الشبكات الاجتماعية تشكل خطراً على الأطفال

في العصر الرقمي الذي نعيشه، أصبحت الشبكات الاجتماعية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، ليس فقط للبالغين، بل أيضًا للأطفال والمراهقين. وقد أحدثت هذه الشبكات ثورة في طرق التواصل ونقل المعرفة والمعلومات، وساهمت في تقليص المسافات الجغرافية والثقافية، إلا أن هذا الانفتاح الكبير على العالم الرقمي لا يخلو من التحديات والمخاطر، خصوصًا على الفئات العمرية الصغيرة التي لم تتكوّن بعد لديها المناعة النفسية والاجتماعية الكافية لمواجهة سلبيات هذا العالم الافتراضي.

تعتبر الشبكات الاجتماعية مثل “فيسبوك”، “إنستغرام”، “تيك توك”، و”سناب شات” بيئات محفوفة بالمخاطر بالنسبة للأطفال، حيث تنشط فيها أنماط متعددة من التهديدات، تبدأ من التنمر الإلكتروني ولا تنتهي عند الاستغلال الجنسي أو التعرض للمحتوى العنيف وغير المناسب. هذا المقال الموسع يسعى إلى تقديم رؤية شاملة حول طبيعة هذه المخاطر، وأسباب تفاقمها، والآثار النفسية والاجتماعية والصحية التي تتركها على الأطفال، بالإضافة إلى مناقشة بعض السبل الوقائية الممكنة للحد منها.

أولاً: خصائص الأطفال وسهولة استدراجهم عبر الشبكات

الأطفال بطبيعتهم كائنات فضولية، مدفوعة بالرغبة في الاكتشاف والتجربة دون امتلاكهم القدرات العقلية الكافية لتقييم الأخطار. إن غياب النضج الكافي في الفهم واتخاذ القرار يجعلهم عرضة للوقوع في شباك المحتالين والمستغلين على الشبكات الاجتماعية. إلى جانب ذلك، فإن الأطفال لا يتمتعون بالخبرة الكافية لتمييز المعلومات الحقيقية من المزيفة، ولا يدركون تمامًا طبيعة الخصوصية الرقمية، مما يجعلهم أكثر عرضة لمشاركة معلوماتهم الشخصية وصورهم وفيديوهاتهم دون وعي بعواقب ذلك.

ثانيًا: أشكال التهديدات التي تواجه الأطفال على الشبكات الاجتماعية

1. التنمر الإلكتروني (Cyberbullying)

يُعد التنمر الإلكتروني من أبرز المخاطر التي تهدد الأطفال عبر المنصات الاجتماعية، ويأخذ أشكالًا متعددة منها السخرية، الإهانة، التهديد، ونشر الشائعات، وقد يكون الفاعل زميلًا في المدرسة أو حتى شخصًا غريبًا. يؤدي هذا النوع من العنف الرقمي إلى تداعيات نفسية خطيرة على الطفل، مثل الاكتئاب، القلق، فقدان الثقة بالنفس، وفي بعض الحالات القصوى قد يدفع الطفل إلى التفكير في إيذاء نفسه أو الانتحار.

2. الاستغلال الجنسي والتحرش

يشكّل الاستغلال الجنسي من قبل البالغين عبر الإنترنت خطرًا فادحًا على الأطفال، حيث يلجأ بعض المجرمين إلى إنشاء هويات مزيفة والتقرب من الأطفال تدريجيًا للحصول على صور أو مقاطع فيديو غير لائقة أو ترتيب لقاءات شخصية. وغالبًا ما تبدأ هذه الحالات بما يسمى بـ”الاستمالة الإلكترونية” (Grooming) وهي عملية منهجية تهدف إلى كسب ثقة الطفل قبل استغلاله.

3. التعرض لمحتوى غير ملائم

تتضمن الشبكات الاجتماعية كميات هائلة من المحتويات المفتوحة التي يمكن الوصول إليها بسهولة، بعضها يحتوي على مشاهد عنف، إيحاءات جنسية، ألفاظ بذيئة، أو دعوات لسلوكيات خطرة كتعاطي المخدرات أو إيذاء النفس. غالبًا ما يستهلك الأطفال هذه المواد دون رقابة أو وعي، مما يؤثر على تشكيل شخصيتهم وسلوكهم ويؤدي إلى اضطرابات في القيم والأخلاق.

4. إدمان وسائل التواصل الاجتماعي

يرتبط الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي بظهور علامات إدمان لدى الأطفال، تشمل الانعزال الاجتماعي، تراجع الأداء المدرسي، اضطرابات النوم، ضعف التركيز، وقلة النشاط البدني. وقد تبين من خلال الدراسات أن الأطفال الذين يقضون أكثر من 3 ساعات يوميًا على هذه المنصات يكونون أكثر عرضة للإصابة بمشكلات نفسية مقارنةً بغيرهم.

5. انتهاك الخصوصية

كثيرًا ما يشارك الأطفال صورهم الشخصية ومواقعهم الجغرافية وتفاصيل حياتهم اليومية على الشبكات الاجتماعية دون إدراك للمخاطر المترتبة على ذلك. هذه المعلومات قد تُستخدم من قبل أطراف خبيثة في التهديد أو الابتزاز أو حتى التعقب الجسدي، كما يمكن أن تبقى هذه المعلومات متاحة للأبد على الإنترنت، مما يؤثر على مستقبلهم المهني والاجتماعي.

ثالثًا: العوامل المساعدة على تفاقم خطر الشبكات الاجتماعية على الأطفال

1. غياب الرقابة الأبوية

يُعد غياب الإشراف الأسري واحدًا من أهم الأسباب التي تسهم في تعريض الأطفال لمخاطر الشبكات الاجتماعية. فالعديد من الآباء والأمهات يجهلون طريقة عمل هذه المنصات أو يتركون أبناءهم يستخدمونها بحرية دون توجيه أو متابعة.

2. التقدم التكنولوجي السريع

التطور المتسارع في تطبيقات التواصل الاجتماعي يجعل من الصعب على المؤسسات التعليمية والأسر مواكبة التغيرات المتكررة، مما يخلق فجوة معرفية تُستغل من قبل الجهات الخبيثة.

3. النقص في التربية الرقمية

قلة التوعية بأخلاقيات استخدام الإنترنت ومهارات الحماية الذاتية من قبل المدارس والمؤسسات التربوية تترك الأطفال عُرضة للتأثر السلبي بما يرونه ويقرؤونه على الشبكات.

رابعًا: الآثار النفسية والاجتماعية والصحية على الأطفال

تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الاستخدام المكثف وغير المنضبط للشبكات الاجتماعية له تأثيرات متشابكة وعميقة على الطفل، تشمل:

• القلق والاكتئاب نتيجة التعرض المستمر للمقارنات الاجتماعية والصور المثالية الزائفة التي تروج لها المنصات.

• ضعف العلاقات الاجتماعية الواقعية بسبب الانغماس في العالم الافتراضي.

• العزلة والانطواء، حيث يستبدل الطفل التواصل الوجهي بالتفاعل الرقمي.

• الانفعال الزائد ونوبات الغضب عند حرمانه من الوصول إلى حساباته الرقمية.

• التأثير على التحصيل الدراسي بسبب تشتت الانتباه وقلة النوم.

خامسًا: آثار قانونية وأخلاقية

يؤدي تواجد الأطفال غير المنضبط على الشبكات الاجتماعية إلى مشكلات قانونية وأخلاقية خطيرة، منها:

• نشر معلومات كاذبة أو مضللة قد تعرض الطفل للمساءلة القانونية أو تسهم في نشر الشائعات.

• استخدام الصور لأغراض دعائية أو مسيئة دون إذن من الطفل أو ذويه.

• مشاركة مواد غير قانونية من خلال الجهل أو تحت تأثير الغير، وهو ما قد يعرّض الطفل وأسرته للملاحقة القضائية.

سادسًا: دور الأسرة والمدرسة في الوقاية

يمكن الحد من مخاطر الشبكات الاجتماعية على الأطفال من خلال مجموعة من التدابير الوقائية التي تتكامل فيها جهود الأسرة والمدرسة والمجتمع:

سابعًا: التقنيات الحديثة في الحماية

ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من الوسائل التكنولوجية التي تساعد على حماية الأطفال من أخطار الإنترنت، نذكر منها:

• الرقابة الأبوية الذكية عبر تطبيقات مثل Google Family Link وNet Nanny وQustodio، والتي تتيح للأهل مراقبة الوقت الذي يقضيه الطفل على التطبيقات ومحتوى التصفح.

• الخوارزميات الذكية التي تستخدمها بعض المنصات لاكتشاف المحتوى المسيء أو المشبوه وإزالته تلقائيًا.

• تقنيات التحقق من العمر قبل السماح بإنشاء حسابات على المنصات الاجتماعية، رغم أن فعاليتها تبقى محدودة بسبب سهولة التلاعب بها.

ثامنًا: التشريعات والاتفاقيات الدولية لحماية الطفل على الإنترنت

تبنت العديد من الهيئات الدولية مبادرات لحماية الأطفال في الفضاء الرقمي، أبرزها:

• اتفاقية حقوق الطفل التي تؤكد على حق الطفل في الحماية من جميع أشكال العنف والاستغلال، بما في ذلك عبر الإنترنت.

• مبادرة Child Online Protection التي أطلقتها “الاتحاد الدولي للاتصالات” وتُعنى بوضع أطر توجيهية لحماية الأطفال في البيئة الرقمية.

• قانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت (COPPA) في الولايات المتحدة، الذي يلزم المنصات بعدم جمع معلومات شخصية من الأطفال دون موافقة الوالدين.

تاسعًا: توصيات ختامية للحد من الظاهرة

رغم أن إنهاء المخاطر بشكل كامل غير ممكن نظرًا لطبيعة الفضاء الرقمي المفتوح، إلا أن تقليلها بدرجة كبيرة ممكن من خلال:

• تعزيز الوعي لدى الأهل والأطفال.

• تحسين التربية الإعلامية في المدارس.

• تطوير تشريعات تواكب التطور التكنولوجي.

• الضغط على شركات التكنولوجيا لتحسين أنظمة الحماية الرقمية.

• دعم الأبحاث المتخصصة في فهم تأثير الشبكات على الطفل.

المراجع:

1. UNICEF. (2022). Child Online Safety and Protection. Retrieved from https://www.unicef.org

2. Livingstone, S., & Smith, P. K. (2014). Annual Research Review: Harms experienced by child users of online and mobile technologies: the nature, prevalence and management of sexual and aggressive risks in the digital age. Journal of Child Psychology and Psychiatry, 55(6), 635–654.