مظاهر قدرة الله

قدرة الله سبحانه وتعالى هي الحقيقة الأساسية التي تقوم عليها العقيدة الإسلامية، وهي من أسمى صفات الله التي تدل على عظمته وجلاله، وتبرز عظمة الخالق سبحانه في كل تفاصيل الكون والحياة. هذه القدرة تشمل كل شيء، ولا يحدها زمان أو مكان، ولا تخضع لقوانين المخلوقات، فهي مطلقة لا تشوبها شائبة، ولا يمكن للعقل البشري أن يحصرها أو يدرك كنهها بشكل كامل. يتجلى قدرة الله في آيات الكون، وفي تنوع المخلوقات، وفي سنن الحياة، وفي تفاصيل دقيقة تؤكد أن وراء هذا النظام حكمة عظيمة وقدرة لا تُحد.

مفهوم قدرة الله في الإسلام

القدرة في اللغة تعني الإمكانية والقوة على فعل الشيء، وفي الشريعة الإسلامية تعني أن الله قادر على كل شيء، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو المتصرف في كل شيء بإرادته الحكيمة. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” [البقرة: 20]، وهذه الآية وغيرها تؤكد على شمولية وقدرة الله المطلقة. ولا تقتصر قدرة الله على الخلق فقط، بل تمتد إلى التدبير والتحكم في الكون بأسره.

مظاهر قدرة الله في الكون

1. خلق السماوات والأرض

أولى المظاهر العظيمة لقدرة الله هي خلق السماوات والأرض وما فيهما من مخلوقات. قال تعالى: “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ” [الطلاق: 12]. خلق السماوات سبعاً، وخلق الأرضين مثلهن، وهذا دليل على قدرة لا مثيل لها، فالخلق من العدم لا يمكن أن يكون إلا بقوة عليا متناهية. السماوات والأرض منظومة متكاملة فيها قوانين فيزيائية محكمة تتحرك بانتظام دقيق، وهذا التناسق دليل على قدرة الله وعظمته.

2. تنوع المخلوقات وحكمتها

الله سبحانه خلق الإنسان، والجن، والحيوانات، والنباتات، والجبال، والبحار، وكل شيء مختلف في تركيبه ووظائفه. هذا التنوع لا يخلو من حكمة بديعة تبين قدرة الله على الإبداع والابتكار. قال تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ” [الروم: 22]. اختلاف الألسنة والألوان دلالة على قدرة الله في خلق التنوع والتفرد الذي لا يخلو من غاية.

3. تحريك الكون وسننه

الكون كله في حركة دائمة ومنتظمة بحكم الله، فالنجوم والكواكب تدور في مدارات محكمة، والأرض تدور حول الشمس بسرعة ثابتة، والأمواج والرياح تسير بنظام دقيق. كل هذه الحركات لا تكون إلا بقدرة الله وتدبيره. قال تعالى: “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ” [الأنعام: 2].

4. حياة الإنسان وتكوينه

خلق الإنسان من نطفة صغيرة لم يكن يتصور العقل البشري أن ينتج كائنًا بهذه التعقيدات البدنية والروحية. قدرة الله تظهر في مراحل نمو الإنسان في رحم أمه، وفي تكوين الأجهزة الحيوية من الدماغ، والقلب، والكبد، وغيرها من أعضاء دقيقة تعمل بتناسق عجيب. قال تعالى: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ” [المؤمنون: 12].

5. سنن الحياة والموت

الله هو الذي يحيي ويميت، ويبعث من في القبور، وقدر لكل مخلوق أجلاً محدداً. سنن الحياة والموت تدور في إطار هذه القدرة الإلهية، فالإنسان يولد ويعيش ويموت وفقًا لحكمة الله. قال تعالى: “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ” [آل عمران: 185].

6. قدرة الله في الأحوال المناخية

تحريك السحب، وإنزال المطر، وتغيير الفصول كلها من مظاهر قدرة الله. المطر الذي يحيي الأرض بعد موتها، والرياح التي تحمل البذور وتحرك البحار، كل ذلك من تدبير الله وحكمته. قال تعالى: “وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ” [فصلت: 13].

7. قدرة الله على إعجاز القرآن الكريم

القرآن الكريم معجز في لغته ومعانيه وأثره، وهذه المعجزة التي تحدى الله بها البشر والحجر دليل على قدرة الله في إنتاج كلام خالد يتحدى الزمن. قال تعالى: “وَإِن كُنتَ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتِ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ” [البقرة: 23].

مظاهر قدرة الله في تفاصيل الحياة اليومية

1. قدرة الله في شفاء الأمراض

الشفاء من الأمراض، وتجديد الخلايا، وتحسن الأجسام بعد العلل، كلها مظاهر قدرة الله التي تظهر في تفاصيل دقيقة في الحياة. الطب الحديث يعتمد على اكتشاف هذه الحقائق، لكنها في الأصل من صنع قدرة إلهية تفوق كل قدرة بشرية.

2. قدرة الله في إعطاء الرزق

الرزق والعيش الكافي، والقدرة على الكسب والتنعم بالحياة كلها بيد الله، وهو الذي يفتح أبواب الخير ويرزق من يشاء بغير حساب. قال تعالى: “وَرِزْقُهُ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ” [هود: 6].

3. قدرة الله في حفظ النظام والعدل

قدرة الله ليست فقط في الخلق، بل في المحافظة على النظام الاجتماعي والكوني، وفي إقامة العدل والحكمة بين الناس، فهو الذي يراقب ولا يغفل، ويكافئ ويحكم بحكمته المطلقة.

الفرق بين قدرة الله وقدرة المخلوقين

لا يمكن مقارنة قدرة الله بقدرة أي مخلوق مهما عظمت قدرته، فالمخلوق محدود في زمنه، مكانه، وأدواته، أما الله فليس كمثله شيء وهو السميع البصير. قدرة الله مطلقة لا تُحد ولا تُقيد. يقول تعالى: “وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” [البقرة: 20].

تأثير الإيمان بقدرة الله في حياة الإنسان

الإيمان بقدرة الله يعزز في نفس الإنسان الاطمئنان والسكينة، ويجعله يعتمد على الله في كل أموره، ويشعر بعظمة الخالق وقدرته التي تفوق كل شيء. كما يدفعه للإيمان بالقدر والرضا بقضاء الله، ويجعله يسعى في حياته مع الثقة بأن الله هو المدبر والمسيّر لكل شيء.

جدول يوضح بعض مظاهر قدرة الله في الكون والحياة

خاتمة

قدرة الله سبحانه وتعالى ظاهرة في كل ما يحيط بنا من خلق وسير الحياة، وتدل على عظمة الخالق وجلاله. إدراك هذه القدرة يعمّق إيمان الإنسان ويقويه، ويجعله ينظر إلى الحياة بأفق أوسع وأعمق، ويدرك أن كل شيء بيد الله وتحت مشيئته وحكمته. هذه المظاهر لا تنضب ولا تنتهي، بل هي دليل مستمر على وجود الله وقدرته التي لا حدود لها.