مستحقو الزكاة من الأقارب

تُعدُّ الزكاة في الإسلام ركنًا أساسيًا من أركان الدين الخمسة، وواجبًا شرعيًا فرضه الله تعالى على المسلمين القادرين مادياً، لتحقيق التكافل الاجتماعي وإزالة الفقر بين أفراد المجتمع. والزكاة ليست مجرد عبادة مالية فقط، بل هي وسيلة لتعزيز الروابط الاجتماعية وتقوية العلاقات الإنسانية، خاصة بين الأقارب الذين يجمعهم نسب وقرابة دم. في هذا المقال سيتم التوسع بشكل مفصل في مستحقي الزكاة من الأقارب، مع توضيح الشروط والأحكام الشرعية المتعلقة بذلك، إلى جانب أهميتها وآثارها الاجتماعية والاقتصادية.

مفهوم الزكاة وهدفها الاجتماعي

الزكاة هي مقدار معلوم من المال أو الممتلكات التي يجب على المسلم دفعها للفقراء والمحتاجين حسب شروط وضوابط شرعية محددة. وهي تطهر أموال المزكي وتزيدها برضا الله، بالإضافة إلى كونها ركيزة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي.

وقد قال تعالى في كتابه الكريم:

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ﴾ (التوبة: 103).

ويهدف هذا الفرض الرباني إلى تحقيق التكافل الاجتماعي بين طبقات المجتمع المختلفة، وضمان ألا يبقى أحد محتاجًا، مما يؤدي إلى بناء مجتمع متماسك ومتوازن.

شروط استحقاق الزكاة

الزكاة ليست حقًا عامًا لأي شخص يطلب المال، بل لها شروط معينة يجب تحققها في المستحق ليكون من أهل الزكاة، وعموم هذه الشروط تنطبق على الأقارب أيضًا، ومن أهمها:

• أن يكون المستحق فقيرًا أو مسكينًا: الفقير هو الذي لا يملك ما يكفيه من المال، والميزان المالي يختلف من بلد إلى آخر حسب قيمة النصاب والمعيشة.

• أن يكون محتاجًا: يحتاج إلى دعم لتأمين حاجاته الأساسية.

• عدم القدرة على الكسب أو الاعتماد على الآخرين: كأن يكون عاجزًا عن العمل أو معيلته غير قادرة على توفير متطلباته.

• أن لا يكون المزكي نفسه معيلًا له: فإن كان المزكي مسؤولًا عنه، فلا يجب دفع الزكاة له.

مستحقو الزكاة من الأقارب

الزكاة تجب على الفقراء والمساكين من جميع الناس، والأقارب منهم لهم أولوية خاصة، فقد ربط الإسلام بين صلة الرحم والصدقة، وجعل من حق الأقارب على المؤمن أن ينفق عليهم ويعطيهم من زكاته إذا كانوا مستحقين لها.

الأقارب المستحقون للزكاة

1. الفقراء من الأقارب: من لا يملك قوت يومه أو دخله غير كافٍ لتأمين حاجاته الأساسية، مثل العيش والكساء والعلاج.

2. المساكين من الأقارب: الذين يعانون من نقص في المال ولا يستطيعون توفير احتياجاتهم بشكل كامل.

3. العاجزون والمرضى من الأقارب: الذين لا يقدرون على العمل بسبب مرض أو عجز دائم.

4. الأرامل والمطلقات من الأقارب: خاصة من فقدن معيلًا، ولم يكن لديهن مصدر دخل.

5. الأيتام من الأقارب: الذين فقدوا معيلهم، ولا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم.

6. المعسرون من الأقارب: الذين عليهم ديون تمنعهم من تحقيق الاستقلال المالي.

من أهم القواعد أن الزكاة تُعطى للأقارب المحتاجين فقط، ولا يجب دفعها لمن يستطيعون العيش بكرامة من دون مساعدة.

استحقاق الأقارب وأثره في صلة الرحم

أوجب الإسلام الحفاظ على صلة الرحم وأكد على فضل الإحسان إلى الأقارب، ومن ذلك إعطاؤهم من الزكاة إذا كانوا محتاجين، لأن هذا يعزز العلاقات الأسرية ويقوي الروابط الاجتماعية. قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:

«إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجلسًا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون» (رواه الترمذي).

وبذلك، فإن إطعام الأقارب من زكاة المال يحقق البر والتقوى ويوصل الأرحام ويقوي أواصر المحبة والمودة بين الأهل.

الحدود الشرعية ومقدار الزكاة

الزكاة لها نصاب معين وهو الحد الأدنى للمال الذي يجب أن يكون في ملك المسلم لمدة عام هجري كامل حتى تجب فيه الزكاة، ويختلف النصاب حسب نوع المال، سواء كان مال نقدي، أو ذهب، أو فضة، أو تجارة، أو زروع.

• نصاب الذهب: 85 غرامًا.

• نصاب الفضة: 595 غرامًا.

• نصاب النقود يعادل قيمة الذهب أو الفضة وفق سعر السوق.

• نسبة الزكاة المفروضة: 2.5% من المال.

ويجب على المزكي أن يتأكد من وجود النصاب ومضي الحول (عام هجري كامل) على المال، فإذا توفرت هذه الشروط وجب إخراج الزكاة للفقراء من بينهم الأقارب المحتاجون.

طريقة توزيع الزكاة على الأقارب

يجب أن يكون توزيع الزكاة على الأقارب المحتاجين بشكل يحقق العدالة والإنصاف، ولا يجوز التركيز على فرد معين وإهمال الآخرين في نفس مستوى الحاجة. من الأفضل توثيق قائمة بأسماء الأقارب المستحقين مع تحديد حاجاتهم لتوزيع المال بشكل منظم وفعال.

جدول توضيحي لمستحقي الزكاة من الأقارب

أثر الزكاة في تعزيز التكافل الأسري

الزكاة تلعب دورًا محوريًا في بناء مجتمعات متماسكة، إذ تخلق جواً من التضامن بين الأقارب، وتخفف من آثار الفقر والاحتياج بينهم. كما أن إعطاء الزكاة للأقارب يعزز من التزام الأسرة بالمسؤولية تجاه أعضائها، ويعمل على حفظ الكرامة الاجتماعية لكل فرد محتاج داخل الأسرة الكبيرة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إدراك المزكي أهمية دعم أقاربه من خلال الزكاة يحفزه على الاستمرار في العمل والإنفاق في سبيل الله، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويحد من الفوارق الطبقية داخل المجتمع.

الزكاة في ضوء الفقه الإسلامي

تتفق المذاهب الفقهية الأربعة على مشروعية إخراج الزكاة للفقراء والمساكين من الأقارب، وتعتبر ذلك من البر بالوالدين وصلة الرحم التي أمر بها الإسلام. وقد نص الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم أن الزكاة تصلح لأن تكون وسيلة للحفاظ على العلاقات العائلية، فضلاً عن كونها واجبًا ماليًا.

ومع اختلاف التفصيلات الفقهية في بعض أنواع المال والنصاب، فإن الأصل العام أن تستهدف الزكاة الفقراء والمحتاجين، سواء كانوا من الأقارب أو غيرهم، على أن الأقارب لهم حق التقديم والفضل في الإعانة.

أهمية العدل والشفافية في توزيع الزكاة

لكي تؤدي الزكاة وظيفتها الاجتماعية بشكل كامل، يجب أن يتم توزيعها بشفافية وعدالة بين جميع المستحقين، وتجنب التحيز أو المحاباة. وفي حالة وجود أكثر من قريب مستحق، يفضل تقسيم المبلغ بما يضمن تغطية احتياجات أكبر عدد ممكن من الأسر.

وينبغي للمزكي أن يراعي الظروف الشخصية لكل قريب، حيث أن بعض الأقارب قد يحتاجون إلى دعم مستمر لفترة طويلة بسبب حالتهم الخاصة، ومن ثم يجب استمرارية الدعم حتى تستقر أوضاعهم.

الفروق بين الزكاة والصدقة للأقارب

يجدر التمييز بين الزكاة والصدقة في سياق إعطاء المال للأقارب:

• الزكاة: لها شروط شرعية واضحة وتُخرج لمن تنطبق عليهم شروط الاستحقاق فقط، وتعتبر حقاً للفقراء.

• الصدقة: هي إعطاء طوعي لا يشترط فيه النصاب أو الحول، ويمكن أن تكون لأي قريب حتى وإن لم يكن فقيرًا، وهو من أبواب البر والإحسان.

وبذلك يمكن أن يختار المسلم أن يقدم صدقة إضافية لأقاربه لتحسين أوضاعهم، بجانب الزكاة الواجبة.

خلاصة

مستحقو الزكاة من الأقارب هم أولى الناس الذين يجب أن يتلقى منهم المزكي هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، لأنهم الأقرب في الدم، والأولى بالبر، والأشخاص الذين يكفل الشرع أن يتم الإحسان إليهم بما يساعدهم على الحياة بكرامة. فهم الفقراء، المساكين، المرضى، الأرامل، الأيتام والمعسرون الذين لا يستطيعون الكسب أو تأمين حاجاتهم الأساسية. إخراج الزكاة لهم يعزز من روابط الأسرة ويحقق عدالة اجتماعية تعزز من استقرار المجتمع الإسلامي.

توزيع الزكاة على الأقارب يتطلب حكمة وعدلاً وشفافية، مع مراعاة حاجات كل فرد وظروفه، وهو ما يحقق غاية الشريعة في توطيد صلة الرحم وبناء مجتمع متكافل متعاون.

المراجع:

1. تفسير ابن كثير.

2. الفقه الإسلامي وأدلته – الدكتور وهبة الزحيلي.