مشروع بركة غليون للاستزراع السمكي

مشروع الاستزراع السمكي (بركة غليون): نموذج تنموي شامل لتعزيز الأمن الغذائي في مصر

يعد مشروع الاستزراع السمكي ببركة غليون بمحافظة كفر الشيخ من أكبر المشروعات القومية التي تبنتها الدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة في مجال الإنتاج الغذائي، وبخاصة في قطاع الثروة السمكية. يمثل المشروع نقلة نوعية في إطار جهود الدولة لتنمية مواردها الطبيعية والاستفادة من سواحلها ومسطحاتها المائية، ويعكس رؤية شاملة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من البروتين الحيواني، إلى جانب تقليل الاستيراد وفتح آفاق جديدة للتصدير.

يمتد مشروع بركة غليون على مساحة ضخمة، وهو ليس مجرد مزرعة سمكية بالمعنى التقليدي، بل منظومة متكاملة تشمل مراحل الإنتاج، والتصنيع، والتعبئة، والتغليف، والتسويق، فضلاً عن كونه يخلق الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، مما يسهم في تنمية المجتمع المحلي في محافظة كفر الشيخ والمناطق المجاورة.

الخلفية العامة للمشروع

تأسس مشروع بركة غليون في إطار التوجه الاستراتيجي للدولة نحو تطوير قطاع الاستزراع السمكي لسد الفجوة المتزايدة بين الإنتاج والاستهلاك المحلي من الأسماك، لا سيما مع تزايد عدد السكان وارتفاع معدلات الطلب على الغذاء عالي الجودة. تشرف على تنفيذ وإدارة المشروع الشركة الوطنية للثروة السمكية التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة، بالتعاون مع خبراء مصريين ودوليين في مجال الاستزراع السمكي وتقنيات الإنتاج الحديثة.

تم افتتاح المرحلة الأولى من المشروع في نوفمبر 2017، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقد اعتبر تدشين هذا المشروع نقطة انطلاق نحو مشاريع أخرى مشابهة في مناطق مختلفة من مصر.

الموقع والمساحة والتخطيط الهيكلي

يقع مشروع بركة غليون في منطقة تتمتع بموقع استراتيجي بين البحر الأبيض المتوسط وبحيرة البرلس، وتحديداً في مركز مطوبس شمال محافظة كفر الشيخ. تبلغ المساحة الإجمالية للمرحلة الأولى من المشروع نحو 4000 فدان (ما يعادل أكثر من 16 مليون متر مربع)، ويتوقع أن تصل إلى أكثر من 12 ألف فدان عند اكتمال كافة مراحله.

تم تقسيم المشروع إلى قطاعات إنتاجية متكاملة تشمل:

• أحواض تربية الأسماك والجمبري

• محطة تحلية ومعالجة المياه

• مصنع للأعلاف السمكية

• وحدات لتجهيز وتعبئة الأسماك

• معامل للرقابة والجودة

• محطة كهرباء ومحطة صرف صحي صناعي

• مساكن للعاملين ومرافق خدمية متكاملة

يتميز تخطيط المشروع بالتكامل الشامل، حيث يتم تدوير المياه داخل النظام البيئي للمزرعة وتقليل الفاقد، ما يعكس توجهاً نحو الاستدامة البيئية والاقتصادية.

القدرات الإنتاجية والتقنية

يعد مشروع بركة غليون واحداً من أكبر المشروعات في الشرق الأوسط من حيث الطاقة الإنتاجية، حيث ينتج المشروع سنوياً:

• نحو 5000 طن من الأسماك البحرية (قاروص، دنيس، بوري، موسى، مازليا)

• حوالي 2000 طن من الجمبري الأبيض الفانمي

• أكثر من 20 ألف طن من الأعلاف سنويًا من خلال مصنع الأعلاف

• كميات ضخمة من الأسماك الجاهزة للتصدير بعد تعبئتها وتغليفها وفقاً للمعايير الدولية

كما يتم استخدام تقنيات متقدمة في المراقبة والتحكم في بيئة التربية، منها:

• أنظمة تحكم آلي في جودة المياه (الأوكسجين، الملوحة، الأس الهيدروجيني)

• كاميرات مراقبة وأجهزة استشعار لمراقبة سلوك الأسماك

• محطات معالجة المياه لإعادة استخدامها بعد الترشيح والتعقيم

• نظم تهوية ميكانيكية وأخرى طبيعية لتوفير بيئة ملائمة للنمو

الجدوى الاقتصادية والاستراتيجية

أحد أبرز أهداف المشروع هو تقليل الاعتماد على الاستيراد الذي يكلف مصر سنوياً ملايين الدولارات، لا سيما أن مصر تستورد نسباً كبيرة من احتياجاتها من الأسماك البحرية والجمبري. يسهم المشروع في تقليل هذه الفجوة، ويعزز من قدرة الدولة على تلبية احتياجات المواطنين من البروتين الحيواني.

وبالإضافة إلى تلبية الطلب المحلي، فإن جودة الإنتاج العالية تؤهل المنتجات السمكية للتصدير إلى الأسواق الأوروبية والعربية، مما يوفر مصدرًا جديدًا للعملة الصعبة ويدعم ميزان المدفوعات.

من الناحية التشغيلية، يوفر المشروع فرص عمل لأكثر من 5000 عامل بشكل مباشر، إلى جانب الآلاف من فرص العمل غير المباشرة في مجالات النقل، والتوزيع، والخدمات، والصيانة، مما يدعم التنمية المحلية في واحدة من المحافظات التي تعاني من ارتفاع معدلات البطالة نسبيًا.

الجدول التالي يلخص أهم مكونات المشروع وقدراته الإنتاجية

الأثر البيئي والاجتماعي للمشروع

تم تنفيذ مشروع بركة غليون وفقًا لأعلى المعايير البيئية العالمية، من خلال استخدام نظم معالجة مياه الصرف وإعادة استخدامها، وتقليل البصمة الكربونية، بالإضافة إلى الحفاظ على التوازن البيئي في المنطقة. وقد خضع المشروع لتقييم بيئي شامل لضمان عدم الإضرار بالنظم الإيكولوجية المحلية، وخاصة بحيرة البرلس التي تعد من أبرز المسطحات المائية في مصر.

على الصعيد الاجتماعي، فإن المشروع أسهم في تغيير طبيعة النشاط الاقتصادي في المنطقة، وانتقل بها من الاعتماد على الزراعة المحدودة إلى منظومة متقدمة في إنتاج وتداول الغذاء. كما أتاح فرصًا تدريبية للشباب من خلال برامج لتأهيلهم للعمل في مجالات تربية الأسماك، التصنيع الغذائي، واستخدام التكنولوجيا الحديثة.

التكامل مع المشروعات الأخرى

يأتي مشروع بركة غليون ضمن سلسلة من مشروعات الاستزراع السمكي العملاقة التي أطلقتها الدولة في السنوات الأخيرة، مثل:

• مشروع شرق بورسعيد للاستزراع السمكي

• مشروع غرب قناة السويس

• تطوير بحيرات مصر الكبرى (المنزلة، البرلس، قارون، إدكو)

ويستهدف هذا التكامل تحقيق استراتيجية الأمن الغذائي الوطني، ورفع معدلات إنتاج مصر من الأسماك إلى مستويات تجعلها من الدول الرائدة إقليميًا في هذا المجال.

تحديات المشروع وآفاق التطوير

رغم النجاح الكبير الذي حققه المشروع، فإن ثمة تحديات يجب مواجهتها لضمان الاستدامة، ومنها:

• استمرار تطوير سلاسل التبريد والنقل لضمان جودة المنتجات

• دعم مراكز البحوث المتخصصة لضمان تحسين سلالات التربية

• تدريب الكوادر البشرية بشكل مستمر على أحدث التقنيات

• تطوير التشريعات المنظمة للصادرات السمكية

على الجانب الآخر، فإن المشروع مرشح لمزيد من التوسع في المراحل القادمة ليشمل:

• إدخال أنواع جديدة من الأسماك عالية القيمة

• بناء مصانع إضافية لتصنيع المنتجات السمكية

• إنشاء مجمعات صناعية مرتبطة بالمشروع لتوفير القيمة المضافة

الخلاصة

إن مشروع الاستزراع السمكي ببركة غليون يُعد نموذجًا ناجحًا لمفهوم التنمية الشاملة التي تجمع بين الإنتاج، والتشغيل، والتصنيع، والتصدير، ضمن إطار بيئي مستدام. وهو يمثل ركيزة من ركائز الأمن الغذائي في مصر، وخطوة نوعية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من البروتين الحيواني البحري.

ومن خلال ما يقدمه المشروع من فرص اقتصادية واجتماعية، ومن خلال ما يعكسه من قدرة الدولة على تنفيذ مشروعات ضخمة ذات طابع استراتيجي، فإن بركة غليون أصبحت عنوانًا بارزًا في مسيرة التنمية الزراعية والسمكية في مصر الحديثة.

المراجع:

1. الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية – وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي

2. تقرير جهاز مشروعات الخدمة الوطنية – مشروع بركة غليون (2020)