مجالات البحث الإجرائي وأنواعه
يُعتبر البحث الإجرائي من الأساليب البحثية التي تكتسب أهمية متزايدة في مجالات متعددة، سواء في المجال التعليمي أو الاجتماعي أو التربوي أو النفسي. يتمثل هدف البحث الإجرائي في إيجاد حلول عملية للمشكلات التي تواجه الأفراد أو المؤسسات، وهذا من خلال إجراء دراسات مباشرة أو تجريبية تساهم في تحسين وتطوير العمليات والأنظمة القائمة. يعود أصل هذا النوع من البحوث إلى الارتباط الوثيق بالممارسات اليومية، حيث يعتمد الباحث في أغلب الأحيان على ملاحظاته وتجربته الشخصية لتحديد العوامل المؤثرة واستخلاص الحلول المناسبة.
تعريف البحث الإجرائي
البحث الإجرائي هو نوع من البحث العلمي الذي يعتمد على إجراء تجارب عملية أو تطبيقات ميدانية لتحليل مشكلات معينة داخل بيئة العمل أو المجتمع. يتسم هذا النوع من البحث بتركيزه على البحث داخل إطار ميداني أو عملي، وهو يختلف عن الأبحاث النظرية التي لا تستهدف تطبيق النتائج في الواقع الفعلي. ويمتاز البحث الإجرائي بتوجيهه نحو تحسين الأداء أو حل المشكلات التي تواجه الأفراد أو المؤسسات في بيئات عملهم اليومية.
يعد البحث الإجرائي أداة قوية في يد المعلمين، والممارسين، والمشرفين في مجالات عديدة، مثل التعليم، حيث يساعدهم في فهم كيفية تحسين البيئة التعليمية، أو في مجال الصحة النفسية لتحليل الطرق المثلى لمساعدة الأفراد في معالجة الاضطرابات السلوكية والنفسية.
مجالات البحث الإجرائي
يمكن تصنيف البحث الإجرائي إلى العديد من المجالات التي تتنوع حسب الأهداف والمجالات التطبيقية التي يستهدفها. أبرز هذه المجالات هي:
1. البحث الإجرائي في التعليم
في مجال التعليم، يُعد البحث الإجرائي أداة مهمة لمعالجة التحديات التعليمية وتحسين البيئة المدرسية. يقوم المعلمون والباحثون التربويون باستخدام هذا النوع من البحث لتطوير أساليب التدريس، وتحديد الاستراتيجيات التعليمية الأكثر فاعلية، وتحليل استجابة الطلاب لمختلف الأنشطة التعليمية.
على سبيل المثال، قد يستخدم معلم في مدرسة ما البحث الإجرائي لتقييم فعالية طريقة تدريس جديدة، مثل التعليم التعاوني، وتحليل مدى تأثير هذه الطريقة على تحصيل الطلاب. من خلال هذه التجربة العملية، يتمكن المعلم من تحديد ما إذا كانت هذه الطريقة أكثر فعالية من الأساليب التقليدية، وبالتالي اتخاذ قرارات مستنيرة لتحسين أدائه التعليمي.
2. البحث الإجرائي في مجال الصحة النفسية
في مجال الصحة النفسية، يُستخدم البحث الإجرائي من قبل المعالجين النفسيين وأخصائيي الصحة العقلية لتحليل وتقييم التدخلات العلاجية المختلفة. يهدف هذا النوع من البحث إلى تحسين استراتيجيات العلاج وتوفير حلول عملية لمرضى الاضطرابات النفسية.
على سبيل المثال، قد يقوم معالج باستخدام البحث الإجرائي لتقييم فاعلية نوع معين من العلاج السلوكي المعرفي (CBT) لعلاج مرضى القلق. من خلال تنفيذ تجارب وملاحظات عملية مع مجموعة من المرضى، يتمكن المعالج من تحسين الأساليب العلاجية بناءً على النتائج المتحققة.
3. البحث الإجرائي في علم الاجتماع
تُستخدم الأساليب الإجرائية في علم الاجتماع لدراسة وتحليل القضايا الاجتماعية المختلفة. يساعد البحث الإجرائي في حل المشكلات المجتمعية المعقدة، مثل الفقر، والعنف، والتمييز، وغيرها من القضايا الاجتماعية.
يمكن للباحثين الاجتماعيين تطبيق تقنيات البحث الإجرائي لدراسة تأثير البرامج الاجتماعية على المجتمعات المحلية. على سبيل المثال، قد يتعاون باحثون اجتماعيون مع إحدى المنظمات غير الحكومية لدراسة مدى فعالية برنامج للتعليم في مكافحة الأمية في أحد الأحياء الفقيرة، واستخدام ملاحظاتهم وتجاربهم لإجراء تحسينات مستقبلية في البرنامج.
4. البحث الإجرائي في مجال الأعمال والإدارة
يعد البحث الإجرائي في مجال الأعمال أداة حيوية لتحسين الأداء التنظيمي وزيادة الإنتاجية. يسعى الباحثون في هذا المجال إلى تحسين العمليات الداخلية للشركات والمؤسسات من خلال دراسة المشكلات الإدارية والعمليات التشغيلية.
قد يقوم أحد مديري الشركات باستخدام البحث الإجرائي لتحليل فعالية أساليب القيادة التي يعتمدها، وكيف تؤثر هذه الأساليب على تحفيز الموظفين والإنتاجية. من خلال هذه الدراسات الميدانية، يتمكن المدير من اتخاذ قرارات فاعلة لتحسين أسلوب الإدارة وتعزيز بيئة العمل.
5. البحث الإجرائي في مجالات أخرى
إلى جانب هذه المجالات، يمكن استخدام البحث الإجرائي في مجالات متعددة مثل مجال الرعاية الصحية العامة، التنمية الريفية، التحليل البيئي، وحتى في الرياضة. في كل من هذه المجالات، يركز البحث الإجرائي على تحليل المشكلات العملية، وتطوير حلول قابلة للتطبيق في البيئة المحلية أو على نطاق أوسع.
أنواع البحث الإجرائي
يتم تصنيف البحث الإجرائي إلى عدة أنواع بناءً على الأسلوب المتبع في التنفيذ والأهداف التي يسعى لتحقيقها. إليك أهم الأنواع:
1. البحث الإجرائي التشاركي (Participatory Action Research)
يتميز هذا النوع من البحث بإشراك المشاركين في العملية البحثية بشكل فعال، حيث يعمل الباحثون مع المجتمع أو مجموعة الأفراد المعنيين في تطوير وتحليل الحلول المناسبة لمشاكلهم. يعتمد هذا النوع من البحث على التعاون المشترك بين الباحث والمشاركين في تحديد المشكلة، وتصميم الحلول، وتنفيذ التجارب العملية.
على سبيل المثال، في مشروع تحسين الخدمات الصحية في أحد المجتمعات النائية، قد يشترك سكان المجتمع مع الباحثين في تحديد المشاكل الصحية الرئيسية، وتطوير حلول عملية بناءً على احتياجاتهم الفعلية.
2. البحث الإجرائي الانعكاسي (Reflective Action Research)
يركز البحث الإجرائي الانعكاسي على التفكير الذاتي للباحث حول تأثير أفعاله وأساليبه البحثية. يقوم الباحث في هذا النوع من البحث بتحليل تجربته الشخصية وتحسين أساليبه البحثية بناءً على الملاحظات والتعليقات التي يلاحظها خلال العملية.
هذا النوع من البحث يُستخدم عادة في مجال التعليم، حيث يقوم المعلمون بتقييم أساليبهم التدريسية بشكل مستمر، وتعكس النتائج على الأساليب المستقبلية لتحسين أدائهم.
3. البحث الإجرائي الفردي (Individual Action Research)
يُنفذ هذا النوع من البحث بواسطة فرد واحد، سواء كان معلمًا أو متخصصًا في أي مجال آخر، حيث يقوم هذا الفرد بتحليل وتقييم عمليته الخاصة لحل مشكلة معينة. يستخدم الباحث ملاحظاته الشخصية وتقييماته لتحديد الحلول المناسبة لمشكلاته.
4. البحث الإجرائي المؤسسي (Institutional Action Research)
يُنفذ هذا النوع من البحث داخل المؤسسات أو المنظمات الكبرى، حيث يركز على تحسين الأنظمة والعمليات داخل المؤسسة ككل. يتم من خلاله إجراء تحليل ميداني وتقديم توصيات لتحسين الكفاءة التنظيمية.
خطوات إجراء البحث الإجرائي
يتبع البحث الإجرائي مجموعة من الخطوات المنهجية التي تضمن فعاليته. تتمثل هذه الخطوات في:
-
تحديد المشكلة: تبدأ عملية البحث بتحديد المشكلة التي تحتاج إلى دراسة وتحليل ميداني.
-
جمع البيانات: تشمل هذه المرحلة جمع البيانات المتعلقة بالمشكلة باستخدام الأدوات المناسبة، مثل الاستبيانات أو المقابلات أو الملاحظات المباشرة.
-
تحليل البيانات: يتم تحليل البيانات التي تم جمعها لتحديد الأنماط والاتجاهات التي يمكن أن تساعد في فهم المشكلة.
-
وضع الحلول: بناءً على التحليل، يتم تحديد الحلول العملية التي يمكن تنفيذها لتحسين الوضع القائم.
-
تنفيذ الحلول: يتم تطبيق الحلول على أرض الواقع، مع متابعة النتائج بشكل دوري.
-
التقييم والتعديل: بعد تنفيذ الحلول، يتم تقييم تأثيرها وتعديلها إذا لزم الأمر.
مزايا البحث الإجرائي
يتمتع البحث الإجرائي بعدد من المزايا التي تجعله من الأساليب البحثية الفعالة، أهمها:
-
التركيز على التطبيق العملي: يتيح هذا النوع من البحث للباحثين معالجة المشكلات في بيئاتها الحقيقية وتحقيق نتائج مباشرة.
-
المشاركة المجتمعية: يسهم البحث الإجرائي التشاركي في إشراك المجتمع أو الأفراد المعنيين في إيجاد حلول للمشاكل التي تواجههم.
-
المرونة: يمكن للباحثين تعديل الأساليب والطرق التي يتبعونها أثناء عملية البحث بناءً على ملاحظاتهم المستمرة.
-
التطوير المستمر: يساعد البحث الإجرائي في تحسين العملية أو النظام بشكل مستمر، مما يساهم في التطوير الدائم.
تحديات البحث الإجرائي
رغم المزايا التي يتمتع بها البحث الإجرائي، إلا أنه يواجه بعض التحديات التي قد تؤثر على نتائجه. من أبرز هذه التحديات:
-
محدودية الوقت والموارد: قد يواجه الباحث صعوبة في جمع البيانات اللازمة في بيئات العمل الحقيقية بسبب نقص الوقت أو الموارد المتاحة.
-
التأثير الشخصي للباحث: قد يؤثر التحيز الشخصي للباحث على جمع وتحليل البيانات، مما قد يؤدي إلى نتائج غير دقيقة.
-
التغيرات المستمرة: في بعض الأحيان، قد تؤدي التغيرات السريعة في البيئة أو النظام إلى تغيير نتائج البحث، مما يجعل من الصعب تطبيق الحلول المستخلصة
