كيف يبدو مستقبل التسوق عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟
في العقدين الماضيين، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي تطورًا هائلًا جعلها تحتل مكانة بارزة في الحياة اليومية للمستخدمين، ليس فقط كأداة للتواصل والترفيه، ولكن أيضًا كمنصة للتسوق والشراء. مع تطور التكنولوجيا وزيادة الاعتماد على الإنترنت في جميع جوانب الحياة، أصبح التسوق عبر وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة متنامية تواكب تفضيلات المستهلكين، وتستجيب للتغييرات المستمرة في سلوكياتهم الشرائية. ولكن، كيف يبدو مستقبل هذا القطاع؟ وما هي الاتجاهات التي من المتوقع أن تسود في السنوات القادمة؟
1. التكامل العميق بين التسوق ووسائل التواصل الاجتماعي
في الوقت الحالي، تعد وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، إنستغرام، وتويتر منصات ذات قدرة على الربط بين المستخدمين والعلامات التجارية من خلال إعلانات مدفوعة أو عروض خاصة. لكن مستقبل التسوق عبر هذه الوسائل سيكون أكثر تكاملاً. مع التطور المستمر للذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، يمكن توقع ظهور أدوات أكثر ذكاءً تسمح للمستخدمين بشراء المنتجات مباشرة من خلال التطبيق دون الحاجة إلى مغادرة منصاتهم المفضلة. بالفعل، هناك منصات مثل إنستغرام التي قدمت ميزة “التسوق عبر المنشورات” (Instagram Shopping) التي تسمح للمستخدمين بشراء المنتجات بنقرة واحدة.
الخطوة القادمة ستكون نحو دمج تجربة التسوق بشكل أعمق في الأنشطة اليومية على وسائل التواصل الاجتماعي، لتصبح عملية شراء المنتجات جزءًا من التفاعل الطبيعي للمستخدمين على المنصات، سواء أثناء مشاهدة الفيديوهات أو تصفح الصور أو قراءة التعليقات.
2. التجارة عبر الفيديو (Shoppable Video)
في المستقبل القريب، من المتوقع أن تصبح الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر تفاعلًا مع المستخدمين. بالفعل، بدأت بعض منصات مثل تيك توك وإنستغرام في دمج عناصر الشراء داخل الفيديوهات التي يشاهدها المستخدمون. على سبيل المثال، يمكن للمشاهدين النقر على الروابط داخل الفيديو لشراء المنتجات المعروضة بشكل مباشر.
سوف تتطور هذه التجربة لتصبح أكثر سلاسة وواقعية، حيث ستتيح للمستهلكين التفاعل مع العلامات التجارية عبر الواقع المعزز (AR) أو الواقع الافتراضي (VR). ستتمكن الشركات من استخدام هذه التقنيات لتقديم تجارب تسوق أكثر غامرة، مثل “التجربة الافتراضية للمنتج” أو “المحاكاة الواقعية” التي تتيح للمستهلكين تصور المنتجات في بيئاتهم الخاصة قبل الشراء.
3. الذكاء الاصطناعي في تخصيص العروض
أحد التطورات المهمة التي ستغير وجه التسوق عبر وسائل التواصل الاجتماعي في المستقبل هو استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر. تقنيات الذكاء الاصطناعي ستسمح بتخصيص تجربة التسوق على مستوى غير مسبوق. من خلال تحليل البيانات التي يتم جمعها عن سلوك المستهلكين على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للأنظمة الذكية تقديم عروض مخصصة، وتحديد المنتجات التي من المرجح أن يشتريها الشخص بناءً على تفاعلاته السابقة.
على سبيل المثال، إذا كنت تتفاعل مع منشورات تحتوي على أزياء معينة، قد يبدأ الذكاء الاصطناعي في تقديم إعلانات لمنتجات مشابهة أو حتى التنبؤ بما قد يعجبك في المستقبل. هذا النوع من التخصيص سيزيد من فعالية الحملات التسويقية ويشجع على زيادة المبيعات.
4. المؤثرون والعلاقات العاطفية مع العلامات التجارية
لطالما كان للمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي دور كبير في التأثير على قرارات الشراء لدى المتابعين. ولكن في المستقبل، سيصبح دور المؤثرين أكثر أهمية وتنوعًا. في المستقبل، قد يتخذ المؤثرون أدوارًا أكثر تفاعلية مع المتابعين، حيث سيشاركون بشكل أكبر في عملية تطوير المنتجات والعروض المخصصة لهم.
ستعتمد العلامات التجارية بشكل أكبر على المؤثرين ليس فقط للترويج للمنتجات ولكن أيضًا كجزء من استراتيجيات بناء ولاء طويل الأمد. العلاقات العاطفية التي يطورها المؤثرون مع متابعيهم ستكون محورية، حيث سينجح هؤلاء في توجيه قرارات الشراء من خلال الثقة التي يكتسبونها.
5. التسوق عبر منصات الرسائل (Social Commerce)
منصات مثل واتساب، فيسبوك ماسنجر، وتيليغرام بدأت بالفعل في التوسع نحو توفير خدمات تسوق عبر الرسائل، وهو ما يعرف بـ “التجارة عبر الرسائل”. في المستقبل، ستصبح هذه الأدوات أكثر قوة، حيث سيتمكن المستهلكون من التفاعل مع الشركات في محادثات مباشرة لشراء المنتجات، سواء كان ذلك عبر خدمة العملاء أو روبوتات المحادثة الذكية.
سيتمكن العملاء من استعراض المنتجات، تلقي العروض الخاصة، وتأكيد الطلبات عبر المحادثات المباشرة مع العلامات التجارية. هذا النوع من التسوق سيوفر تجربة فورية وأكثر شخصية، مما يجعل عملية الشراء أكثر سلاسة ومرونة.
6. التسوق عبر الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR)
يُعد الواقع المعزز والواقع الافتراضي من بين الاتجاهات المستقبلية التي ستحقق تحولًا كبيرًا في تسوق وسائل التواصل الاجتماعي. في المستقبل، سيُسمح للمستخدمين بتجربة المنتجات في بيئتهم الخاصة عبر تقنية AR أو الانغماس في تجارب تسوق غامرة باستخدام VR. على سبيل المثال، يمكن لمستخدمي إنستغرام أو فيسبوك استخدام فلاتر AR لتجربة الأثاث في غرفهم أو تجربة الملابس على شخصياتهم الافتراضية.
تقنيات AR وVR ستفتح الأبواب أمام التجار لتقديم تجارب تسوق مميزة، حيث يستطيع العملاء “رؤية” المنتجات وكأنها أمامهم تمامًا قبل اتخاذ قرار الشراء. هذا يمكن أن يعزز الثقة في شراء المنتجات عبر الإنترنت ويقلل من حالات الإرجاع.
7. الاستدامة والتسوق الأخلاقي
على الرغم من أن التسوق عبر وسائل التواصل الاجتماعي أصبح أكثر سهولة وسرعة، إلا أن هناك اتجاهًا متزايدًا نحو الوعي بالاستدامة. يتجه العديد من المستهلكين، خاصة من الأجيال الأصغر سنًا، نحو تفضيل المنتجات المستدامة والمصنوعة بطريقة أخلاقية. العلامات التجارية التي تتبنى قيم الاستدامة ستحظى بفرص أكبر للنجاح على وسائل التواصل الاجتماعي في المستقبل.
من المتوقع أن تتبنى منصات التواصل الاجتماعي تقنيات تسهل تسويق المنتجات المستدامة، مثل إضافة شارات مميزة للمنتجات الصديقة للبيئة، أو تقديم تقارير عن ممارسات العلامات التجارية التي تؤثر إيجابيًا على البيئة والمجتمع.
الخلاصة
يبدو أن مستقبل التسوق عبر وسائل التواصل الاجتماعي سيكون مشبعًا بالتطورات التكنولوجية المبهرة التي ستغير بشكل جذري طريقة تفاعل المستهلكين مع العلامات التجارية. من التكامل العميق لتجربة التسوق داخل المنصات الاجتماعية، إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في تخصيص العروض، وصولًا إلى التسوق عبر تقنيات الواقع المعزز والافتراضي، سيشكل المستقبل نقلة نوعية في مفهوم “التسوق الرقمي”. وبينما يستمر هذا القطاع في النمو، سيكون من الأهمية بمكان على العلامات التجارية والمستهلكين على حد سواء التكيف مع هذه التغيرات للاستفادة من الفرص الجديدة.