الدرن هو مرض معدي خطير يصيب الرئتين في الغالب ولكنه قد يمتد ليؤثر على أجزاء أخرى من الجسم. يُعرف أيضًا بالسل، وهو ناتج عن عدوى بكتيرية تحدث بسبب بكتيريا تُسمى المتفطرة السلية (Mycobacterium tuberculosis). يعتبر الدرن من الأمراض التي تصنف ضمن الأمراض المعدية المزمنة، ويؤثر بشكل رئيسي على الجهاز التنفسي، لكنه يمكن أن يُصيب أي جزء آخر في الجسم مثل الكلى، العظام، والأمعاء.
تاريخ الدرن وأهمية تشخيصه المبكر
لقد كان الدرن واحدًا من أكثر الأمراض المهددة للحياة عبر التاريخ، فقد سجلت آثار لوجوده في العديد من الحضارات القديمة، حيث وُجدت أدلة على إصابة المصريين القدماء بالسل عبر الفحص العظمي في المومياوات. كانت الإصابات بالدرن في العصور الوسطى تؤدي إلى وفيات كبيرة نظرًا لعدم وجود علاجات فعالة في ذلك الوقت.
إلا أن التقدم في العلوم الطبية في القرن العشرين قد أحدث نقلة كبيرة في التعامل مع هذا المرض، حيث تم اكتشاف علاج فعّال لمرض الدرن يتمثل في مجموعة من الأدوية التي تساهم في القضاء على البكتيريا المسببة للمرض. ومن أهم هذه الأدوية الأيزونيازيد و الريفامبيسين، حيث تمثل العلاج الأساسي للدرن وتساهم في تقليل معدلات الوفيات المرتبطة به بشكل كبير. ولكن مع ذلك، لا يزال المرض يشكل تهديدًا صحيًا في العديد من دول العالم، خاصة في المناطق النامية.
كيف ينتقل الدرن؟ وهل هو معدي؟
الدرن هو مرض معدٍ ينتقل من شخص لآخر عن طريق الهواء. ينتقل المرض عندما يسعل الشخص المصاب بالدرن النشط أو يعطس أو حتى يتحدث. في تلك اللحظات، تنطلق جزيئات من البكتيريا في الهواء. وإذا استنشق الشخص السليم هذه الجزيئات، فإنه قد يصاب بالعدوى. تعتبر فترات الاتصال الطويلة والمستمرة مع الشخص المصاب عاملاً رئيسياً في انتقال المرض، خاصة في الأماكن المغلقة أو المزدحمة مثل السجون والمستشفيات وأماكن العمل.
من المهم التوضيح هنا أن الدرن غير معدي في المراحل المبكرة، حيث قد لا يكون الشخص المصاب قادرًا على نقل العدوى إلا في حال كان الدرن في مرحلة نشطة. أما في حال كان المرض في مرحلته الكامنة (حيث تكون البكتيريا موجودة في الجسم ولكن لا تُسبب أعراضًا أو عدوى)، فالشخص المصاب لا يكون معديًا.
أعراض مرض الدرن
تظهر أعراض الدرن غالبًا بشكل تدريجي، وقد تكون غير واضحة في البداية، ما قد يؤدي إلى تأخير التشخيص والعلاج. ومن بين أبرز الأعراض التي قد يعاني منها المصاب بالدرن:
-
السعال المستمر: يعتبر السعال لفترة طويلة (أكثر من ثلاثة أسابيع) من الأعراض الرئيسية للدرن.
-
الحمى الخفيفة أو الحمى المسائية: قد يعاني المرضى من ارتفاع درجة حرارة الجسم خاصة في فترة المساء.
-
التعرق الليلي: يواجه البعض مشكلة في النوم بسبب التعرق الشديد أثناء الليل.
-
فقدان الوزن: يكون فقدان الوزن غير المبرر من الأعراض الشائعة للدرن.
-
التعب والإرهاق العام: يشعر الشخص المصاب بحالة من التعب المستمر حتى مع الراحة.
-
الألم في الصدر: قد يكون مصاحبًا للسعال المتكرر، وقد يعاني البعض من ألم حاد عند التنفس العميق.
من الممكن أن يتسبب الدرن في أعراض إضافية إذا امتد إلى أجزاء أخرى من الجسم مثل الكلى أو العظام أو الدماغ، إلا أن معظم الحالات تكون متمركزة في الرئتين.
التشخيص والعلاج
يُعد التشخيص المبكر للدرن أمرًا بالغ الأهمية للحد من انتشاره. يتضمن التشخيص عدة اختبارات منها:
-
اختبار الجلد (اختبار مانتو): يتم حقن كمية صغيرة من المادة المسببة للدرن تحت الجلد، ومن ثم مراقبة مكان الحقن بعد 48 إلى 72 ساعة للكشف عن أي رد فعل.
-
الأشعة السينية على الصدر: تعتبر من أهم الفحوصات للكشف عن تلف الرئتين نتيجة للدرن.
-
زراعة البكتيريا أو فحص البلغم: حيث يتم جمع عينة من البلغم للتحقق من وجود بكتيريا المتفطرة السلية.
-
فحص الحمض النووي: يُستخدم للكشف عن وجود المادة الوراثية للبكتيريا في عينة البلغم أو الأنسجة.
العلاج يتمثل في تناول أدوية مضادة للبكتيريا بشكل منتظم، ويشمل علاجًا طويل الأمد قد يستمر من 6 إلى 9 أشهر. أحد العوامل الأساسية للشفاء هو الالتزام التام بالعلاج وتناول الأدوية حسب توجيه الطبيب. فالتوقف عن العلاج قبل المدة المحددة قد يؤدي إلى تطور مقاومة البكتيريا للأدوية.
الوقاية من الدرن
تتعدد طرق الوقاية من مرض الدرن، خاصة في البلدان التي تشهد انتشارًا مرتفعًا للمرض. تشمل الإجراءات الوقائية:
-
التطعيم ضد الدرن: يعتبر لقاح BCG (الذي يُعطى للرضع) أحد أهم وسائل الوقاية من الدرن، حيث يساعد في تقليل خطورة الإصابة بالمرض خاصة في السنوات الأولى من الحياة.
-
التشخيص المبكر والعلاج الفعّال: يشكل التشخيص المبكر والعلاج السريع أحد أهم الطرق للحد من انتقال العدوى إلى الآخرين.
-
تقليل التعرض للمرضى المصابين: من المهم أن يلتزم الأشخاص الذين يعانون من الدرن النشط بالعلاج الكامل وألا يتعرضوا للأماكن العامة أو المغلقة.
-
التهوية الجيدة في الأماكن المغلقة: بما أن الدرن ينتقل عبر الهواء، فإن تحسين التهوية في الأماكن المغلقة قد يقلل من خطر الإصابة.
-
ارتداء الكمامات: يساعد ارتداء الكمامات في الوقاية من انتقال العدوى بين الأفراد في الأماكن المزدحمة أو المغلقة.
أنواع الدرن
-
الدرن الرئوي: هو الشكل الأكثر شيوعًا للمرض، حيث يصيب الرئتين ويسبب السعال والحمى والعرق الليلي.
-
الدرن خارج الرئة: يُصيب أجزاء أخرى من الجسم مثل العظام، الكلى، الأمعاء، والدماغ. قد يكون أقل شيوعًا، لكنه قد يكون أكثر صعوبة في التشخيص والعلاج.
مقاومة الدرن
من أكبر التحديات التي يواجهها العالم اليوم هو مقاومة المتفطرة السلية للأدوية. تحدث هذه المقاومة عندما لا يستجيب المريض للأدوية الموصوفة له، مما يؤدي إلى الحاجة إلى أدوية أقوى وأغلى، وقد يستمر العلاج لفترات أطول. الدرن المقاوم للأدوية يُعد تهديدًا عالميًا رئيسيًا للصحة العامة، وهو يتطلب استراتيجيات خاصة لمكافحته.
الخلاصة
الدرن هو مرض معدي ناتج عن بكتيريا المتفطرة السلية التي تؤثر بشكل رئيسي على الرئتين، وقد يمتد تأثيره إلى باقي أجزاء الجسم. ينتقل المرض عن طريق الهواء من شخص لآخر عند السعال أو العطس. يعتبر التشخيص المبكر والعلاج المناسب من الأدوية الأساسية الوسائل الفعّالة في مكافحة المرض. يعد الالتزام بالعلاج والوقاية من أهم عوامل الحد من انتشار المرض. وعلى الرغم من التقدم الكبير في علاج الدرن، لا يزال هذا المرض يمثل تحديًا صحيًا، خاصة في البلدان النامية والمناطق التي تعاني من مشكلات في الوصول إلى الرعاية الصحية المناسبة.
