لماذا لا نرى النجوم نهارًا؟

لماذا لا نرى النجوم في النهار؟

النجوم هي الأجرام السماوية التي تضيء السماء وتعد جزءًا من المشهد الفلكي الذي لا يُمل من مشاهدته. ففي الليل، تتزين السماء بتلك النقاط اللامعة التي يراها الجميع، وقد ألهمت البشر على مر العصور. لكن ما الذي يجعلنا لا نراها في النهار رغم أنها موجودة؟ هذا السؤال قد يبدو بسيطًا في ظاهره، ولكن الإجابة عليه تتطلب فهمًا دقيقًا للظواهر الطبيعية التي تحدث في الغلاف الجوي وعلاقة ذلك بالأشعة الضوئية التي تصل إلينا من النجوم.

1. الضوء الشمسي وتشتت الضوء

أهم عامل في عدم رؤية النجوم خلال النهار هو الضوء الساطع من الشمس. الشمس هي أقرب نجم إلينا، وتبعث كمية ضخمة من الضوء الذي يعبر الغلاف الجوي للأرض. هذا الضوء، بالإضافة إلى طيفه الواسع من الألوان، يُشتت في جميع الاتجاهات بسبب جزيئات الهواء الموجودة في الغلاف الجوي، مثل الأوكسجين والنيتروجين. عملية تشتت الضوء هذه تُعرف باسم “تشتت رايلي” (Rayleigh scattering).

عندما يمر ضوء الشمس عبر الغلاف الجوي، يتفاعل مع جزيئات الهواء ويفقد جزءًا من طاقته. في هذه العملية، يتم توزيع الضوء الأزرق والأرجواني بشكل أكبر على طول السماء، مما يجعل السماء تظهر بلونها الأزرق المميز. نتيجة لذلك، يصبح الضوء الأزرق هو السائد، فيغطي السماء بالكامل ويغطي أي ضوء خافت آخر، بما في ذلك ضوء النجوم.

2. ضعف إشعاع النجوم مقارنة بشدة الشمس

عندما ننظر إلى السماء في النهار، نرى أن الشمس هي المصدر الرئيس للضوء. لكن النجوم، رغم أنها تضيء الكون، فإن شدة إشعاعها مقارنة بشدة ضوء الشمس تكون ضئيلة للغاية. النجوم في المجمل بعيدة جدًا عن كوكب الأرض، وأبعادها تعني أن ضوءها يتناثر ويضعف بشكل كبير على الرغم من أن الشمس تبدو كنقطة ضوء واحدة ساطعة.

وفي حين أن النجوم ليست ثابتة بل تقع في أماكن مختلفة في السماء، فإن ضوءها يتشتت بشكل ضعيف عند مرورها عبر الغلاف الجوي بسبب المسافة البعيدة. مقارنة بذلك، فإن ضوء الشمس الذي يأتي مباشرة من قرص الشمس يكون ساطعًا بشكل كافٍ ليتفوق على أي ضوء ضعيف آخر، بما في ذلك ضوء النجوم.

3. التوازن بين الضوء والظلام

إذا نظرنا إلى الظاهرة من زاوية أخرى، فإن فكرة الظلام في الليل هي التي تتيح لنا رؤية النجوم. في الليل، تندمج الظلال مع السماء المظلمة وتقل تأثيرات تشتت الضوء. هذه البيئة المظلمة هي التي تسمح لنا برؤية النجوم. بينما في النهار، يُضيء ضوء الشمس السماء بالكامل، مما يجعل النجوم تبدو خافتة جدًا وغير مرئية للعين البشرية. هذا يعني أنه ليس هناك توازن بين الضوء والظلام في النهار كما هو الحال في الليل.

4. تأثر العين البشرية بالإضاءة

العيون البشرية تتكيف مع مستوى الضوء الساقط عليها. في النهار، تكون أعيننا معتادة على التعرض للضوء الساطع، ولهذا فهي لا تكون حساسة بما يكفي لرؤية الأشياء الخافتة مثل النجوم. لكن في الليل، عندما ينخفض مستوى الضوء، تتكيف عيوننا مع الظلام وتصبح أكثر حساسية لرؤية الضوء الخافت القادم من النجوم.

يُقاس هذا التكيف بواسطة آلية التكيف العيني، حيث تقوم الخلايا في شبكية العين (وخاصة الخلايا المسماة بالعصويات) بزيادة حساسيتها تدريجيًا إلى الضوء الخافت. في بيئة ساطعة مثل النهار، تكون هذه الخلايا غير قادرة على اكتشاف الضوء الضعيف جدًا للنجوم.

5. تأثير الجو والظروف الجوية

الظروف الجوية تلعب دورًا كبيرًا في رؤية النجوم. في النهار، يكون الجو مشبعًا بالحرارة والرطوبة، مما يزيد من تشويش الضوء ويُصعب على العين البشرية رصد الأجرام السماوية البعيدة. على العكس من ذلك، في الليل، تكون الأجواء أكثر برودة وأكثر استقرارًا، مما يسمح بمرور الضوء بشكل أفضل.

الأحوال الجوية مثل الغيوم والغبار يمكن أن تؤثر أيضًا على الرؤية. ففي حالات معينة، قد تكون السماء غائمة أو مغطاة بالضباب، مما يجعل من الصعب على الضوء من النجوم أن يصل إلى سطح الأرض.

6. النجوم في السماء نهارًا

من المهم أن نلاحظ أن النجوم موجودة في السماء خلال النهار بالفعل، لكننا ببساطة لا نراها. على الرغم من أن ضوء الشمس يخفيها، فإن النجوم تشارك السماء مع الشمس طوال اليوم. هذا يعني أنه حتى في وقت الظهيرة، إذا كان بإمكاننا رؤية السماء من مكان مظلم جدًا أو باستخدام تقنيات حديثة، يمكننا ملاحظة النجوم بأجهزة متخصصة، مثل التلسكوبات. لكن من خلال العين المجردة، تُخفي الشمس ضوءها القوي إشعاع النجوم من رؤيتنا.

7. رؤية النجوم من الفضاء

إذا كنا بعيدين عن الغلاف الجوي للأرض، كما هو الحال مع رواد الفضاء، سنتمكن من رؤية النجوم طوال الوقت، سواء كان النهار أو الليل. في الفضاء، لا يوجد غلاف جوي ليتسبب في تشتت الضوء أو ليخفي النجوم. لهذا السبب، نرى النجوم بشكل واضح جدًا في الفضاء الخارجي، حتى عندما يتواجد ضوء الشمس بشكل مستمر.

8. الظواهر الفلكية الاستثنائية

قد تحدث بعض الظواهر الفلكية التي تمكننا من رؤية النجوم بشكل غير تقليدي في النهار. على سبيل المثال، أثناء الكسوف الشمسي، عندما يتوضع القمر بين الأرض والشمس، قد يصبح من الممكن رؤية بعض النجوم والكواكب التي تكون عادة غير مرئية في النهار بسبب تعتيم ضوء الشمس. ولكن، مع ذلك، هذه الظاهرة تكون نادرة للغاية ومؤقتة.

الخاتمة

إن غياب النجوم في النهار يعود إلى تفاعل معقد بين الضوء والشمس، والظروف الجوية، والتكيف البصري للعين البشرية. بينما تكون الشمس هي المصدر الرئيسي للضوء الذي يغطي السماء، فإن النجوم تظل موجودة ولكن لا يمكننا رؤيتها بسبب تشويش الضوء الساطع. في الليل، عندما يغيب ضوء الشمس، تصبح السماء مظلمة ويظهر ضوء النجوم بشكل أكثر وضوحًا.