مسؤولية انحراف الشباب

انحراف الشباب: من المسؤول؟

تُعد مشكلة انحراف الشباب من القضايا الاجتماعية المعقدة التي تمس جوهر المجتمع، حيث تُعبّر عن مجموعة من السلوكيات والممارسات التي لا تتماشى مع القيم والمبادئ الأخلاقية السائدة في المجتمع. يشمل هذا الانحراف العديد من الأفعال المرفوضة اجتماعيًا، مثل الانخراط في العنف، تعاطي المخدرات، السرقة، والتهرب من التعليم، وغيرها من السلوكيات السلبية التي تؤثر بشكل كبير على مستقبل الشباب وعلى استقرار المجتمع ككل. ولكن من المسؤول عن هذه الظاهرة؟ هل يمكن تحميل الأفراد، الأسرة، المجتمع، أو حتى الدولة مسؤولية هذا الانحراف؟ في هذا المقال، سنحاول تسليط الضوء على الأبعاد المختلفة لهذه المشكلة وتحديد الأطراف المعنية بها.

1. الأسرة: حجر الزاوية في تربية الأبناء

تُعتبر الأسرة من أولى المؤسسات الاجتماعية التي تشكّل شخصية الفرد، وبالتالي هي تلعب دورًا مهمًا في تحديد مسار حياة الأبناء. غالبًا ما يُلام الآباء في حالة حدوث انحرافات في سلوك أبنائهم، وذلك بسبب عدم الاهتمام الكافي بتوجيههم، أو نتيجة لانشغالهم الزائد عن توفير احتياجاتهم المادية على حساب احتياجاتهم النفسية والعاطفية.

في بعض الحالات، قد تؤدي المشاكل الأسرية، مثل التفكك الأسري أو العنف المنزلي، إلى شعور الشاب بالإهمال أو الاضطراب، مما يدفعه إلى البحث عن طرق غير صحية للتعامل مع مشاعره. عندما تفتقر الأسرة إلى القدرة على تقديم الدعم العاطفي والنفسي، يصبح الأبناء أكثر عرضة للانحرافات السلوكية.

2. المدرسة والتعليم: دور التعليم في توجيه الشباب

لا يقل دور المؤسسات التعليمية أهمية عن دور الأسرة في تشكيل سلوك الشباب. فالمدارس تُعد المكان الذي يتعلم فيه الفرد ليس فقط العلوم والمعارف، بل أيضًا القيم والمبادئ التي تُعتبر أساسية في بناء شخصيته الاجتماعية والأخلاقية.

لكن في العديد من الأحيان، لا تؤدي المدارس دورها بالشكل المطلوب بسبب تكدس المناهج الدراسية، وغياب التوجيه النفسي، وتفشي العنف داخل المدارس. لا تقتصر المشكلة على النواحي الأكاديمية فقط، بل تمتد إلى غياب برامج الإرشاد النفسي والاجتماعي التي من المفترض أن تساعد الشباب على التعامل مع ضغوط الحياة.

بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي التفوق الأكاديمي غير المبرر أو تفضيل بعض الطلاب على آخرين إلى الإحباط لدى بعض الشباب، مما يساهم في تزايد السلوكيات المنحرفة كطريقة للهروب من الواقع المزعج.

3. المجتمع: تأثير الأصدقاء ووسائل الإعلام

تلعب البيئة الاجتماعية دورًا محوريًا في التأثير على سلوك الشباب. فالمجتمع الذي يعيش فيه الشاب يشكّل العديد من أبعاد حياته اليومية، سواء من خلال الأصدقاء أو العادات والتقاليد السائدة، وحتى من خلال وسائل الإعلام التي أصبحت اليوم أكثر تأثيرًا من أي وقت مضى.

الصداقة هي واحدة من أبرز العوامل التي تؤثر على قرارات الشباب. ففي كثير من الأحيان، يؤدي ضغط الأقران إلى دفع الشاب نحو اتخاذ قرارات غير صائبة، مثل تعاطي المخدرات أو التورط في سلوكيات عدوانية، رغبة في الاندماج أو الحصول على القبول من الآخرين.

أما وسائل الإعلام، فتُعد أحد أبرز المحركات التي تؤثر بشكل غير مباشر على تصرفات الشباب. برامج التلفاز، والمواقع الإلكترونية، والألعاب الفيديو، ومواقع التواصل الاجتماعي تعرض نماذج سلوكية قد تكون سلبية، مما قد يؤدي إلى تحفيز بعض الشباب على تقليد هذه التصرفات في حياتهم اليومية.

4. الدولة: دور الحكومة في مواجهة الانحرافات

لا يمكن أن تُعتبر الدولة بمنأى عن المسؤولية في قضية انحراف الشباب. من المفترض أن تلعب الدولة دورًا رئيسيًا في تأمين بيئة اجتماعية آمنة ومستقرة، وتوفير برامج التأهيل الاجتماعي والنفسي التي من شأنها أن تساعد الشباب في تخطي التحديات التي تواجههم.

تُعتبر السياسات العامة في مجالات التعليم، الصحة، الشباب، والأمن من الأسس التي تساهم في مواجهة انحراف الشباب. عندما تتسم هذه السياسات بالقصور أو الفجوات، فإنها تُسهم في تفشي العديد من الظواهر السلبية، مثل البطالة، والفقر، والتمييز، مما يدفع الكثير من الشباب إلى الانحراف كطريقة للتعامل مع هذه التحديات.

5. التكنولوجيا والمجتمع الرقمي: سلاح ذو حدين

أحدثت الثورة التكنولوجية تغييرات جذرية في حياة الأفراد، وخاصة في حياة الشباب. فقد أصبح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، مما فتح أمامهم عالمًا مليئًا بالإيجابيات والسلبيات في الوقت نفسه. من جهة، يمكن للتكنولوجيا أن توفر فرصًا تعليمية وتواصلية هائلة، ولكن من جهة أخرى، أصبحت مسارًا سهلاً للشباب للانخراط في سلوكيات منحرفة قد تكون محورية في تشكيل حياتهم.

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على سبيل المثال يمكن أن يؤدي إلى عزلة اجتماعية، حيث يصبح الشاب أكثر ارتباطًا بالعالم الافتراضي من عائلته وأصدقائه، مما يعزّز شعوره بالوحدة والاغتراب. كما أن تعرض الشباب لمحتويات غير مناسبة، مثل العنف أو التطرف، يمكن أن يسهم في انحرافاتهم السلوكية.

الخلاصة

مسؤولية انحراف الشباب لا تقع على طرف واحد فقط، بل هي قضية متعددة الأبعاد يتداخل فيها دور الأسرة، المدرسة، المجتمع، الدولة، بالإضافة إلى التأثيرات التي تفرضها التكنولوجيا الحديثة. لا بد من تبني نهج شامل لمعالجة هذه الظاهرة، من خلال تعزيز دور الأسرة في التربية، وتحسين نوعية التعليم وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وتحقيق العدالة الاجتماعية. كما أن دور الدولة في توفير برامج تهدف إلى الوقاية والعلاج من الانحرافات السلوكية يعد أمرًا ضروريًا.

يجب أن يعمل الجميع، من أفراد المجتمع إلى مؤسسات الدولة، يدًا واحدة للتصدي لهذه الظاهرة ومساعدة الشباب على إيجاد مسار إيجابي في حياتهم، ليتمكنوا من مواجهة تحديات المستقبل بثقة وأمل.