توزيع سكان الروهينجا العالمي

الدول حسب عدد السكان الروهينجا: دراسة شاملة ومتعمقة

يعتبر موضوع الروهينجا من أكثر القضايا الإنسانية حساسية وتعقيدًا في العالم المعاصر، بسبب الأبعاد الدينية، السياسية، والإنسانية التي تحيط بهذا الشعب المسلم الذي ينتمي إلى ولاية أراكان في ميانمار. يُشكل الروهينجا أقلية دينية وعرقية تعيش منذ قرون في ميانمار، إلا أنهم يواجهون اليوم موجات من العنف والتشريد التي أدت إلى نزوح مئات الآلاف منهم إلى دول مجاورة وأبعد منها.

يهدف هذا المقال إلى تقديم دراسة مفصلة حول الدول التي تستضيف أكبر تجمعات من السكان الروهينجا، مع تسليط الضوء على توزيعهم الجغرافي، أعدادهم التقريبية، ظروفهم المعيشية، والتحديات التي تواجههم في كل دولة.

تعريف الروهينجا وأصولهم

الروهينجا هم مجموعة عرقية مسلمة تعيش في ولاية راخين (أراكان) غرب ميانمار. يعود وجودهم إلى عدة قرون مضت، ويعتقد أن أجدادهم استقروا في المنطقة منذ العصور الوسطى. بالرغم من ذلك، تنكر حكومة ميانمار لهم صفة المواطنة، وتعتبرهم مهاجرين غير شرعيين من بنغلادش، وهو الأمر الذي أدى إلى حرمانهم من الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية، وزيادة التوترات والعنف ضدهم.

تعداد السكان الروهينجا في ميانمار

قبل الأزمة الكبرى التي بدأت في 2017، كان يقدر عدد الروهينجا في ميانمار بين 600,000 إلى 1.3 مليون نسمة، لكن بسبب حملات العنف والاضطهاد التي شهدتها الولاية، نزح أكثر من 700,000 منهم إلى خارج البلاد.

التوزيع السكاني للروهينجا في ميانمار يتركز بشكل رئيسي في المناطق الساحلية لولاية راخين، في مدن وقرى صغيرة مثل ماي أو، بوتيدونغ، وكوكزالي. على الرغم من وجودهم التاريخي، تُمنع الروهينجا من حرية التنقل، ويُفرض عليهم قيود شديدة على التعليم والعمل.

الدول التي تستضيف أكبر عدد من الروهينجا

1. بنغلادش

تعتبر بنغلادش الدولة التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين الروهينجا، خاصة في منطقة كوكس بازار التي تقع في جنوب شرق البلاد على الحدود مع ميانمار. بعد حملة العنف العنيفة التي تعرض لها الروهينجا في 2017، تدفق أكثر من 700,000 لاجئ إلى بنغلادش في موجة نزوح ضخمة غير مسبوقة.

يعيش الروهينجا في بنغلادش في مخيمات كبيرة ومكتظة، منها مخيم “كوكس بازار” الذي أصبح أكبر مخيم لاجئين في العالم. تعاني هذه المخيمات من نقص حاد في المياه النظيفة، الخدمات الصحية، والتعليم، بالإضافة إلى مشاكل الأمن الغذائي والبطالة. ورغم المساعدات الدولية، فإن الظروف تظل صعبة للغاية.

2. ماليزيا

تستقبل ماليزيا عددًا كبيرًا من الروهينجا الذين هربوا من العنف والاضطهاد في ميانمار. لا تمنح ماليزيا الجنسية للروهينجا، لكن البلد يعتبر ملاذًا هامًا لهم بسبب القرب الجغرافي ووجود مجتمع مسلم كبير يمكنهم الاعتماد عليه.

يعيش الروهينجا في ماليزيا غالبًا كعمال مهاجرين أو في أوضاع غير رسمية، مما يجعلهم عرضة للاستغلال وسوء المعاملة. من الصعوبات التي تواجهها هذه الفئة غياب الحماية القانونية، مما يحد من فرص التعليم والعمل والرعاية الصحية.

3. إندونيسيا

تعتبر إندونيسيا من الدول التي استقبلت أعدادًا متوسطة من الروهينجا، وخاصة في جزر مثل سومطرة وجاوة. تستقطب إندونيسيا الروهينجا باعتبارها دولة ذات أغلبية مسلمة، حيث يأمل الكثيرون في الحصول على فرص للعيش الكريم والحماية.

لكن الروهينجا في إندونيسيا يواجهون تحديات مشابهة، مثل عدم الاعتراف القانوني، ونقص فرص التعليم، مع اعتمادهم الكبير على المنظمات الإنسانية للمساعدة.

4. تايلاند

تستضيف تايلاند عددًا محدودًا من الروهينجا الذين يصلون إلى أراضيها عبر طرق غير رسمية. تُعرف تايلاند بسياستها المتغيرة تجاه اللاجئين، حيث قد يتم توقيف الروهينجا في مراكز احتجاز أو يتم تسهيل رحلاتهم إلى دول أخرى. لا توفر تايلاند وضعًا قانونيًا مستقرًا للروهينجا، مما يجعلهم يعيشون في حالة عدم أمان مستمرة.

التوزيع الجغرافي للسكان الروهينجا: نظرة عامة

أسباب النزوح والتشريد

تعود الأسباب الرئيسية التي دفعت الروهينجا إلى ترك أراضيهم واللجوء إلى دول أخرى إلى موجات العنف والاضطهاد التي تتعرض لها هذه الأقلية في ميانمار، والتي يمكن تلخيصها كما يلي:

• التمييز القانوني والسياسي: حرمان الروهينجا من الجنسية بموجب قانون الجنسية لعام 1982، مما يجعلهم عديمي الجنسية رسميًا.

• العنف المنظم: عمليات التطهير العرقي التي شهدتها ولاية راخين منذ عدة سنوات، خاصة في 2012 و2017، والتي أدت إلى مقتل الآلاف وحرق القرى.

• القيود الاجتماعية والاقتصادية: منع الروهينجا من الحصول على التعليم، العمل، والتنقل بحرية، مما دفعهم إلى البحث عن حياة أفضل في الخارج.

الظروف الإنسانية للاجئين الروهينجا

في المخيمات والدول التي تستضيف الروهينجا، يواجه هؤلاء اللاجئون ظروفًا إنسانية بالغة الصعوبة:

• المخيمات المكتظة: مثل مخيمات كوكس بازار في بنغلادش التي تعد الأكبر في العالم، حيث يعيش الروهينجا في خيام ضيقة وسط فقر مدقع.

• الخدمات الصحية والتعليمية المحدودة: مع وجود نقص في عدد المدارس والمراكز الصحية، يعاني الكثير من الروهينجا من مشاكل صحية مزمنة وعدم حصول الأطفال على التعليم الكافي.

• عدم الأمان: انتشار حالات العنف داخل المخيمات، والمخاوف من اعتقالات أو ترحيل إلى ميانمار.

الجهود الدولية والدعم المقدم للروهينجا

تشارك العديد من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومنظمات حقوق الإنسان في تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للروهينجا. تشمل هذه الجهود:

• تقديم مساعدات غذائية وطبية عاجلة في المخيمات.

• إنشاء مدارس ومراكز تعليمية للأطفال اللاجئين.

• حملات توعية دولية للضغط على حكومة ميانمار لاحترام حقوق الروهينجا.

رغم هذه الجهود، لا تزال الأزمة معقدة بسبب الحواجز السياسية والتوترات الإقليمية، مما يعيق إيجاد حلول دائمة.

مستقبل الروهينجا

يبقى مستقبل الروهينجا غامضًا، ويتوقف على عدة عوامل رئيسية منها:

• الوضع السياسي في ميانمار: حيث يظل الاعتراف بحقوق الروهينجا والجنسية أهم خطوة لإنهاء معاناتهم.

• التعاون الدولي: دعم الدول والمنظمات الإنسانية للضغط على ميانمار وتوفير الحماية الكاملة للاجئين في الدول المضيفة.

• التنمية الاقتصادية والاجتماعية: تحسين ظروف اللاجئين وتوفير فرص التعليم والعمل لهم في الدول المضيفة.

خاتمة

توزع سكان الروهينجا على عدة دول حول العالم يعكس مأساة إنسانية مستمرة فرضتها الظروف السياسية والاجتماعية في ميانمار. يشكل هذا التوزيع تحديًا كبيرًا لكل من الدول المضيفة والمنظمات الدولية، التي تسعى لتوفير حياة كريمة لهذه الأقلية المضطهدة. التعامل مع أزمة الروهينجا يتطلب حلولًا شاملة تتضمن الاعتراف بحقوقهم، تحسين أوضاع اللاجئين، والعمل على تحقيق السلام والاستقرار في ميانمار لضمان عودتهم الطوعية والآمنة إلى وطنهم.

المراجع

1. تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) حول الروهينجا ومخيمات اللاجئين في بنغلادش، 2023.

2. منظمة العفو الدولية، تقرير “التطهير العرقي ضد الروهينجا في ميانمار”، 2022.