لماذا سمي عيسى بالمسيح؟

لماذا سمي عيسى بالمسيح؟

يعد اسم “المسيح” من الألقاب التي ارتبطت بشخصية عيسى بن مريم عليه السلام، وهو لقب ذو دلالة دينية وثقافية عميقة، يشير إلى مكانة خاصة لهذا النبي الذي أرسل إلى بني إسرائيل. يثير هذا اللقب العديد من الأسئلة حول معناه وتاريخه ودلالاته، سواء في النصوص الدينية المسيحية أو في القرآن الكريم، وفي هذا المقال سنتناول أسباب تسمية عيسى بـ “المسيح”، سواء من المنظور الديني أو التاريخي أو اللغوي.

أولاً: المعنى اللغوي لاسم “المسيح”

كلمة “المسيح” في اللغة العربية مشتقة من الجذر “م-س-ح” الذي يعني المسح أو اللمس. وفي هذا السياق، تشير “المسيح” إلى معنى “الممسوح” أو “المعالج” أو “الملامس”. وقد وردت هذه الكلمة في اللغة العربية، ولكنها استخدمت بصورة خاصة في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية لتدل على شخصية عيسى بن مريم عليه السلام.

لكن هل هذه هي المعاني الوحيدة التي يحملها هذا اللقب؟ بالطبع لا، فالمسيح في السياق الديني يكتسب دلالات إضافية، إذ يختلف معنى اللقب بحسب المنظور المسيحي والقرآني.

ثانياً: المسيح في القرآن الكريم

في القرآن الكريم، وردت كلمة “المسيح” في عدة مواضع، وقد تم استخدامها في إشارة إلى النبي عيسى بن مريم عليه السلام. من بين الآيات التي ذكر فيها اسم المسيح، قوله تعالى:

“إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ” (آل عمران: 45).

ويظهر في هذه الآية أن المسيح هو أحد ألقاب عيسى، وهي لم تأتِ عبثًا، بل تم اختيارها بعناية لإبراز صفاته الخاصة. وقد يكون اللفظ في هذا السياق مرتبطًا بالقدرة الإلهية في علاج المرضى وشفائهم، كما أشار القرآن في قوله تعالى:

“وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ” (الشعراء: 80).

وفي السياق القرآني، يحمل هذا اللقب دلالات تتعلق بالشفاء والتطهير من الأوجاع والأمراض، وهي صفات تميز بها عيسى عليه السلام، فقد كان يبرئ الأكمه والأبرص، ويشفي المرضى بإذن الله.

ثالثاً: المسيح في المسيحية

في المسيحية، يعتبر لقب “المسيح” ذا أهمية كبيرة، فهو ليس مجرد لقب، بل يحمل دلالة على الرسالة الإلهية التي حملها عيسى بن مريم عليه السلام. في هذا السياق، يُفهم “المسيح” على أنه “الممسوح” من الله ليكون الملك الذي سيخلص البشرية من خطاياها. وقد جاء هذا اللقب من العهد القديم، حيث كان يُستخدم للإشارة إلى الملوك والأنبياء الذين كانوا يُمسحون بالزيت كعلامة على تعيينهم من الله لخدمة شعبه. لذلك، فإن “المسيح” في التفسير المسيحي يشير إلى الشخص الذي اختاره الله ليكون مخلصًا للبشرية.

من جهة أخرى، يرتبط لقب “المسيح” في العقيدة المسيحية بمفهوم الفداء والخلاص. يعتقد المسيحيون أن عيسى عليه السلام، الذي سُمِّيَ “المسيح”، جاء ليُصلب ويموت على الصليب من أجل تكفير خطايا البشر. هذه الفكرة تتجسد في العبارة التي يُردِّدها المسيحيون بأن عيسى هو “مخلص العالم”. إن استخدام لقب “المسيح” هنا يُشير إلى أنه كان مُكرَّسًا لرسالة عظيمة، وهي أن يؤدي دور الفادي الذي يحقق الخلاص للبشرية.

رابعاً: المسيح في العهد القديم

قبل أن يُذكر عيسى بن مريم عليه السلام في الكتاب المقدس المسيحي، كان لقب “المسيح” قد ورد في العهد القديم، وهو يشير إلى شخص مُختار من الله لخدمة شعبه، سواء كان ذلك ملكًا أو نبيًا. في العهد القديم، وردت الإشارة إلى “المسيح” في العديد من النبوات التي تتحدث عن مجيء مخلص سيأخذ على عاتقه مهمة إنقاذ شعب الله. كان اليهود يتوقعون في ذلك الوقت قدوم “المسيح المنتظر”، الذي يخلصهم من معاناتهم ويحقق لهم العزة والكرامة.

إلا أن المسيحيين يؤمنون أن عيسى هو الذي تجسد فيه هذا الوعد، فهو المسيح المنتظر الذي أتى ليؤدي مهمته، وليكون مخلص العالم.

خامساً: المسيح في الإسلام والاختلاف مع المسيحية

يختلف مفهوم “المسيح” في الإسلام عنه في المسيحية، فالإسلام يعتبر عيسى عليه السلام نبيًا ورسولا من الله، لكنه ليس ابن الله ولا يُعتبر إلهًا كما في المسيحية. في القرآن الكريم، يُعتبر “المسيح” لقبًا يُعطى لعيسى تكريمًا له، ولأنه كان يُؤدي دورًا عظيمًا في إصلاح الناس ودعوتهم إلى الله.

ومع ذلك، يشير القرآن أيضًا إلى أن عيسى لم يُصلب كما تعتقد المسيحية، بل رفعه الله إليه. وهذا الاختلاف الجوهري في التصور يوضح فوارق كبيرة بين المفهوم الإسلامي والمفهوم المسيحي حول عيسى والمسيح.

سادساً: المسيح في الأحاديث النبوية

وقد ورد في الأحاديث النبوية الشريفة أيضًا ذكر للمسيح، حيث يُحذر المسلمون من الأحاديث المتطرفة التي قد تظهر في المستقبل حول ظهور “المسيح الدجال”، الذي سيزعم أنه هو المسيح الحقيقي. هذه الأحاديث تركز على الفرق بين المسيح الدجال الذي سيكون رمزًا للشر، والمسيح عيسى بن مريم الذي هو رمز للحق والخير.

سابعاً: المسيح في الثقافة الإسلامية

في الثقافة الإسلامية، يُعتبر عيسى عليه السلام شخصية محورية في تاريخ الأنبياء والمرسلين. ورغم الفوارق العقائدية بين الإسلام والمسيحية، إلا أن كلا الديانتين تؤمن بقدرة عيسى على المعجزات وشفاء المرضى. لذا، كان لقب “المسيح” يُعطى لعيسى لأن المعجزات التي قام بها كانت بمثابة “لمسة” إلهية، تحمل في طياتها معنى الشفاء والتطهير من الأدران المادية والروحية.

خاتمة

إذاً، تسمية عيسى بـ “المسيح” كانت ولا تزال تمثل رمزًا عميقًا في الدينين الإسلامي والمسيحي، وكل دين يراه من زاويته الخاصة. ففي الإسلام، هو نبي مرسل من الله، في حين يعتبر في المسيحية المخلص والفادي الذي جاء ليكفر عن خطايا البشر. في النهاية، يُظهر لقب “المسيح” تأثيره الكبير في تشكيل المفاهيم الدينية والروحية للعديد من الأجيال، ويظل هذا اللقب شاهدًا على شخصية عيسى عليه السلام وعلاقته العميقة بالله وبالبشرية جمعاء.