مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة
تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أبرز الدول في منطقة الخليج العربي والعالم، وذلك بفضل النهضة الشاملة التي شهدتها منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا. تعود قصة تأسيس هذه الدولة إلى رؤية ثاقبة وحكمة مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي استطاع بفضل إرادته القوية وحكمته السياسية أن يحوّل مجموعة من الإمارات الصغيرة إلى دولة واحدة قوية وموحدة ذات تأثير كبير في الساحة الدولية.
في هذا المقال، سوف نتناول قصة مؤسس دولة الإمارات، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وكيف تمكن من بناء دولة من لا شيء، وأهم الإنجازات التي حققها في مسيرته الطويلة والمليئة بالتحديات.
المولد والنشأة:
وُلد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في 6 مايو 1918 في مدينة أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة. وكان ينتمي إلى أسرة آل نهيان الحاكمة في إمارة أبوظبي. نشأ في بيئة صحراوية قاسية، وتلقى تعليمه الأول في الكتاب، حيث تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم. وعندما كان في سن مبكرة، بدأ يشهد العديد من التطورات السياسية والاجتماعية التي كانت تمر بها المنطقة.
تأثر الشيخ زايد بن سلطان بشكل كبير بالبيئة التي نشأ فيها. فقد كانت الحياة في تلك الفترة في الإمارات قاسية، وكان غالبية السكان يعيشون في ظروف صعبة حيث يعتمدون على التجارة والصيد والغوص لاستخراج اللؤلؤ، وكان التعليم محدوداً والمرافق الأساسية غير متوفرة. وقد شكلت هذه الظروف التحديات التي واجهها في بداية حياته السياسية والاجتماعية.
صعوده إلى السلطة:
في عام 1926، تولى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إمارة أبوظبي بعد وفاة شقيقه الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان. ورغم أنه كان في بداية شبابه عند توليه الحكم، إلا أن حنكته وذكاءه ظهرا منذ اللحظات الأولى. استطاع أن يعزز سلطته ويجلب الاستقرار لإمارة أبوظبي التي كانت تمر بفترة من الفوضى والاضطرابات.
حرص الشيخ زايد على تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للإمارة. بدأ في تنفيذ عدد من المشاريع الإنمائية التي أسهمت في تطور أبوظبي وتحسين حياة سكانها. ومن أبرز هذه المشاريع، إنشاء بنية تحتية قوية تشمل الطرق والمدارس والمستشفيات، وهو ما كان غائباً في تلك الفترة. كما استطاع أن يحقق استقراراً سياسياً، مما جعله محط إعجاب واحترام العديد من زعماء المنطقة.
رؤية التوحيد:
على الرغم من أن الإمارات السبع كانت تحكم بشكل منفصل، إلا أن الشيخ زايد كان يمتلك رؤية طويلة المدى للوحدة الخليجية والعربية. كان يرى أن وحدتها السياسية هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والازدهار. ولذا، كان يسعى جاهداً لإيجاد إطار سياسي يسمح لهذه الإمارات بالتوحد دون التفريط في هويتها الثقافية والاقتصادية الخاصة.
وكان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يعي تماماً التحديات التي قد تواجهه في مسألة التوحيد. فقد كانت كل إمارة تتمتع بحكم شبه مستقل، ولها مصالحها الخاصة. ومع ذلك، استطاع بفضل حكمته وعلاقاته الطيبة مع حكام الإمارات الأخرى أن يفتح النقاشات المتعلقة بالتوحيد.
في عام 1971، شهدت المنطقة تحولات كبيرة بعد خروج البريطانيين من المنطقة. كانت الإمارات السبع، وهي أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان والفجيرة وأم القيوين، بحاجة إلى الوحدة لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية. هنا ظهر دور الشيخ زايد الذي بدأ في إقناع الحكام الآخرين بأهمية التوحيد من خلال الحوار والمفاوضات المستمرة. وفي 2 ديسمبر 1971، تم الإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وتوحدت الإمارات السبع تحت راية واحدة.
الإنجازات بعد التوحيد:
بعد تأسيس الدولة، بدأت الإمارات تشهد طفرة هائلة في جميع المجالات. كان الشيخ زايد يولي أهمية كبيرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقد تبنى سياسات تنموية شاملة. ومن أبرز إنجازاته:
-
الاقتصاد والنفط:
كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مدركاً تماماً لأهمية النفط كمورد اقتصادي رئيسي. ورغم أن الدولة كانت قد حققت بعض التقدم في مجال النفط في السبعينات، إلا أن الشيخ زايد عمل على استغلال هذا المورد لصالح جميع المواطنين. أسس العديد من المشاريع النفطية والاقتصادية التي أسهمت في بناء البنية التحتية للدولة. -
البنية التحتية والتعليم والصحة:
بدأت الإمارات تشهد في فترة حكمه طفرة في البنية التحتية، حيث تم بناء الطرق والجسور والمطارات والموانئ. كما قام الشيخ زايد بتطوير قطاع التعليم، وكان يولي اهتماماً خاصاً لتعليم الفتيات، ليحقق بذلك إنجازات هائلة في مجال التعليم الذي أصبح في صدارة الأولويات. كما اهتم بقطاع الصحة من خلال إنشاء المستشفيات والمراكز الصحية الحديثة. -
السياسة الخارجية:
اعتمد الشيخ زايد سياسة خارجية حكيمة قائمة على الانفتاح والتعاون مع الدول العربية والعالمية. كان يعبر دائماً عن موقف الإمارات الثابت في دعم القضايا العربية والعالمية، خاصة القضايا الفلسطينية والعراقية. كما عمل على تعزيز العلاقات الثنائية مع الدول الكبرى. -
الاستدامة والبيئة:
كانت البيئة أحد أولويات الشيخ زايد، حيث أنشأ العديد من المشاريع للحفاظ على البيئة الصحراوية، مثل زراعة الأشجار والنباتات الصحراوية وتطوير المحميات الطبيعية. كان يسعى لتوفير بيئة صحية ومناسبة للأجيال القادمة.
الإرث السياسي والإنساني:
لقد كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قائداً حكيمًا، وله تأثير عميق في داخل الإمارات وفي الخارج. وبعد تأسيس الدولة، تولى مسؤولية الحكم برؤية شاملة للنهضة الوطنية، مؤمناً بأن الوحدة لا تعني فقدان الهوية، بل هي طريق لتحقيق التقدم. ورغم أنه خسر جزءاً كبيراً من قدراته السياسية بعد أن كبرت الإمارات وتعددت المسؤوليات، إلا أن الشيخ زايد ظل يحظى بشعبية كبيرة بين المواطنين والمقيمين، حيث كان يُنظر إليه كأب لكل أبناء الإمارات.
في الختام، لا يمكن الحديث عن مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة دون ذكر حكمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ورؤيته الثاقبة التي قادت دولة الإمارات إلى مكانتها الحالية على الساحة العالمية. لقد ترك الشيخ زايد إرثًا كبيرًا، ليس فقط في مجال السياسة والاقتصاد، بل في مجالات التنمية الاجتماعية والتعليمية والصحية، مما جعل الإمارات نموذجاً يحتذى به في المنطقة والعالم.
