مخلل الكَبَر: الفوائد، التحضير، والاستخدامات
يُعد مخلل الكَبَر (أو الكبار، أو القَبّار كما يُطلق عليه في بعض المناطق العربية) من الأطعمة التراثية الغنية بالنكهات والفوائد الغذائية، وله مكانة فريدة في العديد من المطابخ حول العالم، خاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط. هذا النبات البري الذي ينمو في البيئات القاحلة والصخرية، وتحديدًا في المناطق الساحلية، يُعرف بطعمه الحامض والمُر قليلاً، ويُستخدم إما كمقبلات أو كمكوّن أساسي في كثير من الوصفات التقليدية.
ينتمي الكبر إلى فصيلة Capparaceae، واسمه العلمي هو Capparis spinosa. يُستخدم في التحضير عادة البراعم الزهرية غير المفتوحة أو الثمار الصغيرة بعد قطفها وتجفيفها أو تخليلها، وغالبًا ما يُضاف إلى الأطعمة البحرية، أطباق اللحوم، الصلصات، والمعكرونة، ليمنح نكهة لاذعة مميزة تشبه قليلاً نكهة الزيتون أو الخردل.
أولاً: النبات ومناطق انتشاره
ينمو نبات الكبر بشكل طبيعي في الدول المطلة على البحر المتوسط، خاصة في بلاد الشام، المغرب، تونس، الجزائر، ومصر، إضافة إلى تركيا واليونان وإيطاليا وإسبانيا. يُعرف النبات بتحمّله الشديد للجفاف، إذ يستطيع النمو على جوانب الطرق والصخور وحتى في الشقوق الجافة في الجدران القديمة.
أوراقه خضراء دائرية، أزهاره بيضاء مائلة إلى البنفسجي، وجذوره عميقة تصل إلى المياه الجوفية، مما يجعله من النباتات المتكيفة مع المناخ الصحراوي. يستعمل السكان المحليون أجزاء مختلفة من النبات في أغراض متعددة، مثل القشور والجذور والبراعم.
ثانياً: مكونات مخلل الكبر الغذائية
يتميّز مخلل الكبر بتركيبة غذائية غنية، رغم صغر حجمه، مما يجعله من الأطعمة الوظيفية ذات القيمة العالية. يوضح الجدول التالي أبرز العناصر الغذائية الموجودة في 100 غرام من مخلل الكبر:
| العنصر الغذائي | الكمية (في 100 غرام) |
|---|---|
| السعرات الحرارية | 23 سعرة حرارية |
| الكربوهيدرات | 4.9 غرام |
| البروتينات | 2.4 غرام |
| الدهون | 0.9 غرام |
| الألياف الغذائية | 3.2 غرام |
| الصوديوم | 2954 ملغ |
| فيتامين K | 24.6 ميكروغرام |
| الحديد | 1.7 ملغ |
| الكالسيوم | 40 ملغ |
| المغنيسيوم | 33 ملغ |
هذه التركيبة تجعل من الكبر خيارًا غذائيًا ممتازًا لمرضى القلب (مع الحذر من نسبة الصوديوم)، ولمحبي الطعام منخفض السعرات وغني بالألياف.
ثالثاً: طريقة تحضير مخلل الكبر
رغم بساطة المكونات، إلا أن تحضير مخلل الكبر يتطلب خطوات دقيقة، خاصة أن النبات يحتوي على مركبات مرة وسامة إذا لم تتم معالجتها بطريقة صحيحة، مثل الجلوكوزينولات.
الخطوة 1: قطف البراعم
تُقطف البراعم غير المفتوحة من نبتة الكبر في الصباح الباكر قبل تفتح الأزهار. يفضل أن تكون صغيرة الحجم لضمان طراوتها.
الخطوة 2: النقع والتخمير الأولي
توضع البراعم في ماء بارد مملح بنسبة 10%، وتُغيَّر المياه يوميًا لمدة أسبوعين، حتى يتم التخلص من المواد المرة.
الخطوة 3: التجفيف أو النقع في الخل
بعد عملية النقع، يمكن تجفيف الكبر في الشمس لعدة ساعات، أو يُغمر مباشرة في خل النبيذ أو خل التفاح المخفف بالماء، وتضاف له التوابل مثل أوراق الغار، الفلفل الأسود، الثوم، وأحيانًا حب الهال.
الخطوة 4: التخزين
يوضع المخلل في برطمانات زجاجية محكمة الإغلاق، ويُخزن في مكان بارد لمدة تتراوح من أسبوعين إلى شهر قبل الاستهلاك، وكلما طالت مدة التخمير، كلما نضجت النكهة وازدادت حموضتها.
رابعاً: الاستخدامات في الطهي
يُعتبر مخلل الكبر من المنكهات القوية التي يجب استعمالها بكميات صغيرة لتفادي طغيان النكهة. ومن أبرز استخداماته في الطهي:
-
في الصلصات: يدخل في صلصة التارتار، صلصة البيكّاتا، أو صلصة البوتانيسكا الإيطالية.
-
مع اللحوم والأسماك: يُقدّم مع شرائح السلمون المدخن أو مع شرائح الستيك، ويضيف لمسة لاذعة تُعزز نكهة البروتين.
-
في السلطات: يُضاف إلى السلطات المتوسطية، خاصةً تلك التي تحتوي على الطماطم، الزيتون، الجبن الأبيض، أو الأنشوجة.
-
في المعجنات والبيتزا: يُستخدم كمكوّن على سطح البيتزا الإيطالية أو داخل الفطائر المالحة.
خامساً: الفوائد الصحية لمخلل الكبر
يحتوي الكبر على مجموعة من المركبات النشطة بيولوجياً التي تعزز الصحة العامة وتقي من بعض الأمراض، منها:
-
مضادات الأكسدة
يحتوي على مركبات الروتين والكويرسيتين، وهي من أقوى مضادات الأكسدة الطبيعية التي تحارب الجذور الحرة وتُقلل من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب. -
مضاد للالتهاب
تمتاز مركبات الكبر بخصائصها المضادة للالتهابات، وقد أظهرت بعض الدراسات أنه يساعد في التخفيف من التهابات المفاصل وبعض الحالات الجلدية. -
تحسين الهضم
بفضل محتواه العالي من الألياف، يساهم الكبر في تحسين حركة الأمعاء وتعزيز صحة الجهاز الهضمي. -
خفض الكوليسترول
بعض الأبحاث الأولية تشير إلى أن تناول الكبر بانتظام يمكن أن يُساعد على خفض مستويات الكوليسترول الضار في الدم. -
تنشيط الكبد
في الطب الشعبي، يُستخدم الكبر لتحفيز وظائف الكبد والمساعدة في إزالة السموم، خاصة عند استعماله كمغلي أو مستخلص عشبي.
سادساً: التحذيرات والتوصيات
رغم فوائده، إلا أن الكبر يحتوي على نسب عالية من الصوديوم، مما يجعله غير مناسب للأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، أو الذين يتبعون حمية قليلة الملح. كما أن استهلاك الكبر النيء دون نقع أو تخليل قد يُسبب التسمم نتيجة مركبات الكبريت النشطة فيه.
-
يجب غسل الكبر المخَلل قبل استخدامه لإزالة فائض الملح أو الخل.
-
لا يُنصح باستخدامه بكميات كبيرة يومياً.
-
لا يُعطى للأطفال دون 5 سنوات بسبب طعمه القوي وخصائصه المُهيجة للمعدة.
سابعاً: الكبر في الطب الشعبي والثقافة
في الطب التقليدي، استخدم الكبر منذ العصور القديمة في بلاد الشام والمغرب العربي لعلاج أمراض الروماتيزم والكبد والجلد. وكان يُستخلص منه زيوت تُدهن بها المفاصل الملتهبة، أو يُشرب مغليه كمُدر للبول ومُساعد للهضم.
في الثقافة الشعبية، يُقال إن نبات الكبر يرمز للقدرة على البقاء، والمرونة، والصبر في مواجهة تقلبات الطبيعة، لأنه ينمو في ظروف قاسية ويُعطي ثمراً نادراً، لكنه ذا قيمة عالية.
ثامناً: أنواع الكبر في الأسواق
يتوفر الكبر في الأسواق بعدة أحجام وأشكال، وتختلف جودته بحسب حجم البراعم وطريقة التخليل. التصنيفات الأوروبية تعتمد على حجم البراعم:
-
Nonpareilles: أصغر حجم وأغلى ثمناً (قطر أقل من 7 مم).
-
Surfines: حجم متوسط (7-8 مم).
-
Capotes: أكبر قليلاً (8-9 مم).
-
Fines وGrusas: الأحجام الكبيرة وتُستخدم غالباً في الصناعات أو التقطيع.
كلما صغر حجم البرعم، كانت نكهته أقوى ونسيجه أكثر طراوة.
تاسعاً: تخزين وحفظ مخلل الكبر
لحفظ الكبر لأطول فترة ممكنة دون أن يفقد نكهته أو يتعرض للفساد، يُفضل اتباع الإرشادات التالية:
-
يُخزن في الثلاجة بعد الفتح.
-
يجب التأكد من غمر البراعم بالكامل في المحلول التخليلي.
-
يجب استخدام ملعقة نظيفة وجافة عند أخذ الكمية المطلوبة لتفادي تلوث البرطمان.
-
يُفضل استهلاكه خلال 6 أشهر من تاريخ الفتح للحصول على أفضل طعم.
عاشراً: الخلاصة
مخلل الكبر هو أكثر من مجرد مُكوّن مالح يُضاف إلى الأطعمة، بل هو نبات ذو جذور ثقافية وعلاجية، ومصدر غني بمضادات الأكسدة والنكهات المميزة. استخدامه المعتدل في الطهي لا يمنح فقط نكهة غنية للأطباق، بل يقدم قيمة غذائية عالية مع فوائد صحية مثبتة. بفضل خصائصه المرنة وتنوع استخداماته، يحتل الكبر مكانة خاصة في المطبخ والصحة على حد سواء.
المراجع:
-
Capparis Spinosa: Ethnopharmacology and Medical Applications – Journal of Ethnopharmacology, 2020.
-
USDA National Nutrient Database for Standard Reference.

