مخاطر الكهرباء على الإنسان

تُعد الكهرباء من أعظم الاكتشافات التي عرفتها البشرية، فقد غيّرت مجرى الحضارة وفتحت آفاقاً غير مسبوقة في شتى مجالات الحياة، من الصناعة إلى الاتصالات، ومن الطب إلى النقل. إلا أن هذه النعمة العظيمة لا تخلو من جوانب خطرة إذا لم يتم التعامل معها بحذر ووعي. فالكهرباء، رغم كونها طاقة غير مرئية، تحمل في طياتها قدرة هائلة على التدمير والإيذاء عند سوء الاستخدام أو الإهمال. إن فهم المخاطر المرتبطة بالكهرباء يُعد ضرورة قصوى في سبيل حماية الأرواح والممتلكات، سواء في المنزل أو في بيئات العمل أو في الأماكن العامة.

في هذا المقال المطوّل والشامل، سنتناول بالتفصيل أبرز مخاطر الكهرباء على الإنسان والمحيط، من الصعق الكهربائي والحرائق إلى الأضرار العصبية والحروق، مع عرض للأنواع المختلفة للحوادث الكهربائية، وبيان العوامل المؤدية إليها، والإجراءات الوقائية التي تحد منها.

الصعق الكهربائي: الخطر الأكثر فتكًا

الصعق الكهربائي يحدث عند مرور تيار كهربائي عبر جسم الإنسان، وقد يؤدي إلى نتائج مميتة في غضون ثوانٍ معدودة. تختلف شدة الصدمة الكهربائية حسب قوة التيار ومدة التعرض له، ومسار التيار داخل الجسم، فمثلاً إذا مر التيار من اليد إلى القلب فإنه يشكل تهديدًا مباشرًا للحياة.

درجات الصعق الكهربائي:

الصعق الكهربائي هو السبب الرئيسي للوفاة المرتبطة بالكهرباء، خاصة في البيئات الصناعية والمنازل التي لا تتوفر فيها وسائل الحماية الحديثة.

الحروق الكهربائية: تلف عميق للأنسجة

الحروق الكهربائية تحدث نتيجة الحرارة العالية التي يولدها مرور التيار الكهربائي عبر الأنسجة. وتختلف عن الحروق الناتجة عن اللهب في كونها قد تسبب تلفًا عميقًا للأنسجة الداخلية حتى لو كانت الأضرار الخارجية محدودة.

أنواع الحروق الكهربائية:

• حروق دخول وخروج التيار: تظهر في موضعي دخول وخروج التيار من الجسم وغالباً ما تكون مؤلمة جداً.

• الحروق العميقة: قد تدمر العضلات والعظام تحت الجلد حتى مع عدم وجود أثر سطحي واضح.

• حروق القوس الكهربائي (Arc burns): تحدث عندما يقفز التيار عبر الهواء مسببًا انفجارًا حراريًا.

هذه الحروق غالباً ما تحتاج إلى تدخل جراحي وعناية طبية فائقة، خاصة إذا أثرت على وظائف الأعضاء الحيوية.

الحرائق الكهربائية: دمار صامت

تُعد الكهرباء من أكثر الأسباب شيوعاً لاندلاع الحرائق في المنازل والمنشآت الصناعية. ويحدث ذلك نتيجة التحميل الزائد على الأسلاك، أو التوصيلات الرديئة، أو قِدم العزل الكهربائي، أو استخدام أجهزة كهربائية معطوبة.

أبرز أسباب الحرائق الكهربائية:

• التوصيلات العشوائية وغير المطابقة للمواصفات.

• الإفراط في استخدام المشترك الكهربائي.

• الأجهزة الرديئة أو المهترئة.

• الأسلاك المكشوفة أو المتآكلة.

قد تبدأ النار من مكان غير ظاهر، مثل داخل الجدران، ما يصعب اكتشافها مبكرًا، وهو ما يجعل الخطر مضاعفًا.

الأضرار العصبية والعضلية

عند تعرض الإنسان لتيار كهربائي، يتفاعل الجهاز العصبي بشكل عنيف، إذ تتداخل الإشارات الكهربائية للعضلات والأعصاب مع التيار الخارجي، مما يؤدي إلى:

• تشنجات عضلية حادة.

• شلل مؤقت أو دائم.

• اضطراب في نبضات القلب.

• فقدان الوعي أو الغيبوبة.

هذه الأضرار قد لا تظهر فورًا بل تتفاقم مع مرور الوقت، ما يتطلب متابعة طبية طويلة المدى.

المخاطر على الأطفال

الأطفال هم الأكثر عرضة لحوادث الكهرباء في المنزل بسبب فضولهم الطبيعي وعدم إدراكهم للخطر. ومن أبرز الحوادث:

• إدخال الأجسام المعدنية في المقابس.

• اللعب بالأسلاك والأجهزة.

• سحب الأجهزة من الأسلاك مباشرة.

للوقاية، يجب استخدام واقيات المقابس، والتأكد من تغطية الأسلاك وعدم ترك الأجهزة متصلة عند عدم استخدامها.

الكهرباء والمياه: مزيج قاتل

من المعروف أن الماء موصل ممتاز للكهرباء، ما يجعل الجمع بينهما خطرًا قاتلًا. ويكثر هذا النوع من المخاطر في:

• الحمامات.

• المطابخ.

• أماكن الغسيل.

وجود رطوبة أو مياه بالقرب من الأجهزة الكهربائية قد يؤدي إلى صعق مميت. لذلك يُمنع منعًا باتًا تشغيل الأجهزة بيد مبللة أو استخدامها بجانب الماء.

الأخطاء البشرية وسوء الاستخدام

الكثير من حوادث الكهرباء ناتجة عن الإهمال البشري أو استخدام الأجهزة بطريقة غير صحيحة، ومن أبرز هذه الأخطاء:

• محاولة إصلاح أعطال كهربائية دون خبرة.

• عدم إيقاف التيار قبل الصيانة.

• تجاهل علامات الخطر مثل الشرر أو رائحة الاحتراق.

• استخدام الأجهزة رغم وجود تلف ظاهر.

الوعي والحرص هما السلاحان الأهمان لتجنب مثل هذه الحوادث.

التأثيرات طويلة الأمد على الجسم

حتى إذا نجا الشخص من الحادث الكهربائي، قد يعاني لاحقًا من مضاعفات صحية مثل:

• تلف الأعصاب الطرفية.

• مشاكل في الذاكرة والتركيز.

• اضطرابات نفسية مثل القلق أو الاكتئاب الناتج عن الصدمة.

• خلل في الجهاز التنفسي أو الهضمي.

كل هذه المضاعفات تؤكد أن الضرر الكهربائي لا ينتهي بخروج الشخص من المستشفى.

السلامة الكهربائية في بيئة العمل

في بيئات العمل، خصوصًا المصانع وورشات البناء، تزداد خطورة الكهرباء نتيجة استخدام آلات ضخمة وجهد كهربائي عالٍ. ومن أبرز تدابير السلامة:

• تدريب العاملين بشكل دوري على التعامل مع الكهرباء.

• ارتداء معدات الحماية الشخصية مثل القفازات والعوازل.

• الصيانة الدورية للأجهزة والأسلاك.

• تثبيت لوحات تحذيرية واضحة.

تلتزم معظم القوانين الدولية بإجراءات صارمة لضمان السلامة الكهربائية في مواقع العمل، لكن تطبيق هذه القوانين هو ما يصنع الفارق الحقيقي.

التقنيات الحديثة للوقاية من الحوادث الكهربائية

شهدت العقود الأخيرة تطوراً في تقنيات الحماية الكهربائية، ومنها:

• قواطع الدائرة (Circuit Breakers): تفصل التيار تلقائيًا عند حدوث قصر أو تسرب.

• أنظمة التأريض الفعالة.

• الأجهزة ذات العزل المزدوج.

• كواشف تسرب التيار الأرضي (RCD): تراقب التيار وتفصله عند وجود خلل.

استخدام هذه التقنيات في المنازل والمؤسسات يقلل بشكل كبير من الحوادث المحتملة.

المبادئ الأساسية للتعامل الآمن مع الكهرباء

لتقليل المخاطر، من الضروري الالتزام ببعض القواعد الذهبية:

• لا تلمس أي جهاز كهربائي بيد مبللة.

• افصل الكهرباء قبل أي عملية صيانة.

• تجنب استخدام الأجهزة المتضررة أو المكشوفة.

• احتفظ بالأجهزة بعيداً عن متناول الأطفال.

• قم بفحص التوصيلات الكهربائية بشكل دوري.

• لا تُحمل المقابس فوق طاقتها.

مصادر ومراجع:

1. منظمة الصحة العالمية (WHO) – تقارير السلامة الكهربائية.

2. المعهد الوطني للسلامة والصحة المهنية (NIOSH).

3. الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة.

4. دليل السلامة الكهربائية – وزارة الطاقة الأمريكية.

5. أبحاث علمية منشورة في مجلة IEEE Transactions on Industry Applications.

6. دليل السلامة المنزلية – جمعية الهلال الأحمر.

تشكل الكهرباء أحد أركان الحياة العصرية، لكنها في الوقت نفسه من أخطر مصادر الطاقة إن أُسيء استخدامها. إن إدراك المخاطر الكامنة، واعتماد السلوكيات الوقائية، واستخدام التقنيات الحديثة، جميعها تمثل خط الدفاع الأول لحماية الإنسان من الكوارث التي قد تنتج عن هذه القوة الصامتة.