في عالم التطوير الشخصي والمهني، أصبحت محادثات الكوتشينغ أداة فعالة ومحورية في تعزيز الأداء، دعم النمو الشخصي، وتحفيز الأفراد على تحقيق إمكاناتهم القصوى. ورغم بساطتها الظاهرية، فإن جلسات الكوتشينغ الناجحة تتطلب مهارات دقيقة وخطوات مدروسة لضمان فعاليتها. من خلال سبع خطوات أساسية، يمكن لأي ممارس أو قائد أو حتى مستشار أن ينفذ جلسة كوتشينغ مؤثرة، تحقق نتائج ملموسة ومستدامة.
1. التحضير النفسي والذهني للجلسة
تبدأ محادثة الكوتشينغ الفعالة قبل بدء اللقاء نفسه، إذ إن الإعداد الذهني والنفسي للكوتش (المدرب) يلعب دورًا حاسمًا في نجاح الجلسة. يجب على الكوتش أن يهيئ نفسه بحالة ذهنية تتسم بالحضور الكامل (Full Presence)، والانفتاح غير المشروط، والخلو من الأحكام المسبقة. كما يُنصح بمراجعة ملاحظات الجلسات السابقة وتحضير الأدوات المناسبة، كالتقارير أو التقييمات ذات الصلة، لتوفير بيئة داعمة ومهنية.
2. بناء علاقة ثقة آمنة
الثقة هي حجر الزاوية في أي تفاعل إنساني ناجح، وتزداد أهميتها في الكوتشينغ نظرًا لحساسية الموضوعات المطروحة. من الضروري أن يشعر المستفيد (Coachee) بأنه في مساحة خالية من الأحكام، تتيح له التعبير بحرية وأمان. لتحقيق ذلك، يجب على الكوتش أن يُظهر التعاطف، الاستماع الفعّال، وتأكيد السرية المطلقة، مما يعزز بيئة نفسية إيجابية تؤهل للتغيير والنمو.
3. تحديد الهدف بوضوح
أحد أهم عناصر الجلسة الناجحة هو الاتفاق منذ البداية على الهدف الأساسي للجلسة، ضمن إطار أكبر لرؤية المتدرب أو خطة التطوير الشاملة. يتم ذلك من خلال طرح أسئلة استكشافية دقيقة تساعد في تحديد ما يريد المستفيد تحقيقه بنهاية الجلسة. يمكن استخدام نموذج SMART لضمان وضوح الهدف:
| المعيار | التفسير |
|---|---|
| S | محدد (Specific) |
| M | قابل للقياس (Measurable) |
| A | قابل للتحقيق (Achievable) |
| R | واقعي (Realistic) |
| T | محدد بزمن (Time-bound) |
هذه الخطوة تُسهم في توجيه الجلسة وتعزيز تركيزها، كما تسهل عملية التقييم في نهايتها.
4. استخدام مهارات الاستماع والتشجيع العميق
يُعدّ الاستماع العميق أكثر من مجرد سماع الكلمات. في الكوتشينغ، يتطلب الأمر الإنصات للمشاعر، الإشارات غير اللفظية، ومتابعة النسق الفكري للمتحدث. على الكوتش أن يُظهر اهتمامًا حقيقيًا بما يُقال، ويشجع المستفيد على الاستمرار في الحديث من خلال تعبيرات الوجه، الإيماءات، والأسئلة المتأنية. تجنب المقاطعة أمر أساسي، ويجب تقديم تغذية راجعة بشكل محفّز يوجه التفكير دون فرضه.
5. طرح الأسئلة التوسعية والمفتوحة
الأسئلة هي أداة الكوتش الأساسية لتحفيز التفكير واكتشاف الحلول. تتفوق الأسئلة المفتوحة (التي لا يمكن الإجابة عليها بنعم أو لا) على الأسئلة المغلقة في قدرتها على إثارة الوعي وتعميق الفهم. من الأمثلة:
-
ما الذي يمنحك شعورًا بالرضا في هذا التحدي؟
-
ما الخيارات الممكنة التي لم تفكر بها بعد؟
-
ما الذي قد يتغير إذا نظرت إلى الموقف من زاوية مختلفة؟
الهدف هو تشجيع المستفيد على التفكير النقدي واستخلاص الحلول بنفسه، مما يُعزز الالتزام الداخلي بالتغيير.
6. التوجيه نحو العمل وتحديد الإجراءات
بعد أن يتم استكشاف الوضع وتوضيح الهدف، تأتي مرحلة وضع خطة العمل. يجب أن يقود الكوتش المستفيد لوضع خطوات عملية واقعية يمكن تنفيذها خلال فترة زمنية محددة. لا يُفترض بالكوتش تقديم الحلول، بل تسهيل عملية الوصول إليها. يُفضل أن تكون الإجراءات محددة، قابلة للقياس، وتنسجم مع قدرات وموارد المستفيد.
كما يمكن تعزيز الالتزام من خلال كتابة الالتزامات أو إرسال ملخص للخطوات المتفق عليها بعد الجلسة، ما يمنح الشعور بالمسؤولية ويُعزز الانضباط الذاتي.
7. التقييم والختام البنّاء
لا تكتمل جلسة الكوتشينغ دون تقييم ما تم الوصول إليه. يجب أن يُمنح المستفيد الفرصة لتقييم التجربة، مدى اقترابه من الهدف، وما إذا تغيرت رؤيته للأمر. يُمكن استخدام أسئلة مثل:
-
ما أبرز ما استفدته اليوم؟
-
ما الذي ستبدأ بتطبيقه فورًا؟
-
ما الذي تغير في إدراكك للمشكلة أو التحدي؟
ثم يُختم اللقاء بطريقة إيجابية ومحفزة، مع تثبيت النقاط الإيجابية التي ظهرت لدى المستفيد، مما يُعزز ثقته بنفسه ويدفعه إلى التطبيق الفعلي لما تم الاتفاق عليه.
أهمية الاتساق في تطبيق الخطوات
ما يجعل الكوتشينغ فعالًا ليس فقط معرفة الخطوات، بل تطبيقها باستمرار واتساق، وتطوير المهارات المرتبطة بها من خلال التعلم المستمر والممارسة الواعية. فكل جلسة كوتشينغ هي فرصة لإحداث فارق حقيقي في حياة فرد أو مؤسسة، ولا يمكن التقليل من هذا الدور المحوري.
الجدول: مقارنة بين جلسة كوتشينغ فعّالة وغير فعّالة
| العنصر | جلسة فعّالة | جلسة غير فعّالة |
|---|---|---|
| الإعداد المسبق | تحضير ذهني، مراجعة الأهداف | حضور ارتجالي دون استعداد |
| الثقة | بناء علاقة داعمة وآمنة | توتر أو غياب التواصل |
| تحديد الهدف | هدف محدد ومقاس وفق SMART | هدف غامض أو غير موجود |
| نوع الأسئلة | مفتوحة، عميقة، توسعية | مغلقة، سطحية، موجهة |
| الاستماع | استماع فعّال بكامل الحضور | مقاطعة أو تشتت الذهن |
| خطة العمل | إجراءات واضحة ومحددة بزمن | غياب خطة أو ترك الأمر معلقًا |
| تقييم الجلسة | مراجعة، تغذية راجعة، اتفاق على الخطوة التالية | نهاية غير واضحة |
دور الذكاء العاطفي في الكوتشينغ
لا يمكن إنكار دور الذكاء العاطفي في إدارة جلسة كوتشينغ ناجحة، إذ يتطلب الأمر قدرة على فهم مشاعر المستفيد، تنظيم العواطف، والرد بطريقة تُمكّنه من النمو دون المساس بثقته. فالكوتش الناجح لا يُقدم نصائح مباشرة، بل يُمكّن الآخر من اكتشاف قوته الداخلية، وتحويل التحديات إلى فرص.
استخدام نماذج الكوتشينغ العالمية
هناك العديد من النماذج المعترف بها في عالم الكوتشينغ تساعد على تنظيم الجلسة بشكل احترافي، من أبرزها:
-
نموذج GROW: هدف (Goal) – واقع (Reality) – خيارات (Options) – إرادة (Will).
-
نموذج CLEAR: عقد الجلسة (Contracting) – الاستماع (Listening) – الاستكشاف (Exploring) – الفعل (Action) – المراجعة (Review).
هذه النماذج لا تُستخدم كقوالب جامدة، بل كأطر مرنة تتكيف مع طبيعة كل مستفيد واحتياجاته.
الخلاصة
تنفيذ محادثة كوتشينغ ناجحة يتطلب ما هو أكثر من مجرد مهارات تواصل. إنها عملية استراتيجية تتطلب وعيًا عميقًا، حضورًا نفسيًا كاملاً، والتزامًا صادقًا بمساعدة الآخر على إدراك ذاته، واكتشاف قدراته، والمضي قدمًا نحو تحقيق أهدافه. إن تبني الخطوات السبع وتطبيقها بمرونة ومهارة يمكن أن يحدث تحولًا حقيقيًا في حياة الأفراد والمنظمات، ويجعل من الكوتشينغ أداة تنمية لا غنى عنها في عصر القيادة الذكية والتحول المستمر.
المراجع:
-
Whitmore, J. (2009). Coaching for Performance. Nicholas Brealey Publishing.
-
ICF – International Coaching Federation: https://coachingfederation.org
-
Downey, M. (2003). Effective Coaching. Texere.
-
Goleman, D. (1995). Emotional Intelligence. Bantam Books.
