مراحل نشأة الكون: من الانفجار العظيم إلى نشوء الحياة

يُعد الكون بكل ما يحتويه من مجرات ونجوم وكواكب ومادة وطاقة وزمان ومكان، نتاج سلسلة من المراحل المعقدة التي بدأت قبل أكثر من 13.8 مليار سنة. هذه المراحل، التي شكلت تطور الكون من لحظة نشأته وحتى نشوء الحياة على كوكب الأرض، تُعتبر من أكثر المواضيع إثارة في علم الفلك والكونيات. يستند فهمنا الحديث لنشأة الكون إلى نظرية الانفجار العظيم (Big Bang Theory)، وهي النظرية الأكثر قبولًا في الأوساط العلمية لتفسير أصل وتطور الكون.

المرحلة الأولى: لحظة الانفجار العظيم

تبدأ قصة الكون بلحظة واحدة فريدة تُعرف باسم “الانفجار العظيم”، وهي ليست انفجارًا بالمعنى التقليدي، بل تمثل لحظة تمدد هائل ومفاجئ للمكان والزمان والمادة والطاقة. في هذه اللحظة، لم يكن هناك كون كما نعرفه، بل نقطة واحدة فائقة الكثافة والحرارة تعرف بالـ”متفردة” (Singularity)، احتوت على كل طاقة الكون ومادته.

حدث الانفجار العظيم قبل نحو 13.8 مليار سنة. لم يكن هنالك “قبل” هذا الحدث من الناحية الزمنية، لأن الزمن نفسه بدأ مع هذا الحدث. في أقل من جزء ضئيل من الثانية، بدأ الكون يتمدد بشكل سريع، وهي العملية التي يُطلق عليها اسم “التضخم الكوني” (Cosmic Inflation). خلال هذه المرحلة، تضاعف حجم الكون ملايين المرات، وكان يتكون من بلازما كثيفة جداً من الجسيمات الأولية.

المرحلة الثانية: العصر البدائي – أولى لحظات المادة

خلال أجزاء من الثانية بعد الانفجار العظيم، بدأت درجات الحرارة في الكون بالانخفاض تدريجياً من حوالي $10^{32}$ كلفن. ومع انخفاض الحرارة، بدأت الجسيمات الأولية في التكوّن، ومنها الكواركات والغلونات والإلكترونات والنيوترينوهات.

بحلول جزء من الثانية بعد الانفجار، التحمت الكواركات لتشكيل البروتونات والنيوترونات بفضل التفاعلات القوية بين الجسيمات، وهي المرحلة المعروفة بـ “الحقبة الكواركية”. استمرت هذه المرحلة لجزء صغير جداً من الثانية.

بعد ذلك، بدأت البروتونات والنيوترونات في التفاعل لتكوين نوى العناصر الخفيفة كالهيدروجين والهيليوم، في عملية تُعرف بـ “الاصطناع النووي البدائي” (Primordial Nucleosynthesis)، والتي حدثت بعد حوالي ثلاث دقائق من الانفجار العظيم واستمرت حوالي 20 دقيقة.

الجدول التالي يوضح العناصر التي تشكلت في هذه المرحلة:

المرحلة الثالثة: عصر الإشعاع

خلال أول 380 ألف سنة، كان الكون مليئًا بجسيمات مشحونة وإشعاع حراري، ولم يكن الضوء قادرًا على التحرك بحرية لأن الفوتونات كانت تتفاعل باستمرار مع الإلكترونات الحرة في البلازما الساخنة. يُعرف هذا العصر بـ “عصر الإشعاع”.

مع استمرار تمدد الكون وتبريده، وصلت درجة حرارته إلى نحو 3000 كلفن، وهو ما سمح للإلكترونات بالاندماج مع النوى لتكوين ذرات الهيدروجين والهيليوم المتعادلة كهربائيًا. هذه اللحظة تُعرف بـ “حقبة إعادة التركيب” (Recombination Era)، وهي المرحلة التي أصبح فيها الكون شفافًا للإشعاع، مما سمح للفوتونات بالتحرك بحرية، وأدى إلى ظهور ما يُعرف اليوم بـ “إشعاع الخلفية الكونية الميكروي” (CMB).

المرحلة الرابعة: العصر المظلم

بعد إعادة التركيب، دخل الكون في مرحلة تُعرف بـ “العصر المظلم” (Dark Ages)، والتي استمرت لعدة مئات الملايين من السنين. خلال هذه الفترة، لم تكن النجوم أو المجرات قد تشكلت بعد، وكان الكون يتكون أساسًا من غاز الهيدروجين البارد والمظلم.

رغم خلو الكون من الضوء في هذه المرحلة، كانت الجاذبية تلعب دورًا محوريًا، حيث بدأت التجمعات الصغيرة من المادة بالتكتل تدريجياً بفعل قوة الجاذبية، مشكّلة البذور الأولى للنجوم والمجرات المستقبلية.

المرحلة الخامسة: عصر إعادة التأين

مع مرور الوقت، بدأت الجاذبية تتسبب في انهيار كتل الغاز لتكوين أولى النجوم في الكون. أشعلت هذه النجوم ضوءها الأول، منهيةً بذلك العصر المظلم. أدى إشعاع هذه النجوم إلى إعادة تأيين ذرات الهيدروجين المحايدة، وهي المرحلة التي تُعرف بـ “عصر إعادة التأين” (Epoch of Reionization)، والتي بدأت بعد نحو 400 مليون سنة من الانفجار العظيم واستمرت حوالي مليار سنة.

كان هذا الحدث محوريًا في تطور الكون، حيث مهّد الطريق لتشكيل المجرات والعناقيد المجرية. وقد ساعدت المراصد الفضائية مثل تلسكوب هابل وتلسكوب جيمس ويب الفضائي في دراسة هذه المرحلة بدقة غير مسبوقة.

المرحلة السادسة: تشكل المجرات والنجوم

بعد انتهاء عصر إعادة التأين، بدأ الكون يأخذ شكله الحالي تدريجياً. بدأت النجوم تتجمع في مجرات، والمجرات تتجمع في عناقيد، والعناقيد في بنى أكبر تُعرف بالخيوط الكونية. يُقدر أن أول المجرات تشكلت قبل حوالي 1 مليار سنة من الانفجار العظيم.

مع مرور الوقت، استمر تشكل النجوم من الغازات المنتشرة داخل المجرات، وبدأت العناصر الثقيلة في التشكل داخل النجوم نتيجة التفاعلات النووية، مما أضاف تعقيدًا كيميائيًا للكون. عند نهاية عمر النجوم الضخمة، انفجرت على هيئة مستعرات عظمى (Supernovae)، ناشرةً العناصر الثقيلة في أرجاء الفضاء، مما ساعد لاحقًا في تكوين كواكب وحياة.

المرحلة السابعة: تشكل النظام الشمسي

تكوّن النظام الشمسي قبل نحو 4.6 مليار سنة، عندما انهارت سحابة ضخمة من الغاز والغبار داخل مجرة درب التبانة. أدى انهيار هذه السحابة إلى تشكل قرص دوّار في مركزه نجم شاب — هو الشمس — وفي أطرافه تكوّنت الكواكب ومنها الأرض.

في هذه المرحلة، كانت الأرض عبارة عن كرة نارية منصهرة تعرضت لقصف كثيف من الكويكبات. ومع الوقت، بردت القشرة الأرضية، وتشكل الغلاف الجوي والمحيطات.

المرحلة الثامنة: ظهور الحياة على الأرض

منذ حوالي 3.5 إلى 4 مليارات سنة، بدأت أولى أشكال الحياة على الأرض في الظهور، غالبًا في المحيطات الضحلة. كانت هذه الكائنات بدائية للغاية مثل البكتيريا والعتائق (Archaea). ومع مرور الزمن، تطورت الحياة تدريجيًا من الكائنات وحيدة الخلية إلى متعددة الخلايا، وصولًا إلى النباتات والحيوانات ثم الإنسان.

هذا التطور لم يكن محصورًا فقط في المجال البيولوجي، بل ترافق مع تطور الأرض نفسها من حيث الغلاف الجوي والمناخ وتركيب القارات والمحيطات.

المرحلة التاسعة: توسع الكون الحالي والمستقبل

الكون اليوم لا يزال في حالة تمدد، وهذا التمدد يزداد تسارعًا بمرور الزمن، وهو ما اكتشفه العلماء في نهاية القرن العشرين. يُعتقد أن هناك قوة تُعرف بـ “الطاقة المظلمة” (Dark Energy) هي المسؤولة عن هذا التسارع. ورغم أن طبيعة هذه الطاقة لا تزال مجهولة، إلا أنها تشكل أكثر من 68% من إجمالي مكونات الكون.

إذا استمر هذا التسارع، فإن مستقبل الكون قد يشهد أحداثًا مثل “التمزق الكبير” (Big Rip) أو “الموت الحراري” (Heat Death)، حيث يصبح الكون باردًا ومظلمًا وغير قادر على دعم أي نوع من الحياة.

خلاصة مراحل نشأة الكون وفق التسلسل الزمني

المراجع

• Stephen Hawking, A Brief History of Time, Bantam Books.

• NASA’s Wilkinson Microwave Anisotropy Probe (WMAP) Mission, https://map.gsfc.nasa.gov