مظاهر الاعتزاز بالهوية الإسلامية

الاعتزاز بالهوية الإسلامية: مظاهره وأبعاده الحضارية

تعد الهوية الإسلامية من أسمى الهويات التي تنتمي إلى منظومة دينية وأخلاقية وحضارية عريقة، امتدت جذورها في التاريخ الإنساني عبر أكثر من أربعة عشر قرنًا، واستمدت قوتها من مصدرها الإلهي الذي لا يعتريه النقص ولا التبدل، وهو الوحي الإلهي المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. والاعتزاز بالهوية الإسلامية لا ينحصر في الشعارات أو الانفعالات العاطفية العابرة، بل هو منظومة متكاملة من الممارسات والسلوكيات والمواقف الفكرية والاجتماعية التي تعبر عن وعي عميق بالانتماء للإسلام، والتمسك بمبادئه، والدفاع عن قيمه، والعمل على تمثيله في مختلف مناحي الحياة.

في ظل التحديات الثقافية المعاصرة من عولمة جارفة، وتغريب ممنهج، وحروب فكرية ناعمة تستهدف تفكيك المنظومة القيمية للأمة، أصبح إبراز مظاهر الاعتزاز بالهوية الإسلامية واجبًا شرعيًا وحضاريًا في آن معًا. وهذا الاعتزاز هو من مقتضيات الإيمان بالله، وهو تجلٍّ طبيعي لحب الدين والانتماء له، إذ يقول الله تعالى: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ﴾ [فصلت: 33].

أولاً: الفهم الصحيح للهوية الإسلامية

الهوية الإسلامية ليست مجرد انتماء عرقي أو ثقافي أو جغرافي، بل هي هوية عقدية تقوم على الإيمان بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ﷺ نبيًا ورسولًا. وهي تتجلى في التوحيد، والاتباع، والولاء والبراء، والتمسك بالثوابت، والعمل بالشريعة. وتكمن قوة الهوية الإسلامية في أنها تتجاوز الحدود الجغرافية واللغوية، وتوحد المسلمين على اختلاف أعراقهم وثقافاتهم، لتجعل منهم أمة واحدة كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92].

ثانيًا: مظاهر الاعتزاز بالهوية الإسلامية

1. التمسك بالشعائر الدينية

من أبرز مظاهر الاعتزاز بالهوية الإسلامية التمسك بالشعائر التعبدية التي تمثل صلب الدين وأساس الانتماء إليه، كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والاعتصام بالمساجد. أداء هذه العبادات علنًا وبثقة، دون خجل أو تردد، هو تعبير عملي عن الفخر بالإسلام والانتماء إليه.

2. الالتزام بالمظهر الإسلامي

المظهر الخارجي يعكس القيم التي يؤمن بها الإنسان. فالتزام المسلم أو المسلمة باللباس الشرعي المحتشم –كالنقاب أو الحجاب بالنسبة للمرأة، والسمت الوقور للرجل– هو أحد صور الاعتزاز بالهوية. هذا المظهر ليس تقليدًا اجتماعيًا أو ثقافيًا فحسب، بل هو تطبيق لأوامر الله، وإظهار للانتماء إلى أمة الإسلام.

3. استخدام اللغة العربية

اللغة العربية ليست فقط أداة للتواصل، بل هي وعاء للوحي، وهي لغة القرآن والسنة. الاعتزاز باللغة العربية وتعلمها وتعليمها واستخدامها في الحياة اليومية من أقوى مظاهر الانتماء للهوية الإسلامية. ففقدان اللغة يؤدي تدريجيًا إلى ضياع المفاهيم الشرعية وخلخلة المفردات العقدية.

4. الاعتزاز بتاريخ الأمة وحضارتها

لا يكتمل الاعتزاز بالهوية الإسلامية دون الفخر بتاريخ المسلمين، من الفتوحات العظيمة، إلى حضارات الأندلس، إلى النهضة العلمية التي أسهم فيها المسلمون في مختلف العلوم كالرياضيات، والفلك، والطب، والفلسفة. إحياء هذا التاريخ وتدريسه للأجيال الجديدة يُعزز روح الانتماء ويقوي الثقة بالنفس الجماعية.

5. الدفاع عن القضايا الإسلامية

يتمثل الاعتزاز بالهوية في مناصرة قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والدفاع عن المقدسات، ومناهضة الحملات المعادية للإسلام. إن تبني موقف فكري أو عملي نصرةً للمظلومين في الأمة هو من صور الولاء للإسلام، ومن تجليات الانتماء الصادق.

6. التربية الإسلامية في البيوت والمدارس

يُعد تأسيس الأبناء على الفهم الصحيح للإسلام، وربطهم بالقيم الإسلامية منذ الصغر، أحد أعمق أشكال الاعتزاز بالهوية. ويتحقق ذلك عبر تدريس القرآن والسنة، وسيرة النبي، ومواقف الصحابة، وغرس حب الدين والانتماء إليه. فالتربية هي الأساس الذي تُبنى عليه الأمة.

7. الاندماج الواعي لا الذوبان في المجتمعات الأخرى

في واقعنا المعاصر حيث يعيش كثير من المسلمين في بلاد الغرب، يصبح الاعتزاز بالهوية تحديًا يوميًا. والمطلوب هو الاندماج الواعي الذي يوازن بين التفاعل مع المجتمع واحترام قوانينه من جهة، والحفاظ على الثوابت العقدية والسلوكية من جهة أخرى، دون ذوبان أو تنازل عن الخصوصية الإسلامية.

8. الإنتاج الحضاري الإسلامي المعاصر

الاعتزاز بالهوية لا يقتصر على الماضي، بل يشمل الحاضر والمستقبل. المسلم المعتز بدينه يسعى للمساهمة في بناء الحضارة الحديثة، من خلال التفوق العلمي، والابتكار، والعمل الجاد، والمبادرات التي تخدم البشرية. بذلك تتحول الهوية إلى مصدر للعطاء لا مجرد تميز شكلي.

ثالثًا: آثار الاعتزاز بالهوية الإسلامية

الاعتزاز بالهوية الإسلامية له آثار إيجابية على الفرد والمجتمع، منها:

رابعًا: التحديات التي تواجه الهوية الإسلامية

رغم قوتها، تواجه الهوية الإسلامية العديد من التحديات في العصر الحديث، ومن أبرزها:

• العولمة الثقافية التي تحاول فرض نمط حياة غربي من خلال الإعلام والموضة والتعليم.

• التعليم التغريبي الذي يُهمّش أو يُضعف الجانب الديني في مناهج التعليم.

• وسائل التواصل الاجتماعي التي تُصدّر نماذج حياة بعيدة عن القيم الإسلامية.

• الخطابات الدينية المتطرفة أو المائعة التي إما تنفر من الدين أو تميع حدوده.

• الضغوط السياسية والإعلامية التي تجرم بعض مظاهر الهوية مثل الحجاب أو اللحية.

خامسًا: سبل تعزيز الاعتزاز بالهوية الإسلامية

لتعزيز مظاهر الاعتزاز بالهوية الإسلامية، ينبغي العمل على عدة مستويات:

• إصلاح الخطاب الديني ليكون قائمًا على الوسطية، والبصيرة، ومواكبة الواقع.

• دعم المؤسسات التعليمية الإسلامية التي تُعنى بغرس العقيدة واللغة والتاريخ.

• تمكين الإعلام الإسلامي القادر على إنتاج محتوى جذاب يعزز القيم ويعبر عن الهوية.

• تشجيع الفن الإسلامي والآداب الإسلامية المعاصرة التي تجسد روح الأمة.

• تبادل التجارب بين المسلمين في الشرق والغرب لإيجاد أفضل الطرق للحفاظ على الهوية في مختلف السياقات.

• تأهيل الآباء والأمهات للقيام بدورهم التربوي في حماية الهوية داخل الأسرة.

• تبني نماذج قيادية شبابية تجمع بين الدين والعلم والحضارة، لتكون قدوة للأجيال القادمة.

سادسًا: الاعتزاز بالهوية الإسلامية في ظل التعددية

لا يعني الاعتزاز بالهوية الإسلامية الانغلاق أو التعصب، بل هو وعي بالانتماء دون تعالٍ، واعتزاز دون ازدراء للآخر. فالإسلام يدعو إلى الحوار، والتعايش، والتعارف، ويؤمن بالتعدد، لكنه يرفض الذوبان أو التنازل عن الثوابت. ولذلك، فإن المسلم المعتز بهويته يستطيع أن يتفاعل مع الآخرين، ويقدم لهم صورة مشرقة عن الإسلام من خلال أخلاقه وسلوكه وثقافته، دون أن يتخلى عن شيء من دينه.

سابعًا: الخاتمة

الاعتزاز بالهوية الإسلامية هو ضرورة وجودية، وفرض شرعي، ومطلب حضاري. وهو لا يتحقق بالأماني والشعارات، بل بالممارسة والتربية، والوعي، والبصيرة، والعمل الجاد. إن المسلم الذي يعيش الإسلام في تفاصيل حياته، ويعتز بانتمائه، ويعكس ذلك في سلوكه ومواقفه، هو الذي يسهم في بناء أمة قوية، متماسكة، قادرة على النهوض الحضاري من جديد. فليكن الاعتزاز بالإسلام ركيزة في بناء الذات، والأسرة، والمجتمع، والدولة، والحضارة.

المراجع:

• ابن تيمية، “اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم”.

• محمد قطب، “واقعنا المعاصر”.