محمود الحسنات الخطيب الفلسطيني

محمود الحسنات: الداعية الفلسطيني والخطيب المؤثر في وجدان الأمة

يُعد الشيخ محمود الحسنات من أبرز الدعاة والخطباء الفلسطينيين الذين استطاعوا أن يتركوا بصمة قوية في ساحة الوعظ والدعوة الإسلامية خلال العقود الأخيرة، ليس فقط في فلسطين بل في سائر البلدان العربية والإسلامية. وقد تميز بأسلوبه المؤثر وخطبه المدوية التي تجمع بين حرارة الإيمان وصدق الانتماء لقضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مما جعله يحظى بمتابعة جماهيرية واسعة على مختلف المنصات الدعوية والإعلامية.

يمتاز الشيخ محمود الحسنات بخطابه الصادق النابع من قلب الواقع الفلسطيني المرير، حيث استطاع أن يجمع بين مآسي الواقع وأمل الرسالة، بين النكبات المتكررة والتبشير بنصر قادم. ولأن الدعوة الإسلامية في فلسطين هي جزء لا يتجزأ من معركة الصمود والثبات على الهوية والدين، فقد كان لهذا الخطيب دور بارز في التعبئة الإيمانية والروحية لأبناء شعبه، خاصة في قطاع غزة الذي شهد حضوراً مكثفاً له قبل أن يغادره قسراً في ظروف قهرية.

النشأة والبدايات

ولد الشيخ محمود الحسنات في قطاع غزة، وترعرع في أحضان بيئة مكلومة بالصراع والاحتلال والحرمان، لكنّها مشبعة بالإيمان والعقيدة والتمسك بالهوية الإسلامية. وقد نشأ في بيت يقدّر العلم الشرعي ويعلي من مكانة القرآن الكريم، ما كان له بالغ الأثر في تشكيل وعيه الديني والوطني في آن واحد. حفظ القرآن الكريم وهو شاب، وتتلمذ على أيدي مجموعة من علماء غزة المعروفين، وتميز منذ وقت مبكر ببلاغته، واهتمامه بالخطب والدروس والمواعظ.

كان لمساجد غزة أثر بالغ في صقل شخصيته، إذ بدأ دعوته من خلال المنابر، فتألق كخطيب مفوه، ولفت الأنظار إليه من خلال تناوله لقضايا الأمة بلغة عاطفية قوية، ممزوجة بالأدلة الشرعية والربط بواقع الأمة الإسلامية. وقد عرف عنه دفاعه المستميت عن الأقصى، وسخّر الكثير من خطبه لنصرة الشعب الفلسطيني، لا سيما في أحلك الظروف التي شهدتها غزة من عدوان وحصار وتجويع.

الخطابة: الأسلوب والمضامين

اتسمت خطب الشيخ محمود الحسنات بأسلوب حماسي جارف، يحرك القلوب ويستنهض الهمم، ويتسم بالوضوح والصدق، مع حضور بارز للغة القرآن والسنة، واستشهاد دقيق بالأحاديث النبوية وأقوال السلف الصالح. وهو خطيب يوظف اللغة بمهارة عالية، حيث تمتزج عباراته بحرارة الموقف وقوة الإقناع.

يتميّز أسلوبه بالجمع بين التحليل العميق للأوضاع السياسية والاجتماعية التي تمر بها الأمة، والجانب الروحي الإيماني الذي يستنهض العزائم ويحيي الأمل في النفوس، ما جعله محط إعجاب وتقدير شرائح واسعة من المسلمين، خاصة الشباب.

وقد تناول في خطبه موضوعات شتى، منها الجهاد والمقاومة، الثبات على المبادئ، أهمية الصلاة، منزلة الشهداء، فضل العمل الصالح، خطر التطبيع، نصرة المسجد الأقصى، فضلاً عن التركيز على الأوضاع الإنسانية الصعبة في قطاع غزة.

القضية الفلسطينية في خطاب الحسنات

احتلت القضية الفلسطينية مركز القلب في خطب ومواعظ الشيخ محمود الحسنات، حيث لم تكن خطاباته مجرد مواعظ دينية عامة، بل كانت دعوة للتحرير والتحرر. تميزت خطبه بتسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، وعلى دور المقاومة في رد العدوان، وعلى الصمود في وجه الحصار والدمار. وقد كان كثيراً ما يختم خطبه بالدعاء للمجاهدين والشهداء، والدعاء بالنصر والتمكين لفلسطين والأمة الإسلامية.

كما اعتبر الشيخ الحسنات أن المسجد الأقصى خط أحمر لا يجوز تجاوزه، وكان يحذر في كثير من المناسبات من مخططات التهويد والاقتحامات، ويربط بين الأوضاع الداخلية للأمة الإسلامية وبين ضعفها تجاه فلسطين.

التهجير والابتعاد عن غزة

في عام 2019، اضطر الشيخ محمود الحسنات إلى مغادرة قطاع غزة في ظروف استثنائية، بعدما تعرّض لضغوط أمنية من قبل سلطات الأمر الواقع هناك، التي لم تتحمل صراحته وجرأته في طرح القضايا الاجتماعية والدعوية والسياسية. وقد غادر إلى تركيا ومنها واصل نشاطه الدعوي من خلال المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي.

لم يؤدِّ ابتعاده عن أرض غزة إلى انقطاعه عن هموم شعبه، بل زادته عزيمة، واستمر في مخاطبة الناس من منابر جديدة، واستطاع أن يصل إلى جماهير أوسع، فانتشرت مقاطع خطبه المصورة على نطاق واسع، وخاصة عبر منصة “يوتيوب” و”فيسبوك”، وبلغ عدد متابعيه الملايين من مختلف البلدان العربية والإسلامية.

تأثيره الرقمي ومنصاته الإعلامية

نجح الشيخ محمود الحسنات في استخدام وسائل الإعلام الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي كوسيلة دعوية فاعلة، إذ تحوّلت مقاطع خطبه إلى محتوى مؤثر يتداوله الشباب باهتمام كبير. كما أطلق برامج دعوية عبر “يوتيوب”، تتناول قضايا العقيدة والتربية الإيمانية والدفاع عن المسجد الأقصى.

وقد أسهم الحسنات في تعزيز الوعي الديني والسياسي لدى فئة كبيرة من الشباب، خاصة في ظل طغيان خطاب الترفيه والإلهاء الذي تغلب على المحتوى الإعلامي العربي في السنوات الأخيرة. وقد كان له الفضل في تعميق الفهم الصحيح للدين لدى كثير من المتابعين، من خلال ربطهم بالقرآن والسنة، وتقديم المواقف السياسية والاجتماعية من زاوية إيمانية عميقة.

المضايقات والتحديات

لم تكن مسيرة الشيخ الحسنات خالية من التحديات، بل كانت مليئة بالمضايقات والتهديدات التي واجهها في غزة وخارجها، بسبب جرأته في قول الحق وانتقاده للفساد والظلم، ورفضه الانصياع للمحاور الرسمية أو الخطابات المنمطة. وقد أدى ذلك إلى منعه من الخطابة في بعض المراحل، وملاحقته أمنياً، وصولاً إلى نفيه الفعلي من غزة.

إلا أن هذه التحديات لم تضعف من عزيمته، بل زادته صلابة، وأكسبته احتراماً جماهيرياً واسعاً في فلسطين وخارجها، باعتباره من الأصوات القليلة التي بقيت على العهد في زمن التلون والانقسام.

مكانته بين علماء الأمة

يحظى الشيخ محمود الحسنات باحترام بين صفوف العلماء والدعاة، لا سيما أولئك المنتمين إلى خط الصحوة الإسلامية، الذين رأوا فيه نموذجاً للداعية الصادق المرتبط بقضايا أمته. كما شارك في عدة مؤتمرات إسلامية وندوات فكرية في تركيا وعدد من الدول، وظهر في برامج تلفزيونية دينية استقطبت اهتمام المشاهدين، وأثبت فيها عمق فهمه وثراء معارفه.

محاور دعوته وأبرز مؤلفاته

يرتكز خطاب الشيخ محمود الحسنات على عدة محاور رئيسية تشمل:

• العقيدة الإسلامية: تعزيز الإيمان بالله واليقين في وعده.

• الدعوة إلى الجهاد والمقاومة: باعتبارها وسيلة لتحرير الأرض وصون الكرامة.

• الإصلاح الاجتماعي: الدعوة إلى نقاء السلوك الفردي والأسري، ونبذ الظلم والفساد.

• التمسك بالقيم الأخلاقية والشرعية: والابتعاد عن الفتن والمظاهر الاستهلاكية السلبية.

ورغم تركيزه الأساسي على الخطابة، إلا أنه بدأ في السنوات الأخيرة بالتوجه نحو التأليف وإعداد برامج دعوية مدروسة، من المتوقع أن ترى النور قريباً في شكل كتب ومناهج تربوية.

جدول يلخص أبرز محطات الشيخ محمود الحسنات:

خاتمة

يمثل الشيخ محمود الحسنات نموذجاً للداعية المخلص في زمن كثرت فيه الشعارات وقلّ فيه الثبات. لقد شكّل بصوته ووقفته وجرأته ضميراً حياً للأمة، وأثبت أن الكلمة الحرة الصادقة لا تموت، بل تنتقل من منبر إلى منبر، ومن قلب إلى قلب. وفي ظل استمرار المعاناة الفلسطينية، تظل مواقفه ومواعظه صرخة حق تُذكّر الأجيال بأن الدعوة إلى الله ليست مجرد كلمات، بل هي موقف، وثبات، واستعداد للتضحية.

المراجع:

• قناة محمود الحسنات الرسمية على يوتيوب

• مقاطع أرشيفية لخطب الجمعة من غزة قبل عام 2019