مراحل تطور الجنين من الشهر الأول إلى التاسع

مراحل تكون الجنين من الشهر الأول إلى الشهر التاسع

تعد فترة الحمل من أكثر التجارب البشرية تعقيدًا وجمالًا في آنٍ واحد. خلال تسعة أشهر، يتطور الجنين من خلايا بسيطة إلى كائن كامل قادر على الحياة في العالم الخارجي. مراحل تكون الجنين تتسم بتغيرات بيولوجية مذهلة، وتُعد رحلة من النمو والتعقيد، حيث ينمو الجنين ويكتسب مختلف الخصائص التي تجعله قادرًا على البقاء في بيئته الجديدة.

الشهر الأول: التخصيب وانغراس الجنين

في بداية الحمل، تبدأ أولى مراحل تكوّن الجنين بالتخصيب، حيث يتم دمج البويضة المخصبة مع الحيوان المنوي. يحدث ذلك في قناة فالوب، ما يؤدي إلى تكوين “الزيجوت”. يبدأ الزيجوت في الانقسام ليصبح كرة صغيرة من الخلايا تُسمى “المُعِّيبَة”. هذه الخلايا تبدأ في الانقسام السريع وتتحول إلى مرحلة تُعرف بـ “الجنين” الذي يبدأ في الانتقال عبر قناة فالوب نحو الرحم.

مع بداية الأسبوع الثاني، ينجح الجنين في الالتصاق بجدار الرحم. في هذه المرحلة، يبدأ جسم الأم بإفراز هرمون “موجهة الغدد التناسلية المشيمية البشرية” (hCG)، وهو الهرمون الذي يُستخدم في اختبارات الحمل للتأكد من حدوث الحمل.

في الشهر الأول، يبدأ تشكيل الأنسجة والأعضاء بشكل مبدئي. على الرغم من أن الجنين في هذا الشهر لا يتعدى حجمه حجم حبة الأرز، إلا أن الأسس التي ستشكل كل جهاز في جسمه قد بدأت في التكون.

الشهر الثاني: نمو الأنسجة والأعضاء

مع بداية الشهر الثاني من الحمل، تتسارع وتيرة نمو الجنين بشكل كبير. في الأسبوع الرابع من الحمل، يصبح الجنين أكثر وضوحًا، وتبدأ أعضاءه الرئيسية في التكون. في هذا الشهر، يبدأ الدماغ والحبل الشوكي في النمو، ويبدأ القلب في الخفقان.

تبدأ العينان والجفون بالتشكل، بالإضافة إلى الأذن الداخلية والأنف. يمكن رؤية الأطراف العلوية والسفلية كزوايا صغيرة، وتظهر فيها أجزاء متفرقة مثل الأصابع. في هذا الوقت، يبدأ الجنين في حركة بسيطة، ولكن من غير الممكن للأم الشعور بها بعد.

أحد أبرز التطورات في هذا الشهر هو انغلاق الأنبوب العصبي الذي يُعتبر أساسيًا في نمو الدماغ والحبل الشوكي. كما يظهر القلب في صورة من ثلاث غرف، وتبدأ الدورة الدموية في العمل بشكل جزئي.

الشهر الثالث: نهاية المرحلة الجنينية الأولى

بحلول الشهر الثالث، يكون الجنين قد اجتاز مرحلة تكوين الأنسجة الأساسية للأعضاء. يصبح طول الجنين حوالي 7.5 سم، ويكتسب شكلًا أكثر وضوحًا للإنسان. تبدأ الأطراف العلوية والسفلية في التمدد، ويمكن رؤية الأظافر على أصابع اليدين والقدمين. تكون الأذن الخارجية قد تشكلت، وتبدأ العينان في التحرك إلى مكانهما الصحيح على الوجه.

من التطورات المهمة في هذا الشهر هي اكتمال النمو الأساسي للكبد والكليتين، وتبدأ الكليتان في تكوين البول. مع نهاية الشهر الثالث، تبدأ الأعضاء التناسلية في التمايز، ويظهر جنس الجنين بشكل أكثر وضوحًا عبر الفحوصات.

الشهر الرابع: تطور الأعضاء والتفاعل مع البيئة

في الشهر الرابع، يكون الجنين قد نما بشكل ملحوظ، حيث يصبح طوله حوالي 14 سم. تظهر له حركة ملحوظة داخل الرحم، وهو ما قد تشعر به الأم في هذه الفترة، خاصة إذا كانت تجربة الحمل الأولى لها. في هذه المرحلة، يبدأ الجنين في تحريك يديه وقدميه داخل السائل الأمنيوسي، وتبدأ عضلاته في النمو بشكل أكبر، مما يسمح له بالحركة أكثر.

الهيكل العظمي للجنين في هذا الشهر يصبح أكثر صلابة، ويدخل في مرحلة تشكيل العظام. كما أن الأعضاء الداخلية مثل الأمعاء تبدأ في الانقسام إلى أجزاء متخصصة، وتبدأ الغدد العرقية في التطور.

يبدأ شعر الجنين في النمو، ويبدأ غطاءه الجلدي في التكون. قد تظهر لدى الجنين طبقة دهنية تُسمى “الزهم”، التي تساعد في حماية الجلد خلال فترة وجوده في السائل الأمنيوسي.

الشهر الخامس: تزايد الحجم والمزيد من التفاعلات

مع دخول الشهر الخامس، يصبح الجنين أكثر نشاطًا، ويزداد حجمه ليصل إلى حوالي 20 سم. تبدأ التفاعلات العصبية تتطور بشكل أكبر، ويُلاحظ أن الجنين يستطيع تمييز الضوء والظلام من خلال عينيه المغلقتين. يمكن أن تبدأ حركة الجنين داخل الرحم في أن تصبح أكثر وضوحًا للأم، مما يضيف إلى تفاعلها مع الحمل.

تبدأ الأعضاء التناسلية للجنين في التميز بشكل أكثر دقة، وتُصبح الفحوصات الطبية قادرة على تحديد جنس الجنين بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، يستمر نمو الشعر على رأس الجنين، وتبدأ الأذن الداخلية في إتمام تطورها.

الشهر السادس: النشاط المتزايد والنمو السريع

في الشهر السادس، يبدأ الجنين في الظهور بشكل واضح على شكل إنسان كامل. يبدأ طوله في الوصول إلى حوالي 30 سم، ويكتسب وزنه ببطء. في هذه المرحلة، يمكن أن تتطور طبقة الدهون تحت الجلد، مما يجعل الجنين يبدو أكثر امتلاءً.

تستمر الأعضاء الداخلية في النمو والتطور. تبدأ رئتا الجنين في تطوير قدرتهما على التنفس، بالرغم من أنه لا يزال يحتاج إلى بعض الوقت لتكونا قادرتين على العمل بشكل فعال بعد الولادة. يبدأ الجنين في سماع الأصوات المحيطة به من خلال الأذن الداخلية.

في هذا الشهر، قد يظهر الجنين حركات غير إرادية، مثل التمدد والرفرفة، وهو ما يعني أن الجهاز العصبي قد تطور بشكل ملحوظ.

الشهر السابع: اكتمال النمو الوظيفي للأعضاء

في الشهر السابع، يبدأ الجنين في التفاعل بشكل أكثر وضوحًا مع محيطه. تتطور رئتيه بشكل أكبر، وتبدأ المواد التي تساعد على توسيع الأكياس الهوائية في الرئتين في التكون. على الرغم من أن الجنين لا يزال صغيرًا في الحجم، إلا أن جهازه التنفسي أصبح جاهزًا بشكل أفضل للعمل في العالم الخارجي.

يستمر الجهاز العصبي في تطوره، وتبدأ أدمغة الجنين في النمو بشكل سريع، مما يسمح له بتنسيق الحركات بشكل أفضل. في هذه المرحلة، يبدأ الجنين في التحرك بشكل متناسق، ويمكن للأم أن تشعر بكل حركة بطريقة مميزة.

الشهر الثامن: اكتمال النمو استعدادًا للولادة

بحلول الشهر الثامن، يكون الجنين قد اكتمل نموه بشكل كبير. يصبح طوله حوالي 40 سم، ويبدأ وزنه في الاقتراب من 2.5 كيلوجرام. في هذا الشهر، تتشكل الدهون تحت الجلد بشكل ملحوظ، مما يمنح الجنين مظهرًا أكثر امتلاءً واستدارة.

الدماغ والجهاز العصبي يكونان في قمة تطورهما، حيث يصبح الجنين قادرًا على تنظيم العديد من وظائفه الحيوية. بالإضافة إلى ذلك، يبدأ الجنين في تحسين قدرته على التحكم في درجة حرارته، كما أن رئتيه تصبحان قادرتين على التنفس بشكل أكبر.

الشهر التاسع: الاستعداد للولادة

في الشهر التاسع، يستعد الجنين للميلاد. تكتمل جميع أعضائه، ويكتسب طاقة نهائية للاستعداد للانتقال إلى العالم الخارجي. تكتمل الأنسجة الدهنية تحت الجلد، ويصبح جسم الجنين مستعدًا لتبني الحرارة في البيئة الخارجية.

يبدأ الجنين في الانخفاض إلى أسفل الرحم، استعدادًا للولادة. قد تظهر بعض الحركات النهائية، حيث يمكن أن يحرك الجنين يديه وقدميه، ويمكن للأم أن تشعر بها بوضوح. في هذه المرحلة، تكون كل أعضاء الجنين جاهزة للعمل في العالم الخارجي، ما يجعله مستعدًا تمامًا للولادة.

ختامًا، تكون فترة الحمل مليئة بتطورات مذهلة تحدث داخل جسم الأم وجنينها. من لحظة التخصيب وحتى لحظة الولادة، تتغير حياة الجنين بشكل متسارع، مما يجعل هذه الفترة واحدة من أكثر الفترات إثارة وغموضًا في حياة الإنسان.