عندما نتحدث عن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وتشكيلها كدولة، فإننا لا نستطيع إلا أن نلقي نظرة عميقة على الرجال الذين كانوا وراء هذه العملية التاريخية الكبيرة. فالآباء المؤسسون، كما يُعرفون، لهم مكانة خاصة في قلوب الأمريكيين وفي ذاكرتهم الجماعية. تساءل الكثيرون عن السبب وراء هذا الاهتمام الكبير بالآباء المؤسسين، خاصة عندما نقارن بينهم وبين شخصيات تاريخية أخرى في دول أخرى. فلماذا لا يتساءل الفرنسيون، على سبيل المثال، “ماذا كان سيفعل نابليون؟” الجواب يكمن في دور الآباء المؤسسين في بناء الأمة الأمريكية ووضع قوانينها ومبادئها الأساسية. إذ إنهم ليسوا فقط الشخصيات التاريخية، بل هم الفعّالون الرئيسيون الذين قادوا الثورة، وصياغة الوثائق الأساسية للبلاد مثل إعلان الاستقلال والدستور، وإدارة البلاد في فترتها الأولى حينما كانت لا تزال تحت الضمان ويمكن إرجاعها إلى المصنع في حالة العيوب.
يركز الكاتب ريتشارد بروكهايزر في كتابه “ماذا سيفعل الآباء المؤسسون؟” على تلك الأسئلة التي نطرحها اليوم، ويحاول تصوّر كيف كانوا سيتصرفون أو يفكرون في المواقف والقضايا الراهنة. فماذا لو كان هميلتون على قيد الحياة الآن، ماذا كان سيفكر فيما يتعلق بالتجارة الحرة؟ وكيف سيتفاعل فرانكلين مع الاهتمام الوطني بالقيم؟ وماذا سيقول واشنطن بخصوص قضية المثليين في الجيش؟
وبالفعل، تتنوع القضايا التي يتناولها الكاتب في كتابه، بدءًا من مكافحة الإرهاب وصولاً إلى حقوق المرأة ومرورًا بسيطرة السلاح. يكشف بروكهايزر عن الأسباب التي تجعلنا ما زلنا نلتفت إلى الآباء المؤسسين في لحظات الصراع أو الهزيمة أو السخرية، تمامًا كما فعل أساطير أمريكية أخرى مثل لينكولن وروزفلت ومارتن لوثر كينج جونيور وبيل كلينتون قبلنا.
إن كتاب “ماذا سيفعل الآباء المؤسسون؟” يمزج بين البلاغة والذكاء والفكاهة، مستفيدًا من معرفته العميقة بالتاريخ الأمريكي. ويتحدّى بروكهايزر قرّاءه للتفكير والتصرّف بالوضوح الذي جلبه الآباء المؤسسون إلى مهمة بناء بلد ديمقراطي. اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى هؤلاء الشخصيات التي خلقت أمريكا – المتجادلين، الواسعين في النطاق، والمتعلمين الذين يعرفون كل شيء – لمساعدتنا في حل المشكلات التي تهدد بتقسيمنا.