مراحل الحرب العالمية الثانية

مراحل الحرب العالمية الثانية:

تعد الحرب العالمية الثانية واحدة من أعظم الحروب وأكثرها دموية في تاريخ البشرية. فقد نشبت في الفترة ما بين عامي 1939 و1945، وشارك فيها معظم دول العالم، منها القوى الكبرى التي انقسمت إلى معسكرين رئيسيين: الحلفاء (بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي) ودول المحور (بقيادة ألمانيا النازية وإيطاليا واليابان). هذه الحرب كانت لها تداعيات هائلة على السياسة العالمية، التوازن العسكري، وعلى حياة ملايين البشر. ولقد مرّت الحرب العالمية الثانية بعدة مراحل أساسية، شكلت في مجموعها مسار هذه الحرب المدمرة.

1. التوترات العالمية وصعود القوى الفاشية

شهدت الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية تصاعداً في التوترات السياسية والاقتصادية في جميع أنحاء العالم. كان لهذا التوتر عدة أسباب رئيسية، على رأسها معاهدة فرساي التي فرضت على ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، ما أدى إلى احتقان داخلي شديد وانهيار اقتصادي. في هذا السياق، ظهرت العديد من الحركات السياسية المتطرفة التي طالبت بتغيير النظام القائم، وكان أبرزها الحزب النازي بقيادة أدولف هتلر.

في إيطاليا، كان بينيتو موسوليني يروج للأيديولوجية الفاشية ويعزز سلطته السياسية. أما في اليابان، فقد كانت حكومة طوكيو تبحث عن وسائل لتوسيع نفوذها في شرق آسيا. شكلت هذه الحركات الفاشية تهديدًا مباشرًا للسلام العالمي، مما دفع العالم إلى حافة الحرب.

2. بداية الحرب: غزو بولندا (1939)

في 1 سبتمبر 1939، أعلنت ألمانيا النازية بقيادة هتلر الحرب على بولندا، وهو الهجوم الذي كان بمثابة بداية مباشرة للحرب العالمية الثانية. استخدمت ألمانيا في هذا الهجوم أسلوب “الحرب الخاطفة” (Blitzkrieg)، التي تميزت بالهجمات السريعة والمركزة على الأهداف العسكرية والمدنية. لم يستغرق الأمر طويلًا حتى اجتاحت القوات الألمانية بولندا، مما دفع بريطانيا وفرنسا إلى إعلان الحرب على ألمانيا في 3 سبتمبر 1939.

هذا الهجوم كان بمثابة البداية الرسمية للصراع، إذ سرعان ما انضم إلى الحرب عدد من الدول الأخرى، بما في ذلك الاتحاد السوفيتي، الذي كان قد وقع مع ألمانيا اتفاقًا سريًا (اتفاق مولوتوف-ريبنتروب) يقضي بتقسيم بولندا بين البلدين.

3. التوسع الألماني في أوروبا (1940-1941)

بعد انهيار بولندا، وسعت ألمانيا من تقدمها السريع عبر أوروبا الغربية. في عام 1940، قامت القوات الألمانية بغزو الدنمارك والنرويج، وبدأت عملياتها العسكرية في بلجيكا وهولندا وفرنسا. في يونيو من نفس العام، سقطت باريس في يد القوات النازية، مما أدى إلى انهيار الحكومة الفرنسية واستسلامها. كانت هذه الهزيمة القاسية قد حققت لألمانيا السيطرة على معظم أوروبا الغربية.

في الوقت نفسه، كانت إيطاليا تحت قيادة موسوليني تشارك في الحرب إلى جانب ألمانيا، حيث غزت بريطانيا في شمال إفريقيا وكذلك اليونان. رغم أن إيطاليا كانت متحالفة مع ألمانيا، إلا أن بعض الأوقات شهدت فشلاً لوجستيًا وعسكريًا، ما دفع هتلر إلى التدخل في تلك الجبهات.

4. الهجوم على الاتحاد السوفيتي: عملية بارباروسا (1941)

في يونيو 1941، قام هتلر بتنفيذ أكبر عملية عسكرية في التاريخ: الهجوم على الاتحاد السوفيتي، والذي سُمّي “عملية بارباروسا”. كانت القوات الألمانية تتقدم بسرعة كبيرة في البداية، حيث سيطرت على مناطق واسعة من الأراضي السوفيتية. لكن سرعان ما تحول الوضع، حيث تمكن السوفيت من صد الهجوم الألماني في معركة موسكو الشتوية في ديسمبر 1941.

كانت هذه الهزيمة الألمانية نقطة فارقة في مسار الحرب، إذ أثبت السوفييت أنهم قادرون على الصمود أمام هجمات قوات المحور. وكانت بداية ما سيتحول إلى جبهة شرق طويلة استنزفت الموارد والقدرات العسكرية الألمانية بشكل متزايد.

5. الهجوم الياباني على الولايات المتحدة (1941)

في الوقت الذي كانت فيه أوروبا غارقة في الصراع، كانت اليابان توسع من نطاق حربها في آسيا. في 7 ديسمبر 1941، شنت اليابان هجومًا مفاجئًا على قاعدة بيرل هاربر البحرية الأمريكية في هاواي. أسفر الهجوم عن تدمير جزء كبير من الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ، مما دفع الولايات المتحدة إلى إعلان الحرب على اليابان في اليوم التالي.

في غضون أيام، أعلنت ألمانيا وإيطاليا الحرب على الولايات المتحدة، مما جعل الحرب العالمية الثانية حربًا شاملة تغطي معظم أنحاء المعمورة. بدأت الولايات المتحدة بدور كبير في محاربة اليابان في منطقة المحيط الهادئ وفي أوروبا بالتوازي مع الحلفاء.

6. المعركة في شمال إفريقيا: معركة العلمين (1942-1943)

شهدت جبهات القتال في شمال إفريقيا تطورًا مهمًا في عام 1942، حيث سعى الألمان بقيادة الجنرال إروين رومل للسيطرة على قناة السويس وتوسيع نفوذهم في الشرق الأوسط. في المقابل، تمكنت قوات الحلفاء بقيادة الجنرال برنارد مونتغمري من إحراز انتصار كبير في معركة العلمين الثانية في نوفمبر 1942.

كان هذا الانتصار نقطة تحول في الصراع في شمال إفريقيا، حيث بدأ الحلفاء في دفع القوات المحورية للخلف، مما مهد الطريق للحملات العسكرية اللاحقة في إيطاليا والبلقان.

7. الهجوم على ألمانيا: غزو النورماندي (1944)

في 6 يونيو 1944، شنت قوات الحلفاء هجومًا واسعًا على الساحل الشمالي الفرنسي في إطار عملية “أفرلورد”، التي بدأت بما يعرف بيوم “النزول” أو “D-Day”. عبر الجنود الأمريكيون والبريطانيون والكنديون مياه القناة الإنجليزية إلى شواطئ نورماندي، وكان هذا الهجوم بداية لفتح جبهة غربية في الحرب ضد ألمانيا.

بعد معركة دامية، تمكن الحلفاء من تأمين الشواطئ، ومن ثم بدأوا في دفع القوات الألمانية إلى الوراء في عمليات واسعة امتدت عبر فرنسا وبلجيكا. في 25 أغسطس 1944، تحررت باريس، مما كان له تأثير معنوي كبير على مسار الحرب.

8. الانتصار في المحيط الهادئ: معركة ميدواي (1942) والحرب مع اليابان

في المحيط الهادئ، كان الهجوم الياباني قد شمل غزوات عديدة لأراضٍ آسيوية وجزر في المحيط الهادئ. لكن نقطة التحول في هذه الجبهة كانت في معركة ميدواي في يونيو 1942، حيث تمكنت الولايات المتحدة من تدمير جزء كبير من الأسطول الياباني، ما أجبر اليابان على التراجع وبدء الدفاع بدلاً من الهجوم.

من هنا بدأ الحلفاء في العمل على تطويق اليابان، حيث خاضوا معارك دامية في جزر مثل إيو جيما وأوكيناوا. في أغسطس 1945، بعد فشل الدبلوماسية اليابانية في إنهاء الحرب، استخدمت الولايات المتحدة القنبلة الذرية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي، مما أسفر عن استسلام اليابان في 2 سبتمبر 1945.

9. نهاية الحرب وتبعاتها

في 7 مايو 1945، استسلمت ألمانيا في أوروبا، ليُنهي هذا الاستسلام الحرب في القارة الأوروبية. في اليوم التالي، وقع هتلر انتحاره في برلين، مما أضاف طابعًا دراميًا ودمويًا لهذا الفصل من الحرب. كانت الحرب قد أودت بحياة نحو 60 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك ملايين المدنيين الذين لقوا حتفهم بسبب الغارات الجوية، المعسكرات النازية، والمجاعات.

في 2 سبتمبر 1945، كان الاستسلام الياباني هو الفصل الأخير في هذه الحرب، ليعلن عن نهاية الحرب العالمية الثانية في جميع أنحاء العالم. كانت الحرب قد خلَّفت وراءها دمارًا واسعًا، وانقسامًا في العالم بين القوى العظمى التي تضررت بشكل كبير.

10. إعادة بناء العالم ما بعد الحرب

بعد نهاية الحرب، بدأ العالم في إعادة ترتيب أوضاعه السياسية والاقتصادية. أنشئت الأمم المتحدة في عام 1945 بهدف ضمان السلام العالمي ومنع حدوث صراعات مشابهة. وفي أوروبا، تم إعادة بناء الدول المدمرة في إطار خطة مارشال الأمريكية، بينما في آسيا، بدأ الاحتلال الأمريكي في اليابان تحت قيادة الجنرال دوغلاس ماك آرثر.

تأسست أيديولوجيات جديدة في عالم ما بعد الحرب، مع تزايد التوتر بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، مما أدى إلى بدء الحرب الباردة التي استمرت لعدة عقود.

المصادر:

• “الحرب العالمية الثانية: التاريخ الكامل”، ريتشارد أوفري.

• “الحرب العالمية الثانية: سبب ونتائج”، أندرو روبرتس.