مشاركة الموظفين سر نجاح المؤسسات

مشاركة الموظفين: مسألة حياة أو موت للمؤسسات الحديثة

إنَّ مشاركة الموظفين في العمل ليست مجرد رفاهية أو خيار يمكن تأجيله. بل هي عامل أساسي يمكن أن يكون له تأثير عميق ودائم على نجاح أي مؤسسة أو شركة. وفي عالم الأعمال الحديث حيث تزداد المنافسة وتتنوع الخيارات المتاحة للعملاء، تصبح المشاركة الفعّالة للموظفين عنصرًا لا غنى عنه لضمان استمرارية المؤسسات وتحقيق النمو المستدام.

من خلال هذا المقال، سيتم استعراض أهمية مشاركة الموظفين وأثرها العميق على مؤسسات العمل، وأسباب اعتبارها بمثابة مسألة “حياة أو موت” للعديد من الشركات في العصر الراهن.

1. تعريف مشاركة الموظفين وأبعادها

مشاركة الموظفين تعني أنَّ الموظفين يشعرون بالانتماء الكامل لمؤسستهم وأنهم يشاركون في اتخاذ القرارات التي تؤثر على بيئة العمل وعملية الإنتاج. يتضمن ذلك مستوى الالتزام والاهتمام الذي يظهره الموظفون في عملهم ومدى استجابتهم لرؤية وأهداف المنظمة. ويمكن أن تتجلى مشاركة الموظفين في مجموعة من الأنشطة مثل:

• المشاركة في الاجتماعات التي تتعلق بتطوير الأداء.

• تقديم الآراء والأفكار لتحسين العمل أو المنتجات.

• الشعور بالملكية المشتركة للمشاريع والنتائج.

• الانخراط في الأنشطة التي تعزز الروح الجماعية والتعاون داخل الفريق.

2. مشاركة الموظفين وأثرها على الأداء العام للمؤسسة

في معظم الشركات، يعتبر الأداء العام نتيجة مباشرة لمشاركة الموظفين. الموظفون الذين يشعرون بأنهم جزء من الفريق لا يقدمون فقط أفضل ما لديهم من مهارات، بل يمتلكون أيضًا الحافز للعمل بجدية أكبر لتحقيق الأهداف المشتركة.

إحدى الدراسات التي أجرتها “Gallup” وجدت أن المؤسسات التي تتمتع بمستوى عالٍ من مشاركة الموظفين تتمتع بزيادة في الأرباح بنسبة تصل إلى 21%. ووفقًا لنفس الدراسة، فإنَّ الموظفين الذين يشعرون بأنهم يمتلكون صوتًا في اتخاذ القرارات يساهمون في تحسين تجربة العملاء بنسبة تصل إلى 10%. إذًا، فإنَّ معدل مشاركة الموظفين ليس فقط مؤشرًا على رضاهم ولكن أيضًا على زيادة إنتاجية المنظمة.

3. مشاركة الموظفين وارتباطها بالاحتفاظ بالموظفين

يمكن أن تصبح المشاركة مسألة حياة أو موت في سياق الحفاظ على الموظفين الموهوبين. في بيئات العمل التي لا تحفز الموظفين أو تعترف بمساهماتهم، من السهل أن يحدث التسرب الوظيفي. وفقًا لإحدى الدراسات التي أجراها “Deloitte”، فإنَّ الموظفين الذين يشعرون بالاستماع إليهم في مكان العمل يزيد احتمال بقائهم في المؤسسة بنسبة 27%.

الاحتفاظ بالموظفين الموهوبين هو مسألة مصيرية بالنسبة للشركات التي تسعى إلى الحفاظ على مستوى عالٍ من الأداء والابتكار. الموظفون الذين يشعرون بالتمكين والانخراط يظلون أكثر ولاءً للعمل ويستمرون في تقديم قيمة مضافة للمؤسسة.

4. التأثيرات السلبية لنقص مشاركة الموظفين

في الشركات التي تفشل في تحفيز أو إشراك موظفيها، تظهر العديد من التأثيرات السلبية التي قد تؤدي إلى تدهور الأداء. بعض هذه التأثيرات تشمل:

• التراجع في الإنتاجية: الموظفون غير المهتمين أو غير المتفاعلين مع بيئة العمل يميلون إلى التقاعس أو إظهار مستوى أقل من الأداء.

• انخفاض الابتكار: عندما لا يشعر الموظفون بأن آرائهم تؤخذ بعين الاعتبار، تتقلص حوافزهم لإيجاد حلول مبتكرة أو تحسين العمليات.

• انخفاض معنويات الفريق: الفشل في إشراك الموظفين قد يؤدي إلى شعور بالانعزال، ما يعزز من ثقافة الإحباط ويدمر الروح الجماعية في العمل.

• زيادة التوتر والصراعات: في بيئات العمل التي يفتقر فيها الموظفون إلى المشاركة، تزداد حالات التوتر والصراعات بين الزملاء أو مع المديرين.

5. كيفية تعزيز مشاركة الموظفين في المؤسسات

لتعزيز مشاركة الموظفين، يجب على القادة في المؤسسات تبني استراتيجيات متعددة تركز على التواصل الفعّال والتمكين الوظيفي. بعض الطرق التي يمكن من خلالها تحسين مشاركة الموظفين تشمل:

• تعزيز الشفافية: ينبغي أن يكون الموظفون على دراية بالقرارات الاستراتيجية التي يتم اتخاذها في الشركة وكيفية تأثيرها على عملهم. الشفافية تخلق بيئة من الثقة وتؤدي إلى شعور الموظفين بأنهم جزء من صورة أكبر.

• تشجيع التفاعل والمشاركة في اتخاذ القرارات: من المهم أن يتم تمكين الموظفين ليكون لديهم دور في تطوير استراتيجيات العمل. تنظيم ورش عمل أو جلسات عصف ذهني يمكن أن يعزز من المشاركة ويشعر الموظفين بأنهم جزء من الفريق.

• التحفيز المستمر والتقدير: التقدير المستمر لجهود الموظفين يزيد من شعورهم بالانتماء. سواء كان ذلك من خلال مكافآت مالية أو حتى تقدير معنوي، فإن إظهار الامتنان يعزز من التزام الموظفين.

6. مشاركة الموظفين وتأثيرها على الثقافة المؤسسية

تعتبر الثقافة المؤسسية أحد العوامل الرئيسية التي تحدد قدرة المؤسسة على البقاء والنمو. المؤسسات التي تحتضن ثقافة مشاركة الموظفين لا تكتفي فقط بتحقيق النجاح على المدى القصير بل تبني أيضًا بيئة عمل مستقرة تعزز من الولاء والتعاون بين جميع الأفراد.

من خلال تبني ممارسات تركز على تعزيز مشاركة الموظفين، مثل الاستماع لآرائهم وأفكارهم وتقدير مساهماتهم، يمكن للمؤسسة أن تبني ثقافة إيجابية تعمل على جذب الكفاءات وتطويرها. الثقافة التي تعطي قيمة لمشاركة الموظفين تجعلهم يشعرون بأنهم في بيئة عمل دائمة التطور، وهو ما يعود بالفائدة على الجميع.

7. خاتمة: هل هي حقًا مسألة حياة أو موت؟

إنَّ مشاركة الموظفين ليست مسألة ثانوية يمكن للمؤسسات تجاهلها. بل هي قضية أساسية تؤثر بشكل مباشر على الأداء العام، الابتكار، الاحتفاظ بالموظفين، وثقافة المؤسسة بشكل عام. في عالم الأعمال السريع والمتغير، الشركات التي تفشل في إشراك موظفيها قد تجد نفسها في موقف غير مستدام. قد تكون النتيجة فقدان المواهب وارتفاع نسبة التغيير الوظيفي، ما قد يؤثر بشكل سلبي على نجاح المؤسسة في المستقبل.

في المقابل، الشركات التي تهتم بمشاركة موظفيها وتفعيل دورهم في صنع القرار وحل المشكلات غالبًا ما تكون أكثر نجاحًا واستدامة. لهذا السبب، يمكن القول بأنَّ مشاركة الموظفين هي بالفعل مسألة حياة أو موت للمؤسسات في عصرنا الحالي.