ماذا يُسمى من فقد أمه؟
من أعمق وأشد التجارب التي قد يمر بها الإنسان في حياته هي فقدان الأم، تلك الكائن الرؤوف الذي يحمل في قلبه الرحمة والمودة لأبناءه، والتي تبقى في ذاكرة طفلها رمزًا للأمان والحماية. ومن هذا المنطلق، يطرح السؤال: ماذا يسمى من فقد أمه؟ وما هو تأثير هذا الفقدان على الفرد، كيف يتعامل مع هذه الخسارة، وما هي المسميات الثقافية والدينية التي يرتبط بها هذا الموضوع؟
الوفاة وفقدان الأم: الألم والمصير المشترك
فقدان الأم يعد واحدًا من أكثر التجارب إيلامًا التي قد يواجهها الإنسان في حياته. فالأم هي أول من يزرع في نفس الطفل حب الحياة والأمل، وهي أساس تطوره النفسي والجسدي، وعند رحيلها، يشعر الطفل بشعور عميق من الفراغ والضياع. على الرغم من أن كل من فقد أمَّه يمر بتجربة فريدة، إلا أن الألم الناتج عن هذا الفقدان يعتبر واحدًا من أعمق أنواع الحزن الذي يواجه الإنسان، لا سيما إذا كان فقدان الأم في مرحلة مبكرة من الحياة.
ما يسمى من فقد أمه في بعض الثقافات
في الثقافة العربية، يمكن أن يُطلق على الشخص الذي فقد أمه مصطلح “يتيم” ولكن هناك بعض الملاحظات على هذا المصطلح. فـ “اليتم” في اللغة العربية يشير بشكل عام إلى فقدان الأب أو الأم، وعلى الرغم من أن كلمة “يتيم” ترتبط في الغالب بفقدان الأب، إلا أنها في بعض السياقات قد تشمل من فقد أمه أيضًا. في هذا السياق، يتم استخدام مصطلح “يتيم الأم” أو “يتيمة الأم” للإشارة إلى من فقد أمه، ولكن يبقى هذا الاستخدام أقل شيوعًا في الخطاب اليومي مقارنة بالحديث عن “اليتم” كحالة فقدان الأب.
العواطف والمشاعر الناتجة عن فقد الأم
فقد الأم ليس مجرد حدث فوري يمر مرور الكرام، بل هو تجربة تستمر آثارها طيلة حياة الشخص. غالبًا ما يرافق فقدان الأم شعور عميق بالحزن الذي يتخذ أشكالًا متعددة، مثل الشعور بالوحدة، والفراغ، والقلق، وتضخم المشاعر العاطفية التي يصعب تفسيرها. وبدون وجود الأم كأحد الثوابت في حياة الفرد، قد يتساءل الشخص عن معناه وحقيقته في هذا العالم.
يظهر التأثير النفسي بشكل واضح خاصة إذا كانت الأم قد رحلت في مرحلة مبكرة من العمر. في هذا الوقت، يحتاج الطفل إلى أسس ورغبات حنانها ورعايتها، لكن مع رحيلها يظل الإحساس بالافتقاد مستمرًا، فيتطلب الأمر من الأفراد الآخرين في الأسرة أن يقوموا بتعويض هذا النقص.
المراحل النفسية في التعامل مع فقدان الأم
يتعامل الأفراد مع فقدان الأم بشكل مختلف، ويعتمد هذا على عوامل عدة منها السن، وتاريخ العلاقة مع الأم، وطبيعة البيئة المحيطة. وقد عبر علماء النفس عن بعض المراحل التي يمر بها الفرد عند مواجهة هذا الفقد:
-
إنكار الواقع: هذه المرحلة تكون غالبًا في بداية الخبرة بفقدان الأم، حيث يصعب على الشخص تصديق حقيقة أن الأم قد رحلت. في بعض الأحيان، قد يتنكر الشخص لهذه الحقيقة عن طريق أمل غير واقعي في عودة الأم.
-
الغضب: بعد مرحلة الإنكار، يبدأ الشخص في الشعور بالغضب العميق، سواء على نفسه أو على الآخرين أو حتى على الظروف التي أدت إلى فقدان الأم. قد يشعر الشخص بالغضب من الحياة نفسها لكونها سلبت منه أهم إنسان في حياته.
-
الرفض: في هذه المرحلة، قد يشعر الشخص بالرفض التام لفكرة العيش بدون أمه. وهذا الشعور يرافقه العديد من المشاعر السلبية مثل الوحدة والشعور بالانكسار.
-
التفاوض أو التمني: يحاول الشخص أحيانًا التفاوض مع نفسه أو مع القدر عبر أحلام أو أفكار تمنح الأمل في عودة الأم أو في وجود شيء يمكن أن يعيد إليها الحياة.
-
القبول: أخيرًا، وبعد معركة طويلة مع الحزن، يبدأ الشخص في قبول الواقع والتكيف مع الحياة من دون الأم. وهذا لا يعني نسيان الأم، بل التأقلم مع غيابها وإيجاد طريقة للتعايش مع الحزن المستمر.
الأم في الإسلام: مكانة عظيمة وتأثير طويل الأمد
لقد أكدت الشريعة الإسلامية على مكانة الأم ودورها الكبير في حياة أبنائها. فقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تتحدث عن الأم وفضلها، وخاصة في سياق البر بها ووجوب الاعتناء بها. فقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة لقمان: “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ” (لقمان: 14).
ومن هذه الآية نجد أن الإسلام قد أظهر عناية بالغة بالأم وجعل برها فوق الكثير من الواجبات الدينية الأخرى. وفي الحديث النبوي الشريف، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك”. وهذا يدل على مدى أهمية الأم في الإسلام، إذ أن الجنة تحت قدميها كما ورد في العديد من الأحاديث، مما يعزز مكانتها ويجعل فقدانها أمرًا صعبًا جدًا على المسلمين.
تأثير فقدان الأم على العلاقة بين الأبناء والأب
فقدان الأم له تأثير كبير أيضًا على العلاقة بين الأبناء والأب. في بعض الحالات، قد يعاني الأب من صعوبة في ملء الفراغ الذي تركته الأم، ويشعر الأبناء بعدم وجود الشخص الذي يوفر لهم الأمان والحنان. في هذه الحالة، تتطلب العلاقة بين الأب والأبناء توازنًا دقيقًا بين المسؤوليات العاطفية والنفسية التي يتطلبها هذا الوضع.
قد يجد الأب نفسه مضطرًا إلى لعب دور الأم بشكل جزئي، مما يخلق ضغوطًا إضافية عليه، بينما يبقى الأبناء في حاجة إلى الدعم العاطفي والاجتماعي الذي يمكن أن يعوض جزءًا من فقدانهم للأم.
الختام
فقدان الأم ليس مجرد حدث عابر، بل هو تجربة حياة مليئة بالحزن، والفراغ، والذكريات. في ثقافات عديدة، يعتبر من فقد أمه “يتيمًا”، ولكن لا يتم ربط هذا الفقد بتسمية معينة في بعض الحالات، فيعتمد المصطلح على السياق الثقافي والديني. في النهاية، يبقى فقدان الأم تجربةً قاسية، تؤثر في الإنسان وتغير مجرى حياته، لكن تبقى ذكراها الحية في قلوب الأبناء، وسينعكس ذلك على شخصيتهم وأسلوب حياتهم.
