مدينة الملائكة الساقطة: كشف النقاب عن مدينة البندقية
مدينة الملائكة الساقطة هو عمل أدبي يتناول بأسلوب بارع وصادق جوهر مدينة البندقية الخلاب، كتب هذا العمل المؤلف جون بيريندت، الذي عرفه القارئ من خلال كتابه الشهير منتصف الليل في حديقة الخير والشر. يعود بيريندت بعد أكثر من عقد من الزمن ليأخذنا في رحلة استكشافية إلى قلب البندقية، المدينة التي تروي تاريخها العريق وجمالها الفريد من خلال مزيج من السحر والغموض والترف.
البندقية: مدينة الأحجية والعجائب
تتمتع مدينة البندقية بجاذبية خاصة؛ فهي مدينة مائية مبنية على مجموعة من الجزر المتصلة بقنوات مائية، تعرف بطرقها الضيقة والمتعرجة التي تشكل متاهة تتطلب مهارة كبيرة للتنقل فيها. تاريخ البندقية يمتد على مدى ألف عام، وقد أثرت في حضارات مختلفة من خلال فنونها ومعمارها المتميز. هذه المدينة، التي تجسد مزيجاً من الثقافة والتاريخ، تواجه تحديات مستمرة بين صمودها ومخاطر الاندثار، حيث تتعرض معالمها المعمارية للتآكل نتيجة الزمن والتغيرات البيئية.
الحريق الذي غير كل شيء
تبدأ أحداث الكتاب في ليلة 29 يناير 1996، حين دمر حريق هائل دار الأوبرا التاريخية “لا فينيس”، وهو حدث كارثي بالنسبة لسكان البندقية. تعد دار الأوبرا “لا فينيس” واحدة من رموز المدينة الثقافية، حيث شهدت عروض خمسة من أوبرا فيردي الشهيرة. يعتبر هذا الحريق ليس مجرد حدث مأساوي بل أيضاً نقطة تحول في سرد الأحداث التي يسردها بيريندت في كتابه. بعد ثلاثة أيام من الحريق، يصل بيريندت إلى البندقية، ليصبح بمثابة محقق يستكشف طبيعة الحياة في هذه المدينة الفريدة، ويسعى للكشف عن تفاصيل الحريق الغامضة.
شخصيات ملونة ومعقدة
تتضمن رحلة بيريندت في البندقية عرضاً لعدد من الشخصيات المتنوعة التي تساهم في تعميق فهم القارئ للمدينة وأسرارها. من بين الشخصيات التي يلتقي بها بيريندت، هناك شاعر بارز من البندقية كانت وفاته المريبة تدفع أصدقاءه للبحث عن مشتبه بهم في جريمة قتل محتملة. كذلك، يظهر في الكتاب عائلة أمريكية نبيلة فقدت قصرها العائلي بعد أربعة أجيال من ملكيته، بالإضافة إلى مجموعة من الأمريكيين الراقين الذين يتناولون في تجمعاتهم الحية القضايا المرتبطة بالحفاظ على الفن والمعمار في البندقية، بينما يتنازعون علنياً حول نواياهم ومصالحهم.
كما يستعرض الكتاب حياة رسام سريالي معاصر وشخصيات أخرى مثل صانع الزجاج البندقي، ومجموعة من الأفراد الغريبين مثل “رجل النبات” و”رجل الجرذان”، إلى جانب المعتقدات المثيرة للدهشة التي تؤمن بوجود كائنات فضائية.
كتاب يشبه اللوحة الفنية
يقدم مدينة الملائكة الساقطة تجربة قراءة غنية تدمج بين التحقيق الصحفي والسرد الأدبي. بأسلوبه المميز، يتمكن بيريندت من تسليط الضوء على العناصر المميزة للبندقية وجعلها حية في أذهان قرائه، مما يعكس قدرته الفائقة على نقل سحر وغموض المدينة إلى القارئ. في الوقت نفسه، يقدم الكتاب نقداً اجتماعيًا وثقافيًا من خلال تقديم نظرة عميقة إلى مشاكل المدينة وتحدياتها الحالية، ما يجعله عملاً أدبيًا متكاملاً يبرز معالم وجماليات مدينة تعتبر واحدة من أكثر الأماكن سحراً في العالم.
النشر والنجاح
نُشر الكتاب في سبتمبر 2005 عن دار النشر “ذا بنغوين بريس”، وهو يستفيد من شهرة بيريندت السابقة بفضل كتابه الأول منتصف الليل في حديقة الخير والشر. هذا النجاح يسلط الضوء على قدرة بيريندت على تصوير وتعريف القارئ بجوانب مختلفة وغير متوقعة لمدن العالم، مستفيدا من أسلوبه الفريد الذي يمزج بين الواقعية الأدبية والتحقيق الصحفي.
في الختام، يعتبر مدينة الملائكة الساقطة كتاباً يستحق القراءة، خاصة لأولئك الذين يستهويهم استكشاف أعماق المدن التاريخية من خلال عدسة أدبية متميزة. يقدم هذا العمل فرصة لفهم أعمق لتاريخ وثقافة البندقية، ويعكس مهارة بيريندت في الكشف عن أسرار ومفاجآت في مدينة استثنائية.