8 نصائح هامة لمعالجة الغيرة بين الأطفال

تُعد الغيرة بين الأطفال من الظواهر النفسية الطبيعية التي قد تنشأ في أي أسرة تضم أكثر من طفل، وهي تعبير داخلي عن رغبة الطفل في الحصول على الاهتمام الكامل أو الدفاع عن مكانته داخل محيطه الأسري أو الاجتماعي. وتظهر الغيرة بصور متعددة، فقد تكون على شكل سلوك عدواني تجاه الأخوة أو الأقران، أو انسحاب اجتماعي، أو حتى عبر مشاكل في النوم والتبول اللاإرادي. من هنا، يصبح فهم أسباب الغيرة والتعامل معها بأساليب تربوية صحيحة أمراً حيوياً للحفاظ على التوازن النفسي والعاطفي للطفل، وتعزيز الروابط الأسرية الإيجابية.

في هذا المقال، سنعرض ثماني نصائح تربوية وعلمية فعّالة لمعالجة الغيرة بين الأطفال، مدعومة بأحدث الدراسات التربوية والنفسية، مع التركيز على الجوانب التطبيقية التي يمكن أن يستفيد منها الأهل والمعلمون في التعامل مع هذه المسألة الحساسة.

أولاً: الفهم العميق لمشاعر الطفل

من أهم الخطوات الأولية للتعامل مع الغيرة هو فهم الخلفية النفسية لهذه المشاعر. الطفل لا يعبّر عن غيرته بالكلمات غالباً، بل يعبر عنها من خلال السلوك. فالطفل الغيور قد يصبح أكثر تعلقاً بوالديه، أو أكثر عدوانية تجاه إخوته، أو أكثر تمرداً على التعليمات. لذلك، لا بد من أن يتحلى الأهل بقدر كبير من الوعي والصبر لفهم الدوافع الحقيقية خلف سلوكيات الطفل.

يتوجب على الوالدين مراقبة سلوك أبنائهم بعناية وتدوين التغيرات السلوكية التي قد تدل على وجود مشاعر سلبية كالغيرة. هذا الفهم لا ينبغي أن يكون من منطلق إصدار الأحكام، بل من منطلق تربوي يهدف إلى الإصلاح والدعم.

ثانياً: تجنّب المقارنة بين الأطفال

تُعد المقارنة بين الأطفال، سواء في الأداء الدراسي أو السلوك أو القدرات، من أخطر العوامل التي تغذي الغيرة بين الإخوة. كثيراً ما يقع الآباء في فخ المقارنة دون قصد، حين يقولون مثلاً: “أخوك يحصل على درجات أفضل منك” أو “لماذا لا تكونين منظمة مثل أختك؟”، وهذه العبارات قد تترك أثراً نفسياً عميقاً في نفسية الطفل وتؤسس لنواة الحسد والغيرة.

تؤكد الدراسات النفسية أن المقارنات المستمرة لا تؤدي فقط إلى الغيرة، بل قد تسهم أيضاً في تعزيز الشعور بالنقص وتدهور احترام الذات لدى الأطفال. لذلك، من المهم معاملة كل طفل كفرد مستقل، له شخصيته ومواهبه واحتياجاته الخاصة.

ثالثاً: تعزيز مفهوم العدالة داخل الأسرة

العدالة لا تعني المساواة المطلقة في كل شيء، وإنما تعني مراعاة احتياجات كل طفل بشكل عادل ومنصف. فعندما يشعر الطفل أن والديه يعدلون بينه وبين إخوته، يتراجع عنده الشعور بالغيرة ويشعر بالأمان العاطفي.

على سبيل المثال، قد يحتاج طفل صغير إلى اهتمام أكبر بسبب مرض أو مرحلة عمرية حساسة، لكن في الوقت ذاته يجب على الوالدين أن يشرحا لإخوته سبب هذا التركيز حتى لا يُفسَّر على أنه تمييز. كما يجب منح كل طفل فرصته الخاصة في التعبير عن نفسه والحصول على وقته الخاص مع الأهل.

رابعاً: تعزيز الهوية الفردية لكل طفل

لكل طفل خصائص فريدة تجعله مميزاً، ومن الضروري أن يدرك الطفل هذه الخصوصية ويعتز بها. من المهم تشجيع الطفل على اكتشاف مواهبه وتنميتها، سواء كانت في الرسم أو الرياضة أو الكتابة أو أي مجال آخر، حتى يشعر بقيمته الذاتية بعيداً عن مقارنته بإخوته أو أقرانه.

ويساعد هذا النهج في بناء ثقة الطفل بنفسه ويخفف من رغبته في التنافس السلبي مع الآخرين، كما يقلل من اعتماده على المقارنة لقياس مكانته داخل الأسرة.

خامساً: تخصيص وقت فردي لكل طفل

غالباً ما يشعر الأطفال بالغيرة لأنهم يعتقدون أن إخوتهم يحصلون على قدر أكبر من اهتمام الأهل. لتجاوز هذا الإحساس، يُستحسن أن يخصص الأهل وقتاً فردياً لكل طفل، حتى وإن كان وقتاً قصيراً، لكنه يجب أن يكون نوعياً ومميزاً.

يمكن أن يتضمن هذا الوقت القراءة معاً، أو اللعب، أو الخروج في نزهة خاصة. مثل هذه اللحظات تعطي الطفل شعوراً بالتقدير والاهتمام، وتعيد التوازن العاطفي الذي قد يكون مفقوداً بسبب التنافس بين الإخوة.

سادساً: تشجيع التعاون لا التنافس

يجب على الأهل والمعلمين تعزيز قيم التعاون والعمل الجماعي بين الأطفال، بدلاً من تشجيع التنافس السلبي. يمكن مثلاً تكليف الأطفال بمهام جماعية تتطلب التعاون، مثل تحضير مائدة الطعام أو تنظيف الغرفة معاً أو إنجاز مشروع صغير.

عندما يتعاون الأطفال لتحقيق هدف مشترك، يشعر كل واحد منهم بأن له دوراً مهماً ومكانة ضمن الفريق، مما يقلل من حدة الغيرة ويعزز الروابط الأخوية.

سابعاً: توجيه السلوك دون نقد جارح

من المهم أن يتعامل الأهل مع سلوكيات الغيرة بحكمة دون اللجوء إلى التوبيخ أو السخرية، خاصة أمام الآخرين. الطفل الذي يشعر بأنه موضع سخرية أو لوم دائم قد يطور شعوراً بعدم القيمة ويزداد لديه الحنق تجاه إخوته.

بدلاً من ذلك، يجب توجيه الطفل بلطف وشرح سبب سلوكه الخاطئ وتقديم بدائل إيجابية، كأن يُقال له: “أعلم أنك غاضب لأن أختك حصلت على هدية، لكن يمكنك أن تطلب شيئاً تحبه وسنتحدث عنه لاحقاً”.

ثامناً: تربية الأطفال على التعبير عن مشاعرهم

يحتاج الأطفال إلى تعلم كيفية التعبير عن مشاعرهم السلبية بطريقة صحية. فبدلاً من كبت الغيرة أو تحويلها إلى عدوانية، يجب تعليم الطفل أن يتحدث عما يزعجه بطريقة هادئة ومحترمة.

يمكن أن تساعد الجلسات العائلية المنتظمة التي يُتاح فيها لكل فرد التعبير عن رأيه وشعوره في توفير بيئة آمنة للحوار. كما يمكن استخدام القصص والألعاب التفاعلية كوسيلة لتعليم الأطفال كيفية فهم وتسمية مشاعرهم.

جدول توضيحي للفروق بين الغيرة الصحية والغيرة السلبية

المراجع

• فرويد، سيغموند. (1920). علم نفس الطفل والأسرة، ترجمة: دار الطليعة، بيروت.

• Adele Faber & Elaine Mazlish (2012). Siblings Without Rivalry: How to Help Your Children Live Together So You Can Live Too. HarperCollins Publishers.

معالجة الغيرة بين الأطفال ليست مهمة سهلة، لكنها ممكنة وفعالة متى ما تم اعتماد أساليب تربوية قائمة على الفهم العميق والعدل والاحتواء. ويظل الجو العاطفي الدافئ داخل الأسرة هو الضمانة الأولى لبناء علاقات صحية ومستقرة بين الإخوة.