مسئولية الأسرة في انحراف الأطفال:
تعتبر الأسرة حجر الأساس في تشكيل شخصية الطفل وتوجيهه نحو السلوكيات السليمة والصحية. إن دور الأسرة لا يقتصر على تزويد الأطفال بالاحتياجات الأساسية من طعام وملبس، بل يتعدى ذلك إلى دور تربوي ونفسي أساسي في توجيه سلوكياتهم، وتأسيسهم على القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية. إلا أن مسئولية الأسرة في الوقاية من انحراف الأطفال تبقى من أهم الأبعاد التي يجب تسليط الضوء عليها. فكلما كانت الأسرة مهيأة للقيام بدورها الصحيح في تربية أبنائها، كلما كانت فرص الوقاية من الانحراف السلوكي أكبر.
أسباب انحراف الأطفال:
تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى انحراف الأطفال، إلا أن الأسرة تبقى المسئول الأول عن العديد منها. يمكن تلخيص أبرز الأسباب التي قد تساهم في انحراف الأطفال كما يلي:
-
الإهمال العاطفي:
يعد الإهمال العاطفي من أبرز أسباب انحراف الأطفال. إن غياب الرعاية العاطفية والاهتمام النفسي من الأسرة يمكن أن يجعل الطفل يشعر بعدم الأمان أو عدم تقدير الذات. هذا الإحساس قد يدفعه للبحث عن مصادر أخرى للعاطفة والتقدير، مما قد يؤدي إلى الارتباط بأشخاص سيئين أو الانحرافات السلوكية. -
التفكك الأسري:
يعد التفكك الأسري أو غياب أحد الوالدين سبباً مهماً للانحراف. في حالات الطلاق أو الانفصال، يعاني الأطفال من عدم الاستقرار العاطفي، مما يجعلهم أكثر عرضة للانجراف نحو سلوكيات غير سوية. -
ضعف الرقابة الأسرية:
عندما تفتقر الأسرة إلى الرقابة المستمرة على سلوك الطفل، أو تكون الرقابة مفرطة لدرجة أنها تضغط على الطفل وتحد من حريته، فإن ذلك قد يخلق نوعاً من التمرد أو التحدي لدى الطفل، ويقوده إلى السلوكيات المنحرفة. لذا فإن التوازن في الرقابة بين الحرية والانضباط يعتبر أحد العوامل الأساسية في الوقاية من الانحراف. -
التنشئة السلبية:
عندما يتربى الطفل في بيئة أسرية لا تتبع منهجاً تربوياً صحيحاً، أو بيئة يشوبها العنف أو السلوكيات غير الأخلاقية، يتأثر الطفل بهذه السلوكيات ويتبناها. على سبيل المثال، عندما يشهد الطفل العنف بين الوالدين أو في الأسرة بشكل عام، قد يكتسب سلوكيات عدوانية أو قد يواجه صعوبة في حل مشكلاته بطرق سلمية. -
التوجيه غير السليم:
إن غياب التوجيه الأسري السليم للأطفال فيما يتعلق بالقيم والمبادئ الحياتية يشكل خطراً كبيراً. تربية الطفل على قيم العدالة والمساواة، وتعليمه كيف يعبر عن مشاعره بشكل سليم، يمكن أن تكون مفاتيح النجاح في حمايته من الانحراف.
دور الأسرة في الوقاية من انحراف الأطفال:
إن الأسرة، باعتبارها البيئة الأولى التي يتفاعل فيها الطفل مع العالم الخارجي، تتحمل مسئولية كبيرة في توجيه سلوكياته ومنع انحرافه. وللأسرة دور جوهري في هذا السياق، يتجلى في عدة محاور أساسية:
-
الرعاية العاطفية والمساندة النفسية:
الاهتمام العاطفي هو أساس بناء الثقة بالنفس لدى الطفل. إن قضاء وقت مع الطفل، والاستماع له، وتوفير بيئة أسرية مليئة بالحب والاحترام، يساعد في تقليل احتمالات انحرافه. العائلة التي توفر الحماية العاطفية والنفسية تساهم في منح الطفل شعوراً بالاستقرار والأمان. -
الرقابة المتوازنة:
إن المراقبة المستمرة من قبل الوالدين على سلوكيات الطفل لا تعني السيطرة التامة على كل جوانب حياته. على العكس، يمكن للأسرة توفير مساحة للطفل ليعيش تجاربه ويكتسب مهارات اتخاذ القرار، بينما تظل الرقابة مرشداً يضمن ألا يضطرب مسار الطفل نحو السلوكيات السليمة. هذا التوازن في الرقابة مهم للغاية. -
تعليم القيم والمبادئ:
على الأسرة تعليم الطفل القيم الأخلاقية والدينية التي تساهم في توجيه سلوكه بشكل سليم. إن زرع القيم مثل الاحترام، الأمانة، والتعاطف، يُعتبر من العوامل الأساسية التي تقي الطفل من الوقوع في الانحرافات السلوكية. -
التنشئة على حل المشكلات:
لا بد من تعليم الطفل كيفية التعامل مع مشكلاته وحلها بطرق سلمية. الانحراف قد يحدث بسبب الفشل في مواجهة تحديات الحياة. لذلك، فإن تزويد الطفل بالأدوات اللازمة للتعامل مع الضغوط والمشاكل بطريقة إيجابية يعد من الأولويات التي يجب أن توليها الأسرة اهتماماً كبيراً. -
المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والتثقيفية:
تشجيع الأطفال على الانخراط في الأنشطة الاجتماعية والثقافية يساعد في إبعادهم عن الانحرافات. المشاركة في الأنشطة الجماعية تعزز من روح التعاون والعمل الجماعي، وتساهم في بناء شبكة من العلاقات الاجتماعية التي يمكن أن تكون داعمة في مراحل النمو المختلفة. -
دور الأبوين في المثال الشخصي:
يعد الأبوين المثال الأول للطفل. إن تصرفات الوالدين وسلوكهم اليومي يترك تأثيراً قوياً على سلوك الطفل. لذا فإن الوالدين يجب أن يكونوا قدوة في التصرفات السليمة، سواء في تعاملاتهم مع الآخرين أو في طريقة حلهم للمشاكل.
التحديات التي تواجه الأسرة في مواجهة انحراف الأطفال:
في الوقت الذي يقع فيه الكثير من اللوم على الأسرة، إلا أن هناك عدة تحديات تواجهها عند محاولة الوقاية من انحراف الأطفال. من أبرز هذه التحديات:
-
الضغوط الاقتصادية:
يعاني العديد من الأسر من الضغوط الاقتصادية التي تؤثر على قدرتهم في توفير الوقت الكافي للأطفال أو ضمان بيئة أسرية مستقرة. هذا الضغط قد ينعكس سلباً على تربية الأطفال. -
التأثيرات المجتمعية:
قد يتعرض الأطفال في بيئات معينة لمؤثرات سلبية من المحيط المجتمعي، مثل الأقران الذين يمارسون سلوكيات منحرفة، أو وسائل الإعلام التي تقدم نماذج سلبية. في مثل هذه الحالات، يصبح دور الأسرة في الوقاية أكثر تحدياً. -
التكنولوجيا والإنترنت:
في العصر الحالي، أصبح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مصدراً مؤثراً في سلوكيات الأطفال. قد يتعرض الأطفال لمحتويات غير مناسبة تؤثر في سلوكهم. لذا فإن دور الأسرة في الرقابة على استخدام هذه الوسائل يعتبر ضرورياً.
خاتمة:
إن مسئولية الأسرة في حماية الأطفال من الانحراف لا يمكن أن تقتصر على مجرد تقديم الطعام والملبس، بل يجب أن تمتد إلى دور أساسي في تشكيل شخصياتهم وتوجيههم نحو سلوكيات سليمة وصحية. لا شك أن التحديات كثيرة، لكن من خلال الوعي والتوجيه الصحيح، يمكن للأسرة أن تساهم بشكل كبير في تقليل احتمالات انحراف الأطفال وتوجيههم نحو مستقبل أفضل.