متى الطفل يسنن: دليل شامل لتسنين الأطفال ومراحله وأعراضه وطرق العناية

يُعدّ التسنين من أبرز المحطات النمائية التي يمر بها الطفل في عامه الأول، حيث يُمثل بداية بروز الأسنان اللبنية من اللثة، ما يرافقه من تغيّرات جسدية وسلوكية ملحوظة. تختلف هذه المرحلة من طفل لآخر من حيث توقيت ظهور الأسنان الأولى، وعددها، والأعراض المصاحبة لها. يُعدّ فهم مرحلة التسنين أمرًا بالغ الأهمية للوالدين والأطباء والمربين على حدٍ سواء، لما لها من تأثيرات متعددة على الراحة الجسدية والنفسية للطفل. يتناول هذا المقال بعمق مرحلة التسنين عند الأطفال، مع التركيز على توقيتها، المراحل التي تمر بها، الأعراض المرتبطة بها، النصائح الطبية للعناية، وأبرز المشاكل المرتبطة بها.

التسنين عند الأطفال: نظرة عامة

يُشير مصطلح “التسنين” إلى العملية البيولوجية التي تبدأ فيها الأسنان اللبنية بالبروز من تحت اللثة لدى الأطفال الرضّع. ويُعدّ هذا جزءًا طبيعيًا من نمو الطفل، وتبدأ غالبًا في النصف الثاني من السنة الأولى من عمره. يُعرف التسنين أيضًا في الطب بـ “eruption of primary teeth”، وتُعتبر الأسنان اللبنية أو المؤقتة بمثابة البنية الأساسية للأسنان الدائمة لاحقًا، حيث تُساعد الطفل في مضغ الطعام، وتطوير مهارات النطق، والحفاظ على بنية الفك والوجه.

متى يبدأ التسنين عند الأطفال؟

يختلف توقيت بداية التسنين من طفل إلى آخر بناءً على عوامل وراثية وبيئية وصحية، إلا أن النطاق الزمني الطبيعي يقع بين عمر 4 إلى 10 أشهر. وبشكل متوسط، يبدأ معظم الأطفال في التسنين عند عمر 6 أشهر. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الأطفال قد يُولدون بأسنان تُعرف باسم “الأسنان الولادية” (natal teeth)، وهي حالات نادرة جدًا.

مراحل التسنين حسب العمر

العوامل المؤثرة على توقيت التسنين

توجد عدة عوامل تؤثر على توقيت التسنين، منها:

1. العوامل الوراثية: إذا بدأ أحد الوالدين التسنين في وقت مبكر، فغالبًا ما يكون الطفل كذلك.

2. الجنس: تشير الدراسات إلى أن الفتيات غالبًا ما يبدأن التسنين قبل الذكور.

3. التغذية: التغذية السليمة الغنية بالكالسيوم والفيتامينات تؤثر على نمو الأسنان.

4. الحالة الصحية العامة: الأطفال الذين يعانون من نقص الوزن أو اضطرابات هرمونية قد يتأخر لديهم التسنين.

5. الولادة المبكرة: الأطفال الخدّج غالبًا ما يتأخر لديهم ظهور الأسنان.

أعراض التسنين عند الأطفال

عادةً ما يرافق التسنين مجموعة من الأعراض التي تتفاوت في شدّتها وحدّتها من طفل لآخر. من أبرز هذه الأعراض:

• زيادة إفراز اللعاب: وهو العرض الأوضح ويبدأ قبل ظهور السن بفترة.

• الرغبة في العض والمضغ: يحاول الطفل تخفيف الألم عبر العض على أشياء صلبة.

• التهيج والبكاء: نتيجة شعور بعدم الراحة في اللثة.

• القلق أثناء النوم: يعاني الطفل من اضطرابات في النوم بسبب الألم.

• تورم واحمرار اللثة: وظهور انتفاخ مكان السن الجديد.

• فقدان الشهية: خاصة عند تناول الطعام أو الرضاعة.

• احمرار الخدين أو الذقن: بسبب سيلان اللعاب وتهيّج الجلد.

• ارتفاع طفيف في درجة الحرارة: لكن لا تتجاوز عادة 38 درجة مئوية.

• الإسهال أو الطفح الجلدي: وهي أعراض غير مؤكدة علميًا لكنها تُلاحظ أحيانًا.

من المهم التمييز بين أعراض التسنين وأعراض الأمراض الأخرى مثل العدوى الفيروسية أو البكتيرية، حيث يمكن أن تتداخل الأعراض، خصوصًا فيما يتعلق بارتفاع الحرارة أو الإسهال.

التسنين والأسنان الولادية والمبكرة

في بعض الحالات النادرة، قد يُولد الطفل بأسنان موجودة بالفعل أو تظهر خلال الأسابيع الأولى بعد الولادة. وتُعرف هذه الحالات كما يلي:

• الأسنان الولادية (Natal Teeth): موجودة عند الولادة، ونسبتها أقل من 1 في كل 3000 حالة.

• الأسنان النيو-ناتالية (Neonatal Teeth): تظهر خلال أول 30 يومًا بعد الولادة.

غالبًا ما تكون هذه الأسنان غير مستقرة وقد تحتاج إلى إزالتها إذا كانت تعيق الرضاعة أو تسبب خطرًا على الطفل من ابتلاعها.

الترتيب النموذجي لظهور الأسنان

يظهر ترتيب الأسنان اللبنية عادةً وفق النمط التالي:

1. السِنيّات الوسطى السفلية (6-10 أشهر)

2. السِنيّات الوسطى العلوية (8-12 شهرًا)

3. القواطع الجانبية العلوية (9-13 شهرًا)

4. القواطع الجانبية السفلية (10-16 شهرًا)

5. الأضراس الأولى (13-19 شهرًا)

6. الأنياب (16-23 شهرًا)

7. الأضراس الثانية (23-33 شهرًا)

ويكتمل ظهور الأسنان اللبنية بحلول عمر 2.5 إلى 3 سنوات بواقع 20 سنًا لبنيًا.

كيف يمكن التعامل مع أعراض التسنين؟

من المهم تقديم الراحة والرعاية الجيدة للطفل أثناء هذه المرحلة الحساسة، ويمكن اتخاذ التدابير التالية:

1. توفير عضّاضات التسنين

عضاضات السيليكون المُبرّدة تساعد في تخفيف الألم عند عضها. يُفضل تبريدها في الثلاجة وليس في المجمد.

2. تدليك اللثة

يمكن استخدام أصابع نظيفة أو قطعة شاش معقمة لتدليك لثة الطفل بلطف.

3. استعمال جل التسنين

يوجد في الصيدليات جل خاص لتخفيف ألم التسنين، لكن يُستخدم فقط بعد استشارة الطبيب.

4. تقديم أطعمة باردة

مثل شرائح الموز أو الخيار المبرد، والتي تعمل على تهدئة اللثة.

5. استخدام أدوية خافضة للحرارة

مثل الباراسيتامول أو الإيبوبروفين للأطفال، ولكن بعد استشارة الطبيب المختص.

متى يجب استشارة الطبيب أثناء التسنين؟

رغم أن التسنين عملية طبيعية، إلا أن هناك حالات تستدعي تدخل الطبيب:

• إذا تجاوز عمر الطفل 13 شهرًا ولم تظهر أي أسنان.

• إذا صاحب التسنين ارتفاع شديد في درجة الحرارة (أكثر من 38.5 مئوية).

• إذا لاحظ الوالدان وجود نزيف في اللثة أو إفرازات صديدية.

• إذا كان الطفل يعاني من فقدان الوزن أو قلة تناول الطعام بشكل مستمر.

مشاكل شائعة خلال التسنين

رغم أن التسنين لا يُعدّ مرضًا بحد ذاته، إلا أنه قد يُصاحبه بعض المضاعفات أو المشاكل، مثل:

• تقرحات الفم: بسبب الضغط الزائد على اللثة.

• التهاب الجلد حول الفم: نتيجة إفراز اللعاب بكثرة.

• عض حلمة الأم أثناء الرضاعة: وهي شكوى شائعة من الأمهات.

• النوم المتقطع: والذي قد يؤثر على نوم الوالدين أيضًا.

• التأخر في التسنين: وهي حالة قد تكون طبيعية أو مرتبطة بمشكلة صحية.

التغذية أثناء التسنين

الغذاء المتوازن مهم لنمو الأسنان بشكل صحي، ويُنصح بـ:

• تقديم أطعمة غنية بالكالسيوم مثل الزبادي والجبن.

• تناول أطعمة تحتوي على فيتامين D للمساعدة في امتصاص الكالسيوم.

• تجنب الحلويات والمشروبات السكرية التي تزيد من خطر تسوس الأسنان.

• إدخال الأطعمة الصلبة بطريقة تدريجية ومناسبة لعمر الطفل.

العناية بصحة الفم خلال مرحلة التسنين

من الضروري البدء بالعناية بالفم والأسنان حتى قبل بروز الأسنان. يمكن البدء بمسح لثة الطفل بلُطف باستخدام شاش رطب يوميًا، وبعد ظهور الأسنان، يجب تنظيفها بفرشاة ناعمة مخصصة للأطفال ومعجون يحتوي على فلوريد بكمية مناسبة.

نصائح للعناية:

• استخدام فرشاة ناعمة مرة يوميًا في البداية، ثم مرتين عند بروز مزيد من الأسنان.

• تقليل الرضاعة الليلية بعد عمر 6 أشهر لتجنب التسوس الليلي.

• زيارة طبيب الأسنان عند عمر السنة لأول مرة.

متى تكتمل الأسنان اللبنية ومتى تبدأ بالتبدل؟

يكتمل بروز الأسنان اللبنية عادةً بين عمر 30 إلى 36 شهرًا، ويتوقف عددها عند 20 سنًا. أما الأسنان الدائمة، فتبدأ بالظهور بين عمر 6 إلى 12 عامًا، حيث تبدأ عملية تبديل الأسنان تدريجيًا، وتستمر حتى عمر 13 عامًا، وقد تكتمل الأسنان الدائمة بواقع 28 سنًا، ويُضاف إليها ضروس العقل لاحقًا ليُصبح العدد الإجمالي 32 سنًا.

خلاصة علمية

يمثل التسنين مرحلة طبيعية وضرورية في نمو الطفل تتطلب مراقبة دقيقة ووعيًا من الوالدين. إن التعامل الذكي مع أعراض التسنين من خلال العناية الصحية والغذائية المناسبة يخفف من الانزعاج والألم لدى الطفل، ويُعزز من تطور فمه وفكه بشكل سليم. كما يجب أن يُنظر إلى التسنين كجزء لا يتجزأ من النمو المتكامل، وليس فقط مجرد بروز أسنان.

المصادر:

1. American Academy of Pediatrics (AAP) – Teething and Dental Care in Infants

2. Mayo Clinic – Baby teething: Timeline, symptoms, and tips