددة (PAHs) التي يجب مراقبتها في مياه الشرب خاصة في المناطق الزراعية والصناعية.
ثالثًا: المواصفات الميكروبيولوجية
تُعد المعايير الميكروبيولوجية من أهم مقاييس سلامة المياه نظرًا لأن وجود كائنات دقيقة ممرضة مثل البكتيريا، الفيروسات، والطفيليات يمكن أن يؤدي إلى انتشار سريع للأوبئة. تؤكد منظمة الصحة العالمية على ضرورة خلو مياه الشرب تمامًا من أي مؤشرات لوجود التلوث البكتيري.
أهم المؤشرات الميكروبية التي تُستخدم في تقييم مياه الشرب:
| الكائن المؤشر | الحد المسموح به في 100 مل | الملاحظات |
|---|---|---|
| القولونيات الكلية | 0 | مؤشر على التلوث بالبراز |
| القولونيات البرازية (E. coli) | 0 | وجودها يدل على تلوث خطير بالبراز |
| المكورات المعوية | 0 | مؤشر إضافي لتلوث المياه بالبراز البشري أو الحيواني |
| الكائنات المسببة للطفيليات | 0 | مثل الجيارديا واللامبليا |
تفرض هذه المعايير إجراءات رقابة دقيقة على مراحل معالجة المياه بدءًا من المصدر وحتى التوزيع، وتفرض إجراءات صارمة في حالة اكتشاف تلوث ميكروبي لضمان صحة المستهلك.
العناصر المترابطة الأخرى في تقييم مياه الشرب
بالإضافة إلى العناصر الثلاثة الأساسية، توجد مجموعة من العوامل الأخرى التي توصي منظمة الصحة العالمية بمراعاتها عند تقييم مياه الشرب:
-
الأس الهيدروجيني (pH): يجب أن يكون بين 6.5 و 8.5. القيم خارج هذا النطاق قد تدل على تآكل الأنابيب أو عدم فعالية المعالجة.
-
المواد الصلبة الذائبة الكلية (TDS): لا ينبغي أن تتجاوز 1000 ملغم/لتر لضمان مذاق مقبول وعدم ترسب الأملاح.
-
العسر الكلي للمياه: لا ينبغي أن يتجاوز 500 ملغم/لتر ككربونات الكالسيوم لتفادي مشاكل التكلس في الأنابيب والأجهزة.
التوصيات التشغيلية والرقابية لمنظمة الصحة العالمية
لا تقتصر جهود منظمة الصحة العالمية على تحديد المعايير فحسب، بل تشمل أيضًا سلسلة من التوصيات لضمان تطبيقها على الأرض، ومنها:
-
الرصد المستمر لمصادر المياه: باستخدام أدوات تحليل دورية للخواص الكيميائية والبيولوجية.
-
تعقيم المياه قبل التوزيع: باستخدام الكلور أو تقنيات الأشعة فوق البنفسجية أو الأوزون.
-
حماية مصادر المياه الجوفية والسطحية: من التلوث الصناعي والزراعي والمنزلي.
-
الصيانة الدورية لشبكات النقل والتوزيع: لضمان عدم تسرب الملوثات أثناء النقل.
-
الاستجابة السريعة لحالات التلوث: عبر أنظمة إنذار مبكر وفرق تدخل سريع.
المعايير القابلة للتكيف حسب ظروف الدول
تعترف منظمة الصحة العالمية بأن المعايير قد تكون طموحة جدًا لبعض الدول ذات الموارد المحدودة، ولذلك تتيح للدول اعتماد معايير مرحلية مناسبة لواقعها، شرط أن تضع خطة تدريجية للوصول إلى المعايير الكاملة. كما تشجع على إشراك المجتمع في الرقابة وتوعية المواطنين بأهمية الحفاظ على مصادر المياه.
الخلاصة العلمية
تمثل مواصفات المياه الصالحة للشرب حسب منظمة الصحة العالمية مرجعًا عالميًا لضمان جودة المياه والمحافظة على صحة الإنسان. وتكمن أهمية هذه المواصفات في أنها مبنية على أدلة علمية ودراسات مستفيضة شملت آثار الملوثات على المدى القصير والطويل. لذلك فإن التزام الدول والمؤسسات بهذه المعايير يعد خطوة محورية نحو تعزيز الأمن الصحي والوقاية من الأمراض المنتقلة عبر المياه.
المراجع العلمية:
-
WHO Guidelines for Drinking-water Quality, 4th edition, World Health Organization.
-
World Health Organization (2022). “Chemical hazards in drinking-water.”
-
WHO Microbial aspects of drinking-water quality (2023).
-
United Nations Water Quality Assessment Reports.
-
WHO Water Safety Planning Manual (2020).
