ما بعد الحقن المجهري: رحلة ما بعد الزرع إلى الولادة وما بعدها
تُعد عملية الحقن المجهري واحدة من أعقد وأدق تقنيات التلقيح المساعد، وهي تمثل أملاً كبيرًا للعديد من الأزواج الذين يعانون من العقم أو تأخر الإنجاب. لكن النجاح لا يُقاس فقط بإتمام عملية الإخصاب أو نقل الجنين إلى الرحم، بل بما يلي ذلك من مراحل دقيقة ومهمة وحاسمة في مسار الحمل. في هذا المقال، يتم تناول كافة ما يتعلق بمرحلة “ما بعد الحقن المجهري”، بدءًا من الأيام الأولى بعد نقل الأجنة، مرورًا بمتابعة الحمل ومضاعفاته المحتملة، وصولاً إلى الولادة، مع توضيح الجوانب النفسية والجسدية والطبية.
اليوم الأول بعد نقل الأجنة
بعد إتمام نقل الأجنة إلى الرحم، يبدأ الجسم بالدخول في مرحلة حرجة وحساسة للغاية. يُوصى المريضة بالراحة النسبية، وتجنب النشاطات العنيفة أو المجهدة. ورغم أن بعض الأطباء لا يفرضون الراحة التامة، إلا أن التوازن بين الراحة والحركة الطفيفة ضروري لضمان استقرار الوضع.
في هذه المرحلة، تبدأ الخلايا المزروعة بمحاولة الانغراس داخل بطانة الرحم، وهي عملية تستغرق عادة بين 5 إلى 7 أيام. ويمكن أن تحدث بعض الأعراض الطفيفة مثل التقلصات أو النزيف الخفيف، والتي قد تكون مؤشرًا على بدء الانغراس.
التغيرات الهرمونية بعد الحقن المجهري
بمجرد نقل الأجنة، يبدأ الجسم بالتفاعل مع الجرعات الهرمونية التي تم إعطاؤها أثناء مرحلة التحفيز، بالإضافة إلى الدعم الهرموني المستمر بعد النقل. البروجيستيرون، على وجه الخصوص، يُعطى غالبًا عن طريق الحقن أو التحاميل المهبلية للحفاظ على بطانة الرحم وتثبيت الجنين.
هذه الهرمونات قد تسبب العديد من الأعراض مثل الغثيان، ألم في الثديين، تقلبات المزاج، والشعور بالإرهاق. وغالبًا ما تُشبه هذه الأعراض أعراض الحمل المبكرة، مما يجعل من الصعب التفريق بينها وبين التغيرات الطبيعية بعد الزرع.
اختبار الحمل بعد الحقن المجهري
عادةً ما يُنصح بإجراء اختبار الحمل بعد 12 إلى 14 يومًا من نقل الأجنة، ويكون ذلك عن طريق فحص الدم لمستوى هرمون الـ hCG. ويُعتبر هذا الفحص الأكثر دقة لتأكيد حدوث الحمل. في حال كانت النتيجة إيجابية، يُطلب من المريضة إعادة الفحص بعد 48 ساعة لقياس مدى تضاعف مستوى الهرمون، مما يعطي مؤشرًا أوليًا حول تطور الحمل.
أعراض الحمل بعد نجاح الحقن المجهري
بمجرد تأكيد الحمل، تبدأ الأعراض بالظهور بشكل تدريجي وتشمل:
-
الغثيان الصباحي
-
الإرهاق الشديد
-
التبول المتكرر
-
تغيرات في الشهية والمزاج
-
ألم خفيف في البطن والثديين
تختلف شدة هذه الأعراض من امرأة لأخرى، ولكن وجودها يُعد دليلاً على التغيرات الهرمونية الطبيعية في بداية الحمل.
متابعة الحمل بعد الحقن المجهري
نظرًا لأن الحمل الناتج عن الحقن المجهري يُعتبر عالي الخطورة نسبيًا، تتطلب المتابعة الطبية اهتمامًا خاصًا. تُجرى سلسلة من الفحوصات خلال الأشهر الأولى لتقييم نمو الجنين، وتشمل:
-
السونار المهبلي: يُستخدم لتحديد وجود كيس الحمل وموقعه، والتأكد من عدم وجود حمل خارج الرحم.
-
فحص نبض الجنين: يبدأ عادة في الأسبوع السادس.
-
اختبارات الدم: لمراقبة مستويات الهرمونات والبحث عن أي علامات عدوى أو مشكلات أخرى.
وتستمر المتابعة خلال الحمل بأكمله بفحوصات دورية لتقييم تطور الجنين، حجم الرحم، كمية السائل الأمينوسي، ووضعية المشيمة.
المخاطر المحتملة بعد الحقن المجهري
رغم التقدم الكبير في تقنيات الحقن المجهري، إلا أن هناك بعض المخاطر المرتبطة بالحمل الناتج عن هذه التقنية، وتشمل:
الحمل المتعدد
نقل أكثر من جنين واحد يزيد من احتمال الحمل بتوأم أو أكثر، وهو ما يرفع من معدلات الولادة المبكرة ومضاعفات الحمل مثل تسمم الحمل وسكري الحمل.
الحمل خارج الرحم
رغم ندرة حدوثه، إلا أن الحمل خارج الرحم يظل من المخاطر المحتملة، وخاصة إذا تم نقل الأجنة إلى مواضع قريبة من قناة فالوب.
الإجهاض
تكون معدلات الإجهاض أعلى نسبيًا في حالات الحمل الناتجة عن التلقيح المساعد مقارنة بالحمل الطبيعي، خاصة خلال الثلث الأول من الحمل.
الحالة النفسية بعد الحقن المجهري
تلعب العوامل النفسية دورًا كبيرًا في نجاح الحقن المجهري واستقرار الحمل. تتعرض المرأة لمستويات عالية من التوتر والقلق، خاصة خلال فترة الانتظار بعد نقل الأجنة وقبل تأكيد الحمل. كما أن الخوف من الفشل أو الإجهاض يشكل ضغطًا نفسيًا كبيرًا.
الدعم النفسي من الأسرة، والشريك، والمحيط الطبي، ضروري جدًا في هذه المرحلة. كما أن بعض الحالات قد تستدعي الاستعانة بمعالج نفسي لمساعدة المريضة على التكيف.
الاستعداد للولادة بعد الحقن المجهري
مع اقتراب موعد الولادة، يتم تقييم حالة الجنين والأم لتحديد الطريقة المثلى للولادة. في كثير من الحالات يُوصى بالولادة القيصرية، خصوصًا في حال وجود توائم، أو تاريخ طبي معين، أو ضعف في المشيمة أو عنق الرحم. أما في حال الحمل المفرد وتطور الجنين بشكل طبيعي، فيمكن للولادة الطبيعية أن تكون خيارًا آمنًا.
الجدول التالي يلخص الفحوصات والمتابعات الأساسية خلال مراحل ما بعد الحقن المجهري:
| المرحلة الزمنية بعد النقل | الفحوصات والإجراءات | الهدف |
|---|---|---|
| اليوم 1 – 7 | الراحة النسبية، مراقبة الأعراض | تثبيت الأجنة ومراقبة الانغراس |
| اليوم 12 – 14 | فحص دم لهرمون hCG | تأكيد حدوث الحمل |
| الأسبوع 6 – 8 | سونار مهبلي | التأكد من وجود كيس الحمل ونبض الجنين |
| الثلث الأول من الحمل | فحوصات دم، متابعة الهرمونات، تصوير دوري | مراقبة تطور الجنين واكتشاف المشكلات المبكرة |
| الثلث الثاني والثالث | متابعة تطور الجنين، سونار رباعي الأبعاد، اختبارات سكر الدم وضغط الدم | تقييم نمو الجنين وتحديد خطة الولادة |
ما بعد الولادة
بعد الولادة، يجب أن تستمر المتابعة الطبية للأم والرضيع، خاصةً إذا كانت الولادة قيصرية أو إذا كانت هناك مضاعفات سابقة. يتم مراقبة الرضاعة، والحالة النفسية، ومستويات الحديد في الدم، والتعافي الجسدي.
الأمهات اللواتي خضعن للحقن المجهري غالبًا ما يشعرن بضغط نفسي بعد الولادة نتيجة التعب والإرهاق والخوف من فقدان الجنين أو الوليد، لذا فإن الدعم المستمر في هذه المرحلة لا يقل أهمية عن مراحل الحمل السابقة.
المصادر:
-
Practice Committee of the American Society for Reproductive Medicine. Optimizing natural fertility. Fertil Steril. 2017.
-
ESHRE Guidelines. Management of women with recurrent pregnancy loss. European Society of Human Reproduction and Embryology, 2018.
