معايير الاقتباس في البحث العلمي

معايير وشروط الاقتباسات في البحث العلمي وأساليب توثيقها

تعد الاقتباسات من المصادر أحد الركائز الأساسية التي يعتمد عليها الباحثون في بناء أبحاثهم العلمية. فهي لا تقتصر على إثراء المحتوى المعرفي فحسب، بل تُعد أداة ضرورية لتحقق الأمانة العلمية في عرض المعلومات. يشمل توثيق الاقتباسات عملية نقل معلومات من مصادر أخرى مع تحديد الأصل بدقة، ويُعتبر ذلك جزءاً من احترام حقوق الملكية الفكرية وتجنب الانتحال. على الرغم من أهمية الاقتباسات، فإن استخدامها يخضع لمجموعة من المعايير والشروط التي يجب على الباحث الالتزام بها، كما أن طرق توثيقها تتنوع حسب النظام المعتمد في كل مجال علمي.

1. مفهوم الاقتباس في البحث العلمي

الاقتباس هو إعادة صياغة أو نقل جزء من النصوص المكتوبة في مصدر آخر سواء كانت كتباً، مقالات علمية، رسائل ماجستير أو دكتوراه، أبحاث، أو تقارير علمية. ويشمل الاقتباس نقل أفكار أو نظريات أو معلومات أو نتائج من مصدر آخر مباشرة أو من خلال تلخيص أو إعادة صياغة. وقد تكون الاقتباسات إما نصية مباشرة، أي نقل الجمل أو الفقرات كما هي من المصدر، أو غير مباشرة، حيث يقوم الباحث بصياغة الأفكار بطريقة جديدة ولكنه يشير إلى المصدر الأصلي.

2. معايير الاقتباس في البحث العلمي

2.1 الأمانة العلمية

أهم معيار يجب على الباحث الالتزام به عند استخدام الاقتباسات هو الأمانة العلمية. يتعين على الباحث أن يكون صريحاً في نسب جميع المعلومات والأفكار التي ليست من إبداعه الخاص إلى مصدرها الأصلي. عدم توثيق الاقتباسات بشكل دقيق يؤدي إلى اتهامات بالانتحال العلمي، وهو ما يضر بمصداقية البحث ويعرض الباحث لمشاكل قانونية وأكاديمية.

2.2 الدقة والوضوح

عند استخدام الاقتباسات، يجب أن تكون النصوص المنقولة دقيقة وواضحة، سواء كانت اقتباسات مباشرة أو غير مباشرة. يجب أن تُحافظ النصوص المنقولة على معانيها الأصلية دون تحريف أو تغيير، ويجب أن يتم التأكد من أن النص المنقول يعكس ما ورد في المصدر الأصلي تماماً.

2.3 تحديد المصدر بدقة

من شروط الاقتباس الأساسية أن يتم توثيق المصدر بشكل دقيق. يجب على الباحث أن يذكر اسم المؤلف، عنوان المصدر، تاريخ نشره، ورقم الصفحة إذا كان الاقتباس نصياً. في حال كانت الاقتباسات متعددة من نفس المصدر، يتوجب على الباحث أن يوضح ذلك بطريقة منهجية تسهم في تسهيل الرجوع إلى المصدر.

2.4 الاعتدال في استخدام الاقتباسات

يجب أن يُستخدم الاقتباس بشكل معتدل. بمعنى أن الباحث يجب أن يعتمد على اقتباسات قليلة من المصادر الأصلية ويفضل أن يركز على تحليل البيانات والتوصل إلى استنتاجات خاصة به. الاقتباس المفرط قد يعكس ضعف البحث أو قلة الإبداع.

2.5 التزام التحديث

تُعتبر المصادر الحديثة الأكثر موثوقية في البحث العلمي، لذلك يتوجب على الباحث استخدام اقتباسات من دراسات حديثة تدعم موضوع البحث. تجنب استخدام مصادر قديمة يمكن أن يؤثر على مصداقية البحث ويجعله يبدو غير مواكب للمتغيرات الحالية.

3. أساليب توثيق الاقتباسات

3.1 النظام الأمريكي (APA)

يُعد نظام (APA) من أشهر أساليب التوثيق المستخدمة في العلوم الاجتماعية والنفسية والتعليمية. يعتمد هذا النظام على توثيق الاقتباسات في النص من خلال ذكر اسم المؤلف وتاريخ النشر، مع إضافة المرجع الكامل في قائمة المراجع في نهاية البحث. على سبيل المثال:

• اقتباس مباشر: “تعتبر القيادة من أهم عوامل النجاح في المؤسسات” (المرزوقي، 2020، ص. 45).

• في قائمة المراجع: المرزوقي، ع. (2020). القيادة في المؤسسات التعليمية. دار المعرفة.

3.2 نظام هارفارد

نظام هارفارد يعتمد على نفس الأساسيات التي يعتمد عليها نظام (APA) من حيث توثيق الاقتباسات في النص. الفرق الرئيسي بين النظامين هو أن نظام هارفارد يستخدم الفاصلة بين اسم المؤلف وتاريخ النشر وليس النقطة كما في (APA). على سبيل المثال:

• اقتباس مباشر: “تشير الدراسات إلى أهمية النمو الشخصي في تعزيز الأداء الوظيفي” (المرزوقي، 2020، ص. 45).

• في قائمة المراجع: المرزوقي، ع. (2020). القيادة في المؤسسات التعليمية. دار المعرفة.

3.3 نظام شيكاغو

نظام شيكاغو يستخدم تنسيقاً مختلفاً قليلاً في توثيق المصادر ويتيح للباحث اختيار نمطين:

• نمط الملاحظات والتوثيق: ويعتمد على توثيق الاقتباس في هوامش الصفحة.

• نمط المؤلف والتاريخ: ويعتمد على توثيق الاقتباسات بطريقة مشابهة لنظام (APA) و(هارفارد)، ويعتمد على توثيق المؤلف وتاريخ النشر بين قوسين داخل النص.

3.4 نظام MLA

يستخدم هذا النظام بشكل أساسي في الأدب والعلوم الإنسانية. في هذا النظام، يتم توثيق الاقتباس داخل النص بوضع اسم المؤلف ورقم الصفحة في قوسين. على سبيل المثال:

• اقتباس مباشر: “الكتب هي الجسر بين الماضي والحاضر” (المرزوقي 45).

• في قائمة المراجع: المرزوقي، ع. الكتب والمجتمع. دار الثقافة، 2020.

3.5 نظام أوسلو

هذا النظام يتبع بشكل خاص في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، ويشمل توثيق الاقتباسات بطريقة مشابهة لنظام (APA) ولكن مع إضافة تفاصيل إضافية مثل المكان الذي تم فيه نشر المصدر.

4. التوثيق في حالة الاقتباس المباشر وغير المباشر

4.1 الاقتباس المباشر

عند استخدام الاقتباس المباشر، يُنقل النص حرفياً كما هو من المصدر، مع الحفاظ على التنسيق والترتيب. وعادة ما يتم استخدام علامات التنصيص لتحديد النص المنقول، كما يُذكر رقم الصفحة عند الاقتباس من مصدر محدد. يفضل استخدام الاقتباسات المباشرة عندما يكون النص الأصلي ذا أهمية خاصة أو له تأثير دقيق في توصيل المعنى.

4.2 الاقتباس غير المباشر

في الاقتباس غير المباشر، يُنقل المعنى العام من المصدر، ولكن باستخدام كلمات الباحث نفسه. هذا النوع من الاقتباس يُستخدم بشكل أكبر عند الرغبة في تفسير أو تلخيص فكرة أو نظرية دون نقل النص حرفياً. كما أن الاقتباس غير المباشر يتطلب إشارة إلى المصدر الأصلي في النص، لتوثيق الفكرة.

5. قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية

يجب أن يكون الباحث على دراية بقوانين حقوق النشر والملكية الفكرية المتعلقة بالاقتباس. يتعين عليه التأكد من أن الاقتباس لا يتجاوز حدود الاستخدام المسموح به قانونياً، حيث قد يتم اعتبار الاقتباس الزائد أو المفرط انتهاكاً لحقوق الملكية الفكرية. العديد من المجلات الأكاديمية والمراكز البحثية تضع قوانين خاصة بشأن كمية الاقتباس المسموح بها.

6. نصائح للاقتباس الجيد في البحث العلمي

• تجنب الاقتباس المفرط. يفضل أن يكون الاقتباس جزءاً من التحليل الشامل وليس هو المحتوى الأساسي.

• استخدم الاقتباسات لتدعيم أفكارك أو لتعزيز حججك، ولا تستخدمها كمادة أساسية في البحث.

• تأكد من توثيق جميع الاقتباسات بطريقة صحيحة، وذلك حسب النظام المعتمد في مجالك الأكاديمي.

• قم بتقديم اقتباسات دقيقة وواضحة، وتجنب تحريف النصوص أو تغيير معانيها.

• حافظ على تحديث الاقتباسات والمراجع لتتوافق مع أحدث الدراسات في مجالك.

7. الخاتمة

الاقتباسات في البحث العلمي ليست مجرد عملية نقل معلومات من مصادر أخرى، بل هي جزء من البناء المعرفي الذي يعزز مصداقية البحث. من خلال الالتزام بالمعايير والشروط الخاصة بالاقتباس، يمكن للباحث أن يضمن أن عمله يعكس احترام حقوق المؤلفين الآخرين، ويضيف قيمة حقيقية للمجال العلمي. يتطلب الأمر فهماً دقيقاً للأساليب المختلفة في التوثيق والالتزام بها بما يتناسب مع الموضوع والمجال الأكاديمي الذي يعمل فيه الباحث.