هو علي أكبر بن محمد حسين النهاوندي
في هذا المقال الموسع، سيتم تقديم دراسة تاريخية وبحثية مفصلة وشاملة حول شخصية العالم والمؤلف الشيعي الإيراني الشهير الشيخ علي أكبر بن محمد حسين النهاوندي الخراساني (1278 هـ – 1369 هـ)، مع التركيز بشكل خاص على مؤلفه الأبرز والأكثر شهرة في الوسط الشيعي «خزينة الجواهر ولمعات الأنوار». سنعرض بشكل تفصيلي وموضوعي المعلومات التاريخية والبيوغرافية حول المؤلف، وسنحلل بشكل موسع مضمون الكتاب، وظروف تأليفه، والقضايا التي ناقشها، كما سنتطرق لأهمية الكتاب ومكانته في المكتبة الشيعية، مع تضمين المراجع العلمية التاريخية الموثقة.
أولاً: المؤلف علي أكبر النهاوندي – حياته ونشأته ودراسته (1278هـ – 1369هـ):
الشيخ علي أكبر النهاوندي هو أحد علماء الشيعة الإثني عشرية المعروفين في إيران والعراق في أواخر القرن الثالث عشر وبدايات القرن الرابع عشر الهجري. وُلد في مدينة نهاوند الإيرانية عام 1278هـ (1861م تقريباً). ظهرت عليه علامات الذكاء والنبوغ منذ صغره، وقد عُرف بحرصه الشديد على طلب العلم والتعلم والاجتهاد في الدرس والتأليف.
بداية مشواره العلمي:
بدأ النهاوندي رحلته العلمية في مسقط رأسه نهاوند، ثم انتقل لمدن إيرانية كبرى مثل بروجرد وأصفهان لدراسة العلوم الشرعية مثل الفقه والأصول والفلسفة والمنطق. تتلمذ على يد كبار العلماء والفقهاء في عصره، مما مهد له الطريق للانفتاح على أفكار علمية عميقة ومنهجية صارمة.
هجرته إلى العراق:
في عام 1299هـ (1881م)، قرر النهاوندي التوجه إلى العراق، مركز الحوزات العلمية الشيعية الكبرى آنذاك، بهدف استكمال دراسته وتحصيل الاجتهاد، فسافر إلى سامراء حيث عُرفت بكونها حوزة كبيرة أسسها المرجع الشيعي الشهير السيد محمد حسن الشيرازي (صاحب فتوى التنباك الشهيرة)، وأقام ملازماً له لفترة من الزمن.
وقد كانت فترة إقامته في سامراء من أهم فترات حياته العلمية، حيث تعمق في دراسة الفقه وأصوله والكلام والفلسفة والتفسير.
انتقاله إلى النجف الأشرف:
في عام 1308هـ (1890م)، انتقل من سامراء إلى النجف الأشرف، مدينة العلم والعلماء الشيعة، حيث واصل تعليمه على أيدي كبار مراجع الشيعة، ومكث فيها حتى عام 1319هـ (1901م)، أي ما يقرب من 11 عاماً.
العودة إلى إيران والاستقرار في مشهد:
بعد هذه الفترة الطويلة في العراق، عاد الشيخ علي أكبر النهاوندي إلى وطنه إيران، حيث استقر فترة في مدن مختلفة، ليختار في النهاية مدينة مشهد المقدسة مقراً دائماً له بدءاً من عام 1327هـ (1909م)، فكانت مشهد نقطة تحول رئيسية في حياته، حيث كرَّس نفسه للبحث العلمي والتأليف.
توفي النهاوندي عام 1369هـ (1950م تقريباً)، مخلفاً إرثاً علمياً وثقافياً كبيراً.
ثانياً: التعريف بكتاب خزينة الجواهر ولمعات الأنوار:
من أشهر وأبرز مؤلفات الشيخ علي أكبر النهاوندي كتابه «خزينة الجواهر ولمعات الأنوار»، وهو كتاب يُصنف ضمن كتب التراث الشيعي التي تتناول فضائل النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين.
سبب تأليف الكتاب وأهميته لدى الشيعة:
يعتبر هذا الكتاب من المؤلفات المهمة لدى الكثير من أوساط الشيعة، حيث جمع فيه النهاوندي ما يعتقده من روايات وأحاديث وأخبار تتحدث عن معجزات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكرامات أهل البيت (عليهم السلام)، كما يشتمل الكتاب على ذكر القصص والروايات التاريخية التي تهدف إلى تعزيز مكانة النبي محمد وآله عند القراء.
محتويات الكتاب وأبوابه:
ينقسم الكتاب إلى عدة فصول وأبواب، كل باب يتحدث عن موضوع محدد. من هذه المواضيع:
- ذكر فضائل النبي وأهل بيته.
- ذكر المعجزات والكرامات.
- قصص من حياة أهل البيت.
- باب مخصوص في فضل الصلاة على محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
- روايات عن البركات التي تنزل بذكر النبي وأهل بيته.
وقد حظي الكتاب بشهرة بين الأوساط الشعبية الشيعية أكثر من الأوساط العلمية المتخصصة، وهو ما جعل الكتاب محل تداول وانتشار، لاسيما في الأوساط التي تفضل القراءة الأدبية الروحية ذات البعد الأخلاقي والتربوي.
ثالثاً: نظرة نقدية منهجية حول الكتاب والروايات الواردة فيه:
على الرغم من المكانة الشعبية لهذا الكتاب، إلا أن العلماء المتخصصين في علم الحديث عند الشيعة الإمامية يخضعون أي رواية أو خبر للتحليل المنهجي الدقيق من حيث:
- التحقق من صحة السند:
الروايات التي يوردها النهاوندي في الكتاب، من الناحية المنهجية العلمية المتشددة، لا تمتلك جميعها أسانيد محققة أو واضحة في كثير من الأحيان، وبعض الروايات لا تخلو من ضعف في الإسناد، مما يجعلها عرضة للنقد العلمي. - التقييم المتني:
يرى العديد من علماء الشيعة المتخصصين ضرورة نقد المتن، حيث بعض الروايات تحتوي على تفاصيل تخالف مبادئ العقل والمنطق الطبيعي، كحديث النحلة الشهير المذكور أعلاه. فمثل هذه القصص، وإن كانت ذات طابع تربوي رمزي، إلا أنها ليست مقبولة في الأوساط العلمية الدقيقة كحقيقة تاريخية أو علمية مطلقة، وإنما تُقبل على أنها ذات رمزية أدبية أو تربوية عند من يقتنعون بها. - مكانة الكتاب في التراث الشيعي:
الكتاب يبقى في نظر الأوساط العلمية الشيعية كتاباً في المرويات الشعبية، ليس مرجعاً أساسياً للفقه أو العقيدة، ولكنه مهم من الناحية الثقافية والتربوية والأخلاقية في الأوساط العامة.
رابعاً: الجدل حول بعض الروايات كقصة النحلة:
قصة النحلة المذكورة في الكتاب، والتي تقول إن النحلة تحدثت مع النبي حول سبب حلاوة العسل، من أبرز ما أثار جدلاً وانتقادات من قبل علماء ومفكرين من خارج الأوساط الشيعية، بل وحتى من علماء الشيعة أنفسهم، بسبب مخالفتها المنطق العلمي من جهة، وعدم وجود إسناد تاريخي معتبر لها من جهة أخرى.
يعتبر العقل العلمي الموضوعي أن حلاوة العسل ناتجة عن عمليات كيميائية وبيولوجية مثبتة، ولا علاقة لها بذكر أسماء أو غيرها، لكن تبقى القصة ضمن الأدبيات الرمزية والفلكلورية الشعبية الشيعية، وليست موضع اعتقاد علماء الدين المتخصصين.
خامساً: القيمة العلمية والتاريخية للكتاب:
على الرغم من الجدل العلمي حول بعض مضامينه، لا يُمكن إغفال القيمة التاريخية والأدبية والثقافية لكتاب «خزينة الجواهر ولمعات الأنوار»، فهو يُمثل نموذجاً للأدب الديني الشعبي، ويُعتبر مرجعاً هاماً لدراسة الأفكار والعادات والثقافات الشعبية في المجتمع الشيعي في إيران والعراق خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.
سادساً: خاتمة المقال:
في ختام هذه الدراسة التفصيلية الطويلة، نستنتج أن مؤلف كتاب «خزينة الجواهر ولمعات الأنوار» هو العالم الشيعي الإيراني الشيخ علي أكبر بن محمد حسين النهاوندي، وهو شخصية دينية معروفة لها مكانة خاصة في الأوساط الشيعية. ويظل كتابه هذا من أهم أعماله وأشهرها على الإطلاق، محتفظاً بقيمته الأدبية والشعبية والتاريخية، مع أهمية إخضاع مروياته للنقد العلمي والمنهجي والموضوعي.
المراجع:
- أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، بيروت.
- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، أغا بزرگ الطهراني.
- معجم رجال الحديث، السيد الخوئي.
- موسوعة مؤلفي الإمامية، علي الفاضلي.
- تراجم أعلام الشيعة في القرن الرابع عشر، الشيخ محمد حرز الدين.
