مراحل نمو الجنين بالتفصيل

كيف ينمو الجنين؟

يعد نمو الجنين من أروع وأعقد العمليات البيولوجية التي تحدث في الكائنات الحية. تبدأ رحلة نمو الجنين منذ لحظة الإخصاب، مروراً بتقسيم الخلايا والتكوينات المختلفة للأعضاء، وصولاً إلى مرحلة الولادة. في هذا المقال، سنتناول مراحل نمو الجنين في رحم الأم، من بداية الحمل حتى اللحظات الأخيرة قبيل الولادة، مع التركيز على التغيرات الفسيولوجية التي تحدث للأم والجنين على حد سواء.

1. الإخصاب والمرحلة ما قبل الانغراس

ينبثق نمو الجنين من لحظة الإخصاب، التي تحدث عندما يلتقي الحيوان المنوي بالبويضة في قناة فالوب. بعد إتمام عملية الإخصاب، تتشكل خلية واحدة تُدعى الزيجوت، التي تحتوي على مجموعة كاملة من الكروموسومات التي تمثل الحمض النووي للطفل. هذه الخلية تبدأ في الانقسام والتكاثر بشكل سريع.

تنتقل الزيجوت عبر قناة فالوب إلى الرحم، حيث تبدأ في الانقسام إلى خلايا متعددة لتشكيل كرة من الخلايا تسمى “التوتة” أو “الميزوديرم”. في هذه المرحلة، يتزايد عدد الخلايا، وتبدأ الخلايا في التخصص لتكوين طبقات مختلفة من الأنسجة التي ستصبح أعضاء جسم الجنين. في اليوم السابع تقريباً، يبدأ هذا الكائن الحي الصغير في الانغراس في جدار الرحم، حيث يبدأ الاتصال الدائم مع الأوعية الدموية للأم لتبادل المواد الغذائية والأوكسجين.

2. المرحلة الجنينية المبكرة (من الأسبوع الثاني إلى الأسبوع الثامن)

خلال الأسابيع الستة الأولى من الحمل، يبدأ الجنين في التكون بشكل أسرع. يتم تشكيل الطبقات الأساسية التي ستتحول إلى الأنسجة المختلفة:

• الطبقة الخارجية (الإكتوديرم): وهي التي ستتحول إلى الجلد والجهاز العصبي.

• الطبقة الوسطى (الميزوديرم): والتي ستشكل العضلات والعظام والأوعية الدموية.

• الطبقة الداخلية (الإندوديرم): التي ستصبح الأعضاء الداخلية مثل الرئتين والكبد والأمعاء.

في نهاية الأسبوع الثالث، يتشكل أنبوب عصبي الذي سيكون بمثابة الأساس لنظام الدماغ والحبل الشوكي. وبحلول الأسبوع الرابع، تبدأ نبضات القلب في الظهور، وتبدأ الأوعية الدموية في التكوين. في هذا الوقت، يكون الجنين لا يتجاوز حجم حبة الأرز، ولكنه يحتوي على جهاز عصبي بسيط.

مع تقدم الأسابيع، تتشكل الأعضاء الحيوية الأخرى مثل الكبد والكلى، وتبدأ الأطراف في التكون، مع ظهور الأذرع والساقين بشكل واضح. في نهاية الأسبوع الثامن، يكون الجنين قد أصبح أكثر تحديدًا، مع تكوين معالم الوجه مثل العينين والأذنين والفم.

3. المرحلة المتوسطة (من الأسبوع التاسع إلى الأسبوع السادس عشر)

في هذه المرحلة، يبدأ الجنين في اكتساب ملامح أكثر وضوحًا. تصبح الأعضاء أكثر تعقيدًا، ويبدأ القلب في العمل بكفاءة أكبر. تتشكل الأصابع والقدمين بشكل كامل، وتبدأ الأذنان في الانتقال إلى مكانهما الطبيعي على جانبي الرأس. العينان تتطوران أكثر، على الرغم من أن الجفون تبقى مغلقة في هذه المرحلة.

من الأسبوع العاشر، تبدأ الأجهزة الحسية مثل السمع والبصر في التكوين، ولكن لا يزال الجنين بحاجة إلى المزيد من الوقت لكي يتطور كاملًا. في الأسبوع الثاني عشر، تصبح الأعضاء التناسلية قادرة على التمييز بين الذكور والإناث، وتبدأ بعض الحركات التلقائية مثل التنفس والبلع.

في الأسبوع الرابع عشر، تبدأ الأطراف في اكتساب التناسق والقدرة على الحركات الدقيقة. في هذا الوقت، يبدأ الجنين في تحريك يديه وقدميه، رغم أنه لا يمكن للأم أن تشعر بهذه الحركات بعد. في نهاية الأسبوع السادس عشر، يكون الجنين قد وصل إلى حوالي 14 سنتيمترًا، ويصبح أكثر نشاطًا داخل الرحم.

4. المرحلة المتأخرة (من الأسبوع السابع عشر إلى الأسبوع الرابع والعشرين)

خلال هذه المرحلة، يزداد حجم الجنين بشكل كبير، حيث يبدأ في اكتساب الوزن بشكل ملحوظ. تتكون طبقات الدهون تحت الجلد، مما يساعد في الحفاظ على درجة حرارة الجسم. يواصل الجنين نمو أعضائه، وبحلول الأسبوع 20، يمكن للأم أن تشعر بحركات الجنين لأول مرة، وهذا ما يعرف بحركة الجنين الأولى.

تبدأ أيضًا الحواس الأخرى في التطور، مثل السمع، حيث يستطيع الجنين سماع الأصوات من خارج الرحم، بما في ذلك صوت نبضات قلب الأم وأصوات الأمعاء. يصبح الجنين قادرًا على التمييز بين الضوء والظلام، وحتى يمكنه أن يتفاعل مع الضوء المباشر على بطن الأم.

5. المرحلة الأخيرة (من الأسبوع الخامس والعشرين إلى الأسبوع الأربعين)

في هذه المرحلة، يكون الجنين قد أصبح أكثر اكتمالًا استعدادًا للولادة. تكتمل جميع الأعضاء الحيوية مثل الجهاز التنفسي، الجهاز الهضمي، والجهاز العصبي. يبدأ الجنين في ممارسة التنفس داخل الرحم باستخدام السائل الأمنيوسي، رغم أن التنفس الفعلي لن يحدث إلا بعد الولادة.

بحلول الأسبوع 30، يصبح الجنين أكبر بكثير وأكثر نشاطًا. يبدأ في اكتساب وزن إضافي وتخزين الدهون التي ستكون ضرورية بعد ولادته. في الأسبوع 35، يبدأ الجنين في الاستعداد للولادة بالانتقال إلى الوضعية الأمامية حيث يكون رأسه لأسفل استعدادًا للمرور عبر قناة الولادة.

في الأسبوع 37، يكون الجنين قد أصبح مكتمل النمو، وجميع أعضائه تعمل بشكل جيد. في هذه المرحلة، يمكن أن تحدث الولادة في أي وقت. يستمر الجنين في النمو حتى الأسبوع الأربعين، حيث يعتبر الجنين قد أكمل نموه، وبدأت التغيرات التي ستؤدي إلى عملية الولادة.

6. التغيرات التي تحدث للأم خلال مراحل الحمل

خلال هذه المراحل، يمر جسم الأم بتغيرات كبيرة لدعم نمو الجنين. في المرحلة الأولى من الحمل، يمكن أن تشعر الأم بالغثيان والتعب نتيجة التغيرات الهرمونية. مع تقدم الحمل، تبدأ الأم في ملاحظة زيادة في حجم بطنها، وزيادة في الوزن. مع اقتراب الولادة، تزداد التغيرات الفسيولوجية للأم، مثل زيادة حجم الثديين استعدادًا للرضاعة، وتقلصات عضلية في منطقة الحوض استعدادًا للولادة.

خلال المراحل المتأخرة من الحمل، يمكن أن تلاحظ الأم زيادة في كثافة حركة الجنين، وقد تزداد أعراض مثل تورم القدمين وألم الظهر. في الأسابيع الأخيرة، يتغير مستوى الطاقة عند الأم، وتبدأ التجهيزات النفسية والجسدية للولادة.

7. الولادة

عند اقتراب موعد الولادة، يبدأ الجسم في الاستعداد لتلك اللحظة الحاسمة. تبدأ التقلصات التي تفتح عنق الرحم وتساعد على دفع الجنين عبر قناة الولادة. مع تقدم المخاض، تنفتح المسالك التناسلية للأم، ويبدأ الجنين في النزول عبر المهبل.

أخيرًا، عندما يصل الجنين إلى العالم الخارجي، يتم فحصه للتأكد من صحته، ويبدأ الأطباء في تأكيد اكتمال نموه. هذا هو نهاية الرحلة في الرحم وبداية حياة جديدة خارج الجسم.

الخلاصة

يعد نمو الجنين عملية معقدة تتضمن العديد من المراحل الدقيقة والمرتبة التي تحدث بشكل تدريجي ومترابط. من بداية الإخصاب وحتى اللحظات الأخيرة قبل الولادة، يمر الجنين بتطورات كبيرة سواء من حيث الحجم أو الوظائف الفسيولوجية، كما أن جسم الأم يتكيف باستمرار لدعم هذا النمو المستمر.