معايير منظمة الصحة العالمية لصلاحية الماء للشرب
تعتبر المياه من أهم الموارد الطبيعية التي يعتمد عليها الإنسان في مختلف جوانب حياته اليومية. إذ تمثل جزءًا أساسيًا من الحياة، فهي ضرورية للبقاء على قيد الحياة، ومن دونها لا يمكن للإنسان أو للكائنات الحية الأخرى أن تستمر. لذلك، فإن تأمين مياه صالحة للشرب يعد من الأولويات الصحية في جميع أنحاء العالم. في هذا السياق، أصدرت منظمة الصحة العالمية (WHO) معايير وإرشادات دقيقة لضمان جودة المياه وصلاحيتها للشرب. وتهدف هذه المعايير إلى ضمان صحة الإنسان وحمايته من الأمراض المنقولة عبر المياه.
أهمية معايير منظمة الصحة العالمية
تعتبر المياه من أهم العوامل التي تؤثر في الصحة العامة للبشرية. إذ يمكن أن تحتوي المياه الملوثة على مجموعة من الملوثات التي قد تتسبب في العديد من الأمراض، مثل الإسهال والتسمم والأمراض المعوية والطفيليات. لذلك، تساهم معايير منظمة الصحة العالمية في الحد من هذه المخاطر من خلال تحديد مستويات معينة من الملوثات المسموح بها في مياه الشرب، فضلاً عن توجيه الدول والهيئات المعنية إلى كيفية معالجة المياه وتنقيتها.
المعايير الرئيسية لصلاحية الماء للشرب
تتضمن معايير منظمة الصحة العالمية مجموعة من المؤشرات التي يتم تقييم المياه بناءً عليها لتحديد ما إذا كانت صالحة للشرب أم لا. وهذه المؤشرات تشمل:
1. المعايير الكيميائية:
تشمل المعايير الكيميائية تحديد الحدود المسموح بها لمختلف المواد الكيميائية في الماء. وهذه المواد تتضمن العناصر المعدنية والمواد الكيميائية السامة التي قد تكون موجودة في الماء نتيجة للتلوث الصناعي أو الزراعي. تشمل المعايير الكيميائية الأكثر أهمية ما يلي:
-
الفلورايد: يعتبر الفلوريد من المواد التي يمكن أن تكون مفيدة للصحة في تركيزات محددة، حيث يساعد في منع تسوس الأسنان. ومع ذلك، فإن المستويات العالية من الفلوريد قد تؤدي إلى تسمم الكبد والكلى أو مشاكل صحية أخرى. لذلك، تحدد منظمة الصحة العالمية الحد المسموح به للفلورايد في الماء بـ 1.5 ميليغرام لكل لتر.
-
الزرنيخ: يعتبر الزرنيخ أحد الملوثات السامة التي قد توجد في المياه نتيجة للنشاطات الصناعية أو التعدين. مستويات الزرنيخ العالية يمكن أن تؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة مثل السرطان والأمراض الجلدية. لذلك، تحدد منظمة الصحة العالمية الحد الأقصى لمستوى الزرنيخ في المياه بـ 0.01 ميليغرام لكل لتر.
-
النترات: قد يؤدي وجود النترات في المياه إلى أمراض خطيرة، خصوصًا للأطفال الرضع، مثل “مرض الزرق الأزرق” (Methemoglobinemia)، الذي يمكن أن يؤدي إلى مشاكل تنفسية. الحد المسموح به للنترات في المياه هو 50 ميليغرام لكل لتر.
2. المعايير البيولوجية:
تلعب الكائنات الحية الدقيقة دورًا كبيرًا في تلوث المياه. تشمل المعايير البيولوجية تحديد الحد المسموح به من الميكروبات المسببة للأمراض في المياه، مثل البكتيريا والفيروسات والطفيليات. في هذا الصدد، تركز منظمة الصحة العالمية على الميكروبات التي قد تسبب أمراضًا معوية، مثل الإشريكية القولونية (E. coli) والكوليرا.
-
الإشريكية القولونية (E. coli): هي إحدى البكتيريا التي تُعتبر مؤشرًا مهمًا لتلوث المياه بالبكتيريا المسببة للأمراض. عند وجود أي نسبة من الإشريكية القولونية في الماء، يعتبر الماء ملوثًا وغير صالح للشرب.
-
الكوليرا: تعتبر الكوليرا أحد الأمراض المعوية التي تنتقل عبر الماء الملوث. وتحدد منظمة الصحة العالمية معايير صارمة لضمان أن المياه لا تحتوي على مستويات من البكتيريا المسببة لهذه الأمراض.
3. المعايير الفيزيائية:
المعايير الفيزيائية تشير إلى الخصائص التي يمكن ملاحظتها أو قياسها بدون الحاجة إلى تحليل كيميائي أو بيولوجي. تشمل هذه الخصائص اللون والطعم والرائحة.
-
اللون: تعتبر المياه الشفافة والخالية من اللون غير صالحة للشرب إذا كانت تحتوي على مواد ملوثة أو معلقات تمنع الرؤية عبر الماء. ويُعتبر الماء الذي يحتوي على لون غير طبيعي غير مناسب للاستهلاك البشري.
-
الرائحة والطعم: يجب أن يكون للمياه طعم ورائحة محايدة. وجود طعم أو رائحة غير مألوفة قد يشير إلى وجود ملوثات قد تكون سامة أو ضارة.
4. المعايير الفيزيائية-كيميائية المتعلقة بالحموضة (pH):
تعتبر درجة الحموضة (pH) من العوامل الفيزيائية الهامة التي تؤثر على جودة المياه. حيث يؤثر pH المياه على تفاعل المواد الكيميائية في الماء وقدرتها على التفاعل مع المعادن والمواد الأخرى.
-
المستوى المسموح به لـ pH: يحدد منظمة الصحة العالمية نطاق pH المياه بين 6.5 و8.5، حيث يُعتبر الماء في هذا النطاق مناسبًا للشرب والاستخدام الآمن. قد يتسبب الماء ذي الحموضة العالية (أقل من 6.5) أو القلوية العالية (أكثر من 8.5) في تآكل الأنابيب والتسبب في طعم غير مرغوب فيه.
كيفية معالجة المياه لضمان صلاحيتها للشرب
تعتبر عمليات تنقية المياه من الخطوات الأساسية التي تضمن صلاحية المياه للشرب. ومن أهم هذه العمليات:
-
التصفية: يتم استخدام شبكات من الفلاتر لإزالة المواد الصلبة المعلقة والمواد العضوية.
-
التطهير: تشمل عمليات تطهير المياه إضافة المواد الكيميائية (مثل الكلور) أو استخدام الأشعة فوق البنفسجية أو الأوزون لقتل الكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض.
-
التحلية: في المناطق التي تعاني من نقص المياه العذبة، يتم استخدام تقنيات تحلية المياه لإزالة الأملاح والمعادن الضارة.
تحديات تطبيق معايير منظمة الصحة العالمية
على الرغم من أهمية معايير منظمة الصحة العالمية، إلا أن تطبيق هذه المعايير يمكن أن يواجه بعض التحديات في بعض المناطق. من أبرز هذه التحديات:
-
القدرة المالية المحدودة: تتطلب عملية معالجة المياه وتنقيتها استثمارات كبيرة في البنية التحتية والتكنولوجيا، وهو ما قد يكون غير متاح في بعض الدول النامية.
-
التلوث البيئي: في بعض المناطق، يصعب تقليل التلوث البيئي بسبب زيادة النشاطات الصناعية والزراعية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تلوث المياه بالمواد الكيميائية والمعادن الثقيلة.
-
التغيرات المناخية: التغيرات المناخية يمكن أن تؤثر على جودة المياه بسبب الفيضانات والجفاف، مما يؤدي إلى تدهور نوعية المياه وزيادة الملوثات.
-
النمو السكاني: مع ازدياد عدد السكان في بعض المناطق، تتزايد الضغوط على مصادر المياه المتاحة، مما قد يؤدي إلى تدهور نوعية المياه.
الخاتمة
إن توفير مياه صالحة للشرب يعد من أكبر التحديات التي تواجهها المجتمعات في العصر الحديث. إذ لا يكفي فقط توفير كميات كافية من الماء، بل يجب أن تكون هذه المياه نظيفة وآمنة. لذا، تساهم معايير منظمة الصحة العالمية في تحديد الأبعاد الصحية لجودة المياه وضمان أنها خالية من الملوثات الكيميائية، البيولوجية، والفيزيائية التي قد تضر بصحة الإنسان. يبقى التطبيق الفعلي لهذه المعايير هو العامل الحاسم لضمان صحة الأفراد والمجتمعات، خاصة في ظل التحديات البيئية والاجتماعية التي تواجه العديد من البلدان في العصر الحالي.
