عدد المسيحيين في البحرين، التركيبة السكانية، التاريخ، الحقوق الدينية، والاندماج المجتمعي
مقدمة
تُعد مملكة البحرين نموذجًا فريدًا للتعايش الديني والتعددية الثقافية في منطقة الخليج العربي، حيث يعيش على أراضيها مواطنون ومقيمون من ديانات مختلفة، ومن بينهم المسيحيون الذين يشكلون جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمملكة. لا يقتصر وجود المسيحيين في البحرين على المقيمين فحسب، بل يوجد بينهم مواطنون بحرينيون يحملون الجنسية البحرينية منذ أجيال، ما يمنح هذه الجالية صفة خاصة ويعكس مدى انفتاح البحرين تاريخيًا على الثقافات والأديان الأخرى.
تتميز البحرين بسياساتها المتسامحة تجاه الأديان، وقد نجحت في الحفاظ على هذا التوجه عبر العقود، ما جعلها ملاذًا دينيًا للعديد من الجاليات، ومن بينها الجالية المسيحية التي تنعم بمستوى عالٍ من الحرية الدينية، وتُمارس شعائرها ضمن بيئة آمنة ومفتوحة. هذا المقال يعرض بتفصيل بالغ عدد المسيحيين في البحرين، خلفيتهم التاريخية، وضعهم القانوني، نشاطهم الاجتماعي، ودورهم في المجتمع البحريني المعاصر.
العدد والإحصاءات الديموغرافية
بحسب آخر التقديرات الصادرة عن هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية البحرينية، فإن عدد السكان الإجمالي في المملكة بلغ في عام 2024 نحو 1.51 مليون نسمة، منهم حوالي 712,000 مواطن بحريني، والبقية من المقيمين الأجانب. يشكل المسيحيون جزءًا من هاتين الفئتين: مواطنون بحرينيون مسيحيون، وعدد كبير من المقيمين من خلفيات مسيحية من مختلف الجنسيات.
يُقدّر عدد المواطنين البحرينيين المسيحيين بحوالي 1,000 شخص، وهم في الغالب من أصول تعود إلى العراق وبلاد الشام والهند. أما عدد المسيحيين المقيمين في البحرين فيفوق 80,000 شخص، معظمهم من العمالة الوافدة من دول مثل الفلبين، الهند، سريلانكا، إثيوبيا، وأوروبا. بهذا، فإن العدد الإجمالي للمسيحيين في البحرين يتراوح بين 80,000 إلى 85,000 شخص، ما يُشكل نسبة تقارب 5.6% من إجمالي السكان.
الجدير بالذكر أن هذا الرقم يُعد مرتفعًا نسبيًا مقارنة بدول الخليج الأخرى التي لا تملك نفس العدد من المسيحيين المواطنين، إذ إن البحرين تُعد واحدة من الدول الخليجية القليلة التي يحمل فيها عدد من المسيحيين الجنسية الوطنية.
الخلفية التاريخية للمسيحيين في البحرين
يرجع وجود المسيحيين في البحرين إلى بدايات القرن العشرين، إذ بدأت عائلات مسيحية من العراق وفلسطين ولبنان بالاستقرار في البحرين لأسباب تجارية واقتصادية. هذه العائلات ساهمت بشكل فاعل في تطوير قطاعات متعددة، من بينها الطب والتعليم والصحافة والتجارة. واحدة من أقدم هذه العائلات هي عائلة خوري التي تُعد من أوائل العائلات المسيحية التي استقرت في البحرين، وأسهمت في النشاط التجاري والاقتصادي المحلي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض المراكز التبشيرية كانت قد بدأت نشاطها في الخليج منذ أواخر القرن التاسع عشر، لا سيما الكنيسة الإنجيلية التي أسست أوائل المستشفيات والمدارس في المنطقة. وقد لعبت هذه المؤسسات دورًا محوريًا في تقديم الخدمات الطبية والتعليمية للسكان بغض النظر عن ديانتهم، وهو ما ساهم في توطيد العلاقات بين المسيحيين والمجتمع البحريني المسلم.
الكنائس ودور العبادة المسيحية في البحرين
تحتضن البحرين عددًا من الكنائس التاريخية والمعاصرة التي تُعبر عن الحضور الديني المسيحي في البلاد. من بين أبرز هذه الكنائس:
-
الكنيسة الإنجيلية الوطنية في البحرين
تأسست عام 1906، وتُعد من أقدم الكنائس في منطقة الخليج العربي. هذه الكنيسة خدمت الجاليات المسيحية على مدى أكثر من قرن، وكانت مركزًا للنشاط الديني والتعليمي والطبي في بدايات القرن العشرين. -
كاتدرائية القديس كريستوفر الأنجليكانية
تقع في العاصمة المنامة وتخدم الجالية المسيحية الناطقة بالإنجليزية، وتُعد من أهم الكنائس التي تقدم خدمات دينية للجاليات الغربية والأجنبية في المملكة. -
كنيسة القلب الأقدس الكاثوليكية
تخدم الجالية الكاثوليكية، خصوصًا من الفلبين والهند وسريلانكا، وتقدم خدمات دينية وتعليمية واجتماعية متعددة. -
كاتدرائية سيدة العرب
تم افتتاحها رسميًا في ديسمبر 2021 في منطقة العوالي، وتُعد أكبر كنيسة كاثوليكية في منطقة الخليج العربي، وهي مخصصة للجاليات الكاثوليكية المتزايدة في البحرين.
إضافة إلى هذه الكنائس، توجد كنائس أرثوذكسية وسريانية، وكنائس إنجيلية متعددة الجنسيات. وتُدار دور العبادة المسيحية في البحرين ضمن إطار قانوني مرن، وتخضع للتنظيم من قبل وزارة العدل والشؤون الإسلامية البحرينية، مع احترام للخصوصية الدينية وحرية العبادة.
الحقوق الدينية والدستورية
ينص الدستور البحريني على حرية الدين والمعتقد، ويُكفل للأفراد الحق في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، ما دام ذلك لا يخل بالنظام العام أو يتعدى على حقوق الآخرين. ونتيجة لهذا التوجه، يتمتع المسيحيون – مواطنون ومقيمون – بحرية كاملة في إقامة طقوسهم، تنظيم احتفالاتهم الدينية، وبناء دور عبادتهم.
وتُعد البحرين من الدول القليلة في الخليج التي لا تفرض قيودًا مشددة على الأنشطة الدينية لغير المسلمين، وتسمح لهم بتنظيم الجنازات، والاحتفال بالأعياد الدينية مثل عيد الميلاد المجيد وعيد الفصح علنًا، سواء في الكنائس أو ضمن فعاليات اجتماعية وثقافية عامة.
كما يشارك المسيحيون البحرينيون في الحياة السياسية، فقد تم تعيين بعضهم في المجلس الوطني ومناصب دبلوماسية، ومنهم السيدة أليس سمعان التي كانت عضوة في مجلس الشورى البحريني، ما يُظهر مدى اندماجهم في الحياة العامة واعتراف الدولة بمساهمتهم في المجتمع.
المسيحيون والاندماج المجتمعي
تُعد الجالية المسيحية في البحرين نموذجًا للاندماج الاجتماعي، حيث تشارك بفعالية في مختلف قطاعات المجتمع البحريني، بما في ذلك التعليم، الصحة، الإعلام، الأعمال، والمجتمع المدني. لا تُعامل الجالية المسيحية كمجرد أقلية دينية، بل كجزء أساسي من نسيج المجتمع، تحظى بالاحترام والمشاركة الكاملة في الفضاء العام.
وفي المناسبات الوطنية مثل العيد الوطني البحريني أو احتفالات العيد الملكي، تُشارك الجاليات المسيحية جنبًا إلى جنب مع بقية مكونات المجتمع البحريني في الفعاليات الرسمية والشعبية. كذلك، تُشارك الكنائس في المبادرات الخيرية والتطوعية التي تُنظمها الدولة أو منظمات المجتمع المدني، ما يعزز التعايش والانتماء الوطني.
من الجوانب المميزة أيضًا هو التعايش الديني داخل الأسر المختلطة، إذ توجد عائلات بحرينية تجمع بين مسلمين ومسيحيين، ويُمارس كل فرد شعائره ضمن مناخ من التفاهم والاحترام. ويُعتبر هذا أحد أوجه التعدد الثقافي والديني الذي يُغني التجربة البحرينية ويُعزز من مكانتها كدولة رائدة في التعايش في الخليج.
الجاليات المسيحية الوافدة
الجاليات المسيحية المقيمة في البحرين تنتمي إلى خلفيات عرقية وثقافية متعددة، وهي من أبرز المكونات غير البحرينية في البلاد. ويُعد الفلبينيون والهنود من أكبر الجاليات المسيحية المقيمة، ويتجاوز عددهم عشرات الآلاف، ويُشكلون العمود الفقري للعديد من القطاعات الخدمية مثل التمريض، التعليم، الخدمات الفندقية، والبناء.
تمتلك هذه الجاليات هياكلها التنظيمية والروحية، وتُقيم شعائرها بشكل منظم ومنفتح، خصوصًا في كنائس القلب الأقدس وكاتدرائية سيدة العرب. كما تنشط بعض الجمعيات الخيرية المسيحية التي تخدم أفراد الجالية وتقدم مساعدات إنسانية للفئات المحتاجة، بغض النظر عن الدين أو الجنسية.
جدول يوضح التوزيع التقريبي للمسيحيين في البحرين حسب الجنسية والعدد (تقديري)
| الجنسية أو الفئة | العدد التقريبي | الطائفة أو الكنيسة الرئيسية |
|---|---|---|
| المواطنون البحرينيون | حوالي 1,000 | مختلف الطوائف (أرثوذكس، كاثوليك، إنجيليون) |
| فلبينيون | أكثر من 25,000 | كاثوليك |
| هنود | حوالي 30,000 | كاثوليك، أرثوذكس، إنجيليون |
| سريلانكيون | حوالي 10,000 | كاثوليك |
| إثيوبيون وغيرهم | حوالي 5,000 | أرثوذكس |
| جنسيات أخرى (أوروبية، لبنانية، عراقية…) | حوالي 10,000 | متنوعة |
| المجموع التقريبي | 85,000 |
الخاتمة
يمثل المسيحيون في البحرين – سواء أكانوا مواطنين أم مقيمين – جزءًا لا يتجزأ من الواقع الديموغرافي والثقافي والاجتماعي للبلاد. ويُعد النموذج البحريني في التسامح الديني والانفتاح على الآخر واحدًا من النماذج الرائدة في منطقة الخليج، بما يضمن للمسيحيين حرية ممارسة شعائرهم، والمشاركة في الحياة العامة، والاندماج في كل مناحي المجتمع.
هذا التوازن بين الهوية الوطنية والانفتاح الديني هو ما يجعل البحرين واحة للعيش المشترك، تُحترم فيها جميع الديانات، وتُعزز فيها القيم الإنسانية العالمية التي تقوم على التعايش، التفاهم، والاحترام المتبادل.
المراجع
-
هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية البحرينية – Bahrain Open Data Portal
-
تقرير الحريات الدينية – وزارة الخارجية الأمريكية (US Department of State – International Religious Freedom Report)
