ما هي متلازمة ستوكهولم؟

متلازمة ستوكهولم: فهم الظاهرة النفسية وآثارها على الضحايا

مقدمة
تُعتبر متلازمة ستوكهولم واحدة من الظواهر النفسية المثيرة للجدل التي تتجلى في استجابة الضحايا للحالات التي يتعرضون فيها للتهديد أو الأسر. تنشأ هذه المتلازمة عندما يُظهر الأشخاص الذين وقعوا ضحايا للاحتجاز أو التهديدات العاطفية أو الجسدية مشاعر من التعاطف والمودة تجاه مختطفيهم أو المعتدين عليهم. على الرغم من أنها قد تبدو غير منطقية، فإن هذه الظاهرة قد تفسر بعض الأنماط المعقدة في العلاقات بين الضحايا والمعتدين. في هذا المقال، سنتناول مفهوم متلازمة ستوكهولم، أسبابها، كيفية تطورها، وأثرها على الأفراد والمجتمع.

مفهوم متلازمة ستوكهولم

تمثل متلازمة ستوكهولم استجابة نفسية معقدة تحدث عندما يبدأ الضحية في تطوير مشاعر إيجابية تجاه الشخص الذي يقوم باحتجازه أو تهديده. ورغم أنه من المتوقع أن يعبر الضحايا عن مشاعر الخوف والعداء تجاه الجاني، إلا أن بعضهم يبدأ في تشكيل علاقة عاطفية أو حتى ولاء تجاه المعتدي. سُميت هذه الظاهرة بـ”متلازمة ستوكهولم” نسبة إلى حادثة وقعت في ستوكهولم، السويد، في عام 1973.

أسباب ظهور متلازمة ستوكهولم

تختلف الأسباب التي تؤدي إلى تطور متلازمة ستوكهولم، وقد تنبع من مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية. أبرز العوامل التي يمكن أن تساهم في تطور هذه الظاهرة تشمل:

1. العزلة والاعتماد على المعتدي
   عندما يُحتجز الضحية في حالة من العزلة مع المعتدي لفترات طويلة، قد يشعر بالتعاطف معه نتيجة اعتماده على هذا الشخص من أجل تلبية احتياجاته الأساسية. هذه العلاقة المعتمدة قد تخلق نوعًا من الروابط العاطفية غير الطبيعية.

2. التهديد والخوف
   تخلق حالات التهديد المستمر والإجبار على التبعية شعورًا بالضغوط النفسية، وفي بعض الأحيان يصبح الضحية مهووسًا بالبحث عن إشارات إيجابية من المعتدي كطريقة لتجنب العواقب السلبية.

3. تغيير وجهات النظر
   قد يحاول الضحية تبرير تصرفات المعتدي كي يشعر بالأمان أو لتقليل الشعور بالذنب. بالتالي، يبدأ في تكوين صورة عقلية تُظهر المعتدي كشخص ليس بالضرورة سيئًا.

4. التفاعل المستمر
   يؤدي التفاعل المستمر مع المعتدي إلى خلق نوع من الاستجابة العاطفية التي قد تترسخ بشكل تدريجي، خاصة إذا كان المعتدي يُظهر بعضًا من اللطف أو الرعاية بين الحين والآخر.

5. الضغط النفسي والتلاعب العاطفي
   يتمكن بعض المعتدين من استخدام تقنيات التلاعب النفسي والعاطفي لإضعاف عزيمة الضحية وخلق حالة من التبعية العاطفية. قد يكون ذلك من خلال التهديدات أو استمالة الضحية بالوعود أو الشفقة.

الآثار النفسية لمتلازمة ستوكهولم

إن تأثير متلازمة ستوكهولم على الضحايا يمكن أن يكون عميقًا وطويل الأمد، ويتراوح بين التغيرات النفسية والتأثيرات العاطفية التي تستمر لفترات طويلة بعد انتهاء الوضع المهدد. من بين الآثار الأكثر شيوعًا:

1. اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)
   مع مرور الوقت، قد يعاني الضحية من اضطراب ما بعد الصدمة، الذي يشمل مشاعر القلق، والاكتئاب، والتوتر، والكوابيس المتكررة. هذه الحالة قد تكون نتيجة للتجربة النفسية العميقة التي مر بها الشخص أثناء الحجز أو التهديد.

2. الانعزال الاجتماعي
   قد يتجنب الضحايا الذين يعانون من متلازمة ستوكهولم التفاعل مع الآخرين، وقد يشعرون بالارتباك أو الارتباك تجاه محاولات الآخرين للتواصل معهم أو مساعدتهم.

3. الضياع العاطفي
   الضحية قد تواجه صعوبة في التمييز بين مشاعرها الحقيقية تجاه المعتدي والأحاسيس المفروضة عليها نتيجة للحالة النفسية. وبالتالي، قد يطور الشخص شعورًا بالارتباك العاطفي والتذبذب في تحديد مصدر الحب والكرامة.

4. العدوانية والتوتر النفسي
   قد يُظهر الضحايا في بعض الأحيان سلوكيات عدوانية أو توترات نفسية تجاه الأشخاص الآخرين أو في مواقف جديدة، نتيجة لتراكم الضغط النفسي الذي تعرضوا له أثناء احتجازهم.

كيفية التعامل مع متلازمة ستوكهولم

التعامل مع ضحية تعاني من متلازمة ستوكهولم يتطلب فهما دقيقا واهتماما خاصا. فيما يلي بعض الأساليب التي قد تساعد في التعامل مع هذه الحالة:

1. الدعم النفسي المستمر
   من المهم تقديم الدعم النفسي والمشورة المتخصصة للمساعدة في التعامل مع المشاعر المعقدة التي يشعر بها الضحية. يتطلب ذلك التفاعل مع المعالجين النفسيين الذين يمكنهم تقديم استراتيجيات العلاج المناسبة.

2. إعادة بناء الثقة بالنفس
   يساعد بناء الثقة بالنفس من خلال التعليم والعلاج العاطفي في مساعدة الضحايا على تجاوز مشاعر التبعية والتضحية. يُعد فهم الضحية لقيمتها الحقيقية أمرًا ضروريًا في عملية الشفاء.

3. الوعي والإرشاد
   من خلال الإرشاد الاجتماعي، يمكن للضحايا أن يتعلموا كيفية التعرف على العلاقات السامة، وكيفية بناء العلاقات الصحية التي تقوم على الثقة والاحترام المتبادل.

4. التمكين الاجتماعي
   يجب أن تتضمن العملية العلاجية أيضًا جهودًا لتشجيع الضحايا على الانخراط في الأنشطة الاجتماعية والتطوعية التي تساعدهم على بناء شبكة من الدعم بعيدًا عن المعتدين.

الخاتمة

تعد متلازمة ستوكهولم من الظواهر النفسية المعقدة التي تظهر في ظروف الاستغلال والعنف، حيث يعمد الضحايا إلى تطوير مشاعر إيجابية تجاه المعتدين عليهم. يمكن أن تتسبب هذه المتلازمة في تأثيرات نفسية عميقة وطويلة الأمد، ما يستدعي تدخلاً متخصصًا لعلاج الضحايا. على الرغم من أن الظاهرة قد تبدو غريبة من زاوية المنطق البسيط، فإن فهم الأسباب النفسية التي تقف وراءها يسهم في دعم الأفراد المتضررين ومساعدتهم على التعافي وبناء حياة جديدة خالية من التبعية والعنف.

المراجع

• Deva, N., & Channabasavanna, S. M. (2010). Stockholm Syndrome and its Treatment: Psychological, Social and Neurobiological Aspects.
• Custers, M., & Koster, F. (2009). Trauma and Stockholm Syndrome in the Context of Abusive Relationships. Journal of Trauma & Dissociation.