مخترع الإنترنت والويب: الحقيقة

من هو مخترع الإنترنت؟ وهل حقاً تيم بيرنرز لي هو من اخترعه؟

يُعد الإنترنت من أعظم الابتكارات التكنولوجية في العصر الحديث، فهو يشكل الجزء الأساسي في حياتنا اليومية، سواء على مستوى العمل أو التعليم أو الترفيه أو التواصل الاجتماعي. منذ لحظة ولادته وحتى يومنا هذا، شهد الإنترنت تطورات هائلة جعلته أكثر تعقيدًا وفعالية. ومع ذلك، يبقى السؤال المحوري: من هو مخترع الإنترنت؟ وهل يمكن أن يُنسب الفضل بالكامل إلى شخص واحد مثل تيم بيرنرز لي، الذي يُعتبر غالبًا مُخترع “الويب”؟

تاريخ الإنترنت: من البداية إلى الثورة الرقمية

قبل أن نتناول من هو مخترع الإنترنت بشكل دقيق، لابد من فهم السياق التاريخي الذي نشأ فيه هذا الاختراع. في الواقع، لم يكن الإنترنت اختراعًا واحدًا يمكن أن يُنسب إلى شخص واحد، بل هو نتيجة مجموعة من الابتكارات التي تراكمت على مر السنوات من قبل العديد من العلماء والمهندسين.

الأصول الأولى للإنترنت تعود إلى الستينيات من القرن الماضي، حيث كانت البحوث في مجال الاتصال الشبكي للكمبيوتر تبدأ في الولايات المتحدة. ومن أبرز المراحل الأولية، مشروع ARPANET الذي بدأته وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة في وزارة الدفاع الأمريكية (DARPA) في عام 1969. كان الهدف من هذا المشروع هو إيجاد وسيلة تسمح للكمبيوترات المختلفة بالتواصل مع بعضها البعض عبر شبكة واحدة، سواءً كانت موجودة في نفس المكان أو منتشرة في أماكن متفرقة.

ARPANET: الانطلاقة الأولى للإنترنت

ARPANET هو أول نموذج عملي للشبكة التي ستصبح الإنترنت في وقت لاحق. كان الهدف من ARPANET هو الربط بين الجامعات والمؤسسات البحثية والعسكرية الأمريكية لتبادل المعلومات والبحوث العلمية. في البداية، كانت الشبكة تستخدم أسلوبًا بسيطًا يسمى “التوجيه المتعدد”، حيث كانت البيانات تُرسل عبر عدة مسارات بديلة لتحقيق أقصى درجات الأمان وعدم الانقطاع في حال حدوث أي خلل.

ولكن، لم يكن هذا المشروع عبارة عن “إنترنت” بالمعنى الذي نعرفه اليوم. كان ARPANET مجرد شبكة محدودة وظيفياً، ولا تتيح التفاعل الاجتماعي أو غيره من الاستخدامات اليومية التي نراها الآن.

تطور الشبكة وظهور فكرة الشبكة العالمية

في السبعينيات والثمانينيات، بدأ العلماء في تطوير العديد من الأساليب لتحسين عمل ARPANET وتوسيع نطاق الشبكات بين الجامعات والحكومات. من بين هذه الابتكارات كان البروتوكول الذي يسمح للأنظمة المختلفة بالتواصل مع بعضها البعض، وكان هذا البروتوكول يُعرف بـ TCP/IP، الذي أصبح فيما بعد الأساس الذي يقوم عليه الإنترنت الحالي.

في عام 1983، كان عامًا حاسمًا في تاريخ الإنترنت، حيث تم اعتماد بروتوكول TCP/IP كمعيار عالمي لشبكات الحاسوب، وهو ما جعلها قابلة للربط مع شبكات أخرى من أنواع مختلفة. في هذه الفترة، بدأ العالم يشهد البذرة الأولى لما يعرف الآن بشبكة الإنترنت العالمية.

تيم بيرنرز لي: الويب والعالم الجديد من المعلومات

هنا يظهر اسم تيم بيرنرز لي، الذي يُعتبر بشكل غير مباشر الأب الروحي لشبكة الإنترنت كما نعرفها اليوم، على الرغم من أنه لم يكن “مخترع الإنترنت” بمفهومه الواسع.

تيم بيرنرز لي، عالم الكمبيوتر البريطاني، هو الشخص الذي اخترع الويب في عام 1989، وهو مفهوم يُعد جزءًا أساسيًا من الإنترنت، لكنه لا يعني الإنترنت بكامل معناه. في عام 1989، كان بيرنرز لي يعمل في مختبر سيرن الأوروبي للأبحاث النووية في سويسرا، وهناك خطرت له فكرة إنشاء شبكة من الوثائق المرتبطة عبر الإنترنت، بحيث يمكن للمستخدمين من مختلف أنحاء العالم الوصول إلى المعلومات من خلال متصفح ويب.

في 6 أغسطس 1991، أعلن تيم بيرنرز لي عن “الويب” على مستوى العالم، وأطلق أول موقع ويب في التاريخ. وقد كان هذا الموقع عبارة عن مجموعة من المعلومات حول نظام الويب نفسه، بما في ذلك كيفية إنشاء صفحات الويب، وإرسال المعلومات عبر الإنترنت، وبروتوكولات التعامل مع المواقع الإلكترونية.

ما هو الويب؟ وما الفرق بينه وبين الإنترنت؟

الإنترنت والويب غالبًا ما يُستخدمان بشكل متبادل، ولكن هناك فرق كبير بين المصطلحين. الإنترنت هو البنية التحتية العالمية التي تربط الحواسيب والشبكات ببعضها البعض عبر بروتوكولات مثل TCP/IP. في حين أن الويب هو نظام يعتمد على الإنترنت ويوفر مجموعة من الخدمات مثل صفحات الويب، والتي يمكن الوصول إليها عبر المتصفحات.

بمعنى آخر، الإنترنت هو “الشبكة”، بينما الويب هو “خدمة” تعمل على هذه الشبكة. وعلى الرغم من أن الإنترنت كان موجودًا قبل الويب، فإن بيرنرز لي لعب دورًا كبيرًا في تطوير الطريقة التي نستخدم بها الإنترنت اليوم.

هل يمكن القول إن تيم بيرنرز لي هو مخترع الإنترنت؟

على الرغم من أن تيم بيرنرز لي لعب دورًا محوريًا في تطور الإنترنت عبر اختراعه للويب، فإنه ليس الشخص الوحيد المسؤول عن اختراع الإنترنت. كما ذكرنا، تاريخ الإنترنت هو نتيجة لإسهامات متعددة على مر العقود من العديد من الأشخاص في مختلف أنحاء العالم.

إذا كانت “اختراع الإنترنت” يعني إنشاء شبكة عالمية تتيح اتصالًا غير محدود بين الناس عبر حواسيبهم، فإن الإجابة ستكون أن الفضل في اختراع الإنترنت يعود إلى مجموعة من العلماء والمهندسين مثل بول باران و ديفيد بوفا و فيتنغ جيفري، الذين قاموا بتطوير الأسس النظرية والتكنولوجية للإنترنت، بما في ذلك مفهوم شبكات الحاسوب الموزعة والبروتوكولات.

أما إذا كان المقصود هو الويب، فإن تيم بيرنرز لي هو الشخص الذي اختار هذا المصطلح وأصبح مرادفًا للتقنية التي تتيح للناس الاتصال بنظام عالمي من المعلومات عبر الإنترنت.

التأثير الهائل للاختراع

بالرغم من أن اختراع الإنترنت كان نتاجًا لجهود متعددة، فإن استخدام شبكة الإنترنت قد أثر في جميع مناحي الحياة البشرية. فبفضل هذه الشبكة، أصبح بإمكان الأشخاص التواصل وتبادل المعلومات بسهولة تامة. مع مرور الوقت، ظهرت خدمات متنوعة على الإنترنت مثل البريد الإلكتروني، ومنصات التواصل الاجتماعي، والتجارة الإلكترونية، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية.

من ناحية أخرى، فإن الويب قد أحدث ثورة في كيفية الوصول إلى المعلومات. وقد لعب دورًا كبيرًا في تحول المعلومات من كونها شيئًا محصورًا في مكتبات أو مؤسسات معينة إلى كونها متاحة للجميع عبر الإنترنت.

الخلاصة

إن الإجابة على سؤال “من هو مخترع الإنترنت؟” ليست بسيطة أو مُباشرة، إذ أن الإنترنت هو نتيجة لعدة أبحاث وتطورات حدثت على مدى عقود من الزمن، وكل واحد من العلماء والمخترعين الذين عملوا على هذه المشاريع قدم جزءًا مهمًا من هذا الابتكار. أما فيما يتعلق بتيم بيرنرز لي، فيمكن القول أنه مخترع “الويب” وليس الإنترنت بشكل عام. ومع ذلك، فإن اختراعه يمثل واحدًا من أهم المعالم التي شكلت العالم الرقمي الذي نعيشه اليوم، وجعل الإنترنت ما هو عليه الآن، شبكة عالمية من المعلومات التي يمكن للجميع الوصول إليها بسهولة.