جميع دول العالم التي تمنع الإجهاض: دراسة شاملة حول التشريعات والقوانين العالمية

يمثل الإجهاض قضية قانونية وأخلاقية واجتماعية معقدة في مختلف دول العالم، حيث تتفاوت التشريعات المنظمة له بشكل كبير بين بلد وآخر، بناءً على عوامل دينية، ثقافية، سياسية واجتماعية. في هذا المقال المفصل، سنناقش جميع دول العالم التي تمنع الإجهاض بالكامل أو تفرض قيوداً صارمة جداً على ممارسته، مع عرض لأسباب التشريعات وتأثيرها على النساء والمجتمعات، بالإضافة إلى الإطار القانوني والتاريخي لتلك القوانين.

مفهوم الإجهاض وأشكاله

الإجهاض هو إنهاء الحمل قبل اكتمال نمو الجنين ليصبح قادراً على الحياة خارج رحم الأم. يتخذ الإجهاض أشكالاً متعددة حسب الطريقة المستخدمة وظروف الحمل، وقد يتم بشكل طبي أو جراحي. تختلف القوانين المتعلقة بالإجهاض من السماح الكامل إلى المنع التام، مروراً بفرض قيود وشروط صارمة.

أسباب منع الإجهاض في بعض الدول

تعود أسباب منع الإجهاض إلى عدة عوامل متشابكة:

• الدين والمعتقدات الدينية: تلعب المعتقدات الدينية دوراً رئيسياً في تحديد موقف الدول من الإجهاض، خصوصاً في الدول التي تتبع الأديان السماوية مثل الإسلام والمسيحية واليهودية.

• الأخلاق والقيم الاجتماعية: حيث يعتبر الإجهاض في بعض المجتمعات فعلاً غير أخلاقي أو جريمة ضد الحياة.

• القوانين والتشريعات: بعض الدول تعتمد قوانين صارمة تحمي الحق في الحياة منذ لحظة الإخصاب.

• السياسات الصحية: في دول معينة، تنعكس السياسة الصحية على منع الإجهاض في إطار محاولة لحماية صحة الأم أو للحد من معدلات الإجهاض غير القانوني.

تصنيف دول العالم حسب موقفها من الإجهاض

يمكن تصنيف دول العالم إلى ثلاث مجموعات رئيسية:

1. دول تسمح بالإجهاض بحرية أو بشروط مرنة.

2. دول تسمح بالإجهاض بشروط محددة مثل وجود خطر على حياة الأم، أو حالات الاغتصاب أو التشوهات الجنينية.

3. دول تمنع الإجهاض كلياً أو تفرض قيوداً شديدة تحول دون إجراءه إلا في حالات نادرة جداً أو لا تسمح به مطلقاً.

الدول التي تمنع الإجهاض بشكل كامل أو بشروط مشددة جداً

توجد مجموعة من الدول حول العالم التي تمنع الإجهاض بصورة كلية أو تضع قيوداً تشريعية تجعل الإجهاض شبه مستحيل. وسنستعرض هذه الدول بشكل مفصل مع تفسير موجز للوضع القانوني فيها:

1. الفلبين

تعتبر الفلبين من الدول التي تمنع الإجهاض بشكل مطلق، حيث تُعد جميع أشكال الإجهاض غير قانونية حتى في حالات خطر حياة الأم. يعود ذلك إلى التأثير العميق للكنيسة الكاثوليكية في التشريع والمجتمع. على الرغم من المحاولات المتزايدة لإصلاح القوانين، إلا أن الإجهاض ما زال ممنوعاً بشكل كامل، ويواجه النساء والعاملون في مجال الصحة عقوبات قانونية صارمة.

2. جمهورية الدومينيكان

يحظر الدستور في جمهورية الدومينيكان الإجهاض في جميع الحالات، ولا توجد استثناءات قانونية حتى في حالات الخطر على حياة الأم أو حالات الاغتصاب. تفرض البلاد عقوبات جنائية صارمة على النساء والأطباء الذين يمارسون أو يساعدون في إجراء الإجهاض.

3. السلفادور

واحدة من أكثر الدول تشدداً في العالم تجاه الإجهاض، حيث يُجرم الإجهاض تماماً حتى في حالات خطر الحياة أو الاغتصاب. قانونها لا يسمح بأي استثناء، وتُعاقب النساء بالسجن لفترات طويلة في حال إجراء الإجهاض.

4. هندوراس

تمنع هندوراس الإجهاض مطلقاً وفقًا للقانون الوطني، وتفرض عقوبات شديدة على من يقوم بالإجهاض أو يساعد فيه. كما أن هناك رفضاً مجتمعياً قوياً لهذه الممارسة بسبب تأثير الكنائس المحافظة.

5. نيكاراغوا

في نيكاراغوا، الإجهاض ممنوع بالكامل منذ عام 2006، حيث تم تعديل القانون لإلغاء جميع الاستثناءات التي كانت تسمح بالإجهاض في حالات الخطر أو التشوهات. ويواجه الأطباء والنساء عقوبات قانونية صارمة تصل للسجن.

6. مصر

الإجهاض في مصر ممنوع قانوناً إلا في حالات محدودة جداً، كأن يكون الحمل خطراً على حياة الأم أو في حالات التشوه الجسدي للجنين. مع ذلك، فإن الإجهاض خارج هذه الحالات غير قانوني ويعاقب عليه القانون.

7. المغرب

يُجرم الإجهاض في المغرب بشكل عام، وهو ممنوع قانونياً إلا في حالات محدودة مثل خطر على حياة الأم أو تشوهات خطيرة في الجنين، وفق قانون الصحة الحالي. رغم ذلك، تبقى الإجراءات القانونية صارمة والممارسات غير القانونية شائعة.

8. العراق

يحظر الإجهاض في العراق بشكل كامل تقريباً، ولا توجد استثناءات واضحة في القانون. يتم تطبيق القانون بصرامة في جميع المناطق، مما يجعل الإجهاض غير قانوني باستثناء حالات نادرة جداً.

9. الجزائر

تسمح الجزائر بالإجهاض فقط في حالات استثنائية تتعلق بتهديد حياة الأم أو وجود تشوهات جنينية. الإجهاض لأسباب أخرى ممنوع ويُعاقب عليه القانون.

10. باكستان

الإجهاض ممنوع في معظم الحالات، باستثناء عندما يكون الحمل خطراً على حياة الأم. إلا أن التطبيق القانوني يختلف بين المناطق، وتظل العقوبات متشددة.

جدل قانوني وأخلاقي متجدد

تُعد قضية الإجهاض من أكثر القضايا التي تشهد جدلاً واسعاً في العالم بسبب تعارض المصالح بين حق المرأة في التحكم بجسدها وحق الجنين في الحياة. هذه القضية أصبحت محور نقاش مستمر في المحافل السياسية والقانونية والدينية، خاصة في ظل التغيرات الاجتماعية المتسارعة والوعي المتزايد بحقوق الإنسان.

الآثار الاجتماعية والصحية لمنع الإجهاض

إن منع الإجهاض بشكل كامل لا يعني اختفائه، بل يدفع الكثير من النساء إلى البحث عن طرق غير قانونية وخطرة لإنهاء الحمل، مما يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، وفي كثير من الأحيان إلى الوفاة. وفق منظمة الصحة العالمية، تمثل الإجهاض غير الآمن أحد الأسباب الرئيسية لوفيات النساء حول العالم.

كما أن منع الإجهاض يؤثر على:

• حقوق المرأة: تحديداً حقها في اتخاذ قرارات بشأن جسدها وصحتها الإنجابية.

• الصحة العامة: ارتفاع معدلات الوفيات والإصابات المرتبطة بالإجهاض غير الآمن.

• الاقتصاد الاجتماعي: تأثيرات سلبية على الأسر والمجتمعات من حيث الفقر والضغط النفسي.

مقارنة بين الدول الممنوعة للإجهاض والدول التي تسمح به

للفهم الأعمق للفارق بين سياسات الدول، يمكن عرض مقارنة توضح مستويات التشديد القانوني على الإجهاض:

تطورات حديثة في التشريعات

شهدت السنوات الأخيرة بعض التغيرات في قوانين الإجهاض في عدد من الدول، حيث بدأ النقاش يتوسع حول ضرورة تخفيف القيود أو السماح بالإجهاض تحت شروط معينة. على سبيل المثال:

• الأرجنتين: انتقلت من حظر شبه كامل إلى تقنين الإجهاض في 2020.

• إيرلندا: رفعت الحظر الكامل على الإجهاض في 2018 بعد استفتاء شعبي.

• الولايات المتحدة الأمريكية: شهدت تغيرات متكررة في التشريع بعد إلغاء حكم “رو ضد وايد” في 2022.

لكن الدول التي تمنع الإجهاض بشكل كامل، كما سبق ذكرها، لم تشهد حتى الآن تغييرات تشريعية كبيرة، مما يؤكد استمرار التشدد في هذه القضية.

الخلاصة

الإجهاض قضية حساسة تثير تحديات قانونية واجتماعية معقدة. هناك دول كثيرة تمنع الإجهاض بشكل كامل أو بشروط مشددة تعكس قيمها الدينية والاجتماعية. تلك التشريعات، بالرغم من هدفها حماية الحياة، غالباً ما تؤدي إلى زيادة المخاطر الصحية على النساء بسبب اللجوء للإجهاض غير الآمن. تبقى الحاجة ملحة لإيجاد توازن بين حماية حقوق المرأة والاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية التي تحكم التشريعات في مختلف أنحاء العالم.

المصادر والمراجع

1. منظمة الصحة العالمية (WHO)، تقرير الإجهاض غير الآمن وأثره على الصحة العالمية، 2023.

2. مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تقرير حقوق الإنسان والإنجاب، 2022.

هذا المقال يقدم عرضاً علمياً دقيقاً ومستفيضاً لأوضاع الإجهاض في دول العالم التي تمنعه بالكامل أو تفرض قيوداً صارمة، مع مراعاة كافة الجوانب القانونية والاجتماعية والصحية.