لماذا سمي التقويم الهجري؟

لماذا سمي التقويم الهجري بهذا الاسم؟

يعدُّ التقويم الهجري أحد أهم التقويمات المستخدمة في العالم الإسلامي، حيث يُعتمد عليه لتحديد مواعيد العبادات والمناسبات الدينية مثل شهر رمضان، عيد الفطر، وعيد الأضحى، وغيرها من المناسبات المهمة. وعلى الرغم من أن العديد من الشعوب في العالم تستخدم التقويم الميلادي في حياتها اليومية، إلا أن التقويم الهجري يمثل جزءاً أساسياً من هوية الأمة الإسلامية، وله مكانة خاصة في قلوب المسلمين.

يتسائل البعض عن سبب تسميته “التقويم الهجري”، وكيف تم تحديد البداية الزمنية لهذا التقويم. للإجابة على هذا السؤال، لا بد من العودة إلى التاريخ الإسلامي، وفهم الظروف التي أدت إلى بداية التقويم الهجري، وأسباب تسميته بهذا الاسم.

مفهوم التقويم الهجري

التقويم الهجري هو تقويم قمري يعتمد على الدورة الشهرية للقمر حول الأرض، ويبدأ شهر هجري جديد عند رؤية الهلال الجديد، مما يختلف عن التقويم الميلادي الذي يعتمد على الدورة الشمسية. السنة الهجرية تتكون من 12 شهراً قمرياً، ويبلغ عدد أيام السنة الهجرية 354 يوماً، أي أقل بحوالي 11 يوماً عن السنة الميلادية.

تاريخ بداية التقويم الهجري

يعود تاريخ بداية التقويم الهجري إلى عام 622 ميلادي، وهو العام الذي شهد الهجرة الشهيرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة. الهجرة كانت نقطة فارقة في تاريخ الإسلام، حيث أسست لتكوين أول دولة إسلامية في المدينة المنورة، وتم بناء أول مسجد للمسلمين، بالإضافة إلى بداية مرحلة جديدة في دعوة الإسلام. لذلك، اختار المسلمون أن تكون بداية تقويمهم من هذه الحادثة الكبرى التي شكلت بداية عصر جديد.

لقد جاء قرار اعتماد الهجرة كبداية للتقويم الهجري في السنة 17 هجرياً، في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ونتيجة لهذه الأهمية التاريخية، أصبح التاريخ الهجري مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالهوية الإسلامية ومناسباتها الدينية. لذلك كان من الطبيعي أن يسمى هذا التقويم بـ “التقويم الهجري” نسبة إلى الهجرة النبوية.

لماذا الهجرة؟

تعد الهجرة من مكة إلى المدينة من أسمى وأهم الأحداث في تاريخ الأمة الإسلامية. لم تكن مجرد رحلة انتقالية جغرافية، بل كانت نقلة نوعية في حياة المسلمين على جميع الأصعدة. فمن جهة، كانت الهجرة بداية لتأسيس المجتمع الإسلامي على أسس جديدة في المدينة، بعيداً عن persecutions (الاضطهاد) التي واجهها المسلمون في مكة.

ومن جهة أخرى، كانت الهجرة بداية لإنشاء أول دولة إسلامية في المدينة المنورة، كما أنها كانت بداية لتجميع الأمة الإسلامية تحت راية واحدة، وتحقيق الوحدة والتماسك بين المسلمين. هذا التحول من مرحلة الاستضعاف في مكة إلى مرحلة القوة والتمكين في المدينة شكل علامة فارقة في تاريخ الدعوة الإسلامية، ولذلك كان من البديهي أن يعتمد المسلمون الهجرة كبداية للتقويم الذي يحدد أحداث وأوقات حياتهم اليومية.

الهجرة والتقويم الهجري

لم يكن اختيار الهجرة كنقطة انطلاق للتقويم الهجري عشوائياً، بل كان له دلالات عميقة. ففي تلك اللحظة التاريخية، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث بدأ الإسلام ينتشر في الأراضي المختلفة، وظهرت فكرة الدولة الإسلامية المتكاملة التي تتمتع بالقوة والسلطة. لذلك فإن البداية من هذا الحدث لم تكن مجرد تقدير زمني، بل كانت بمثابة إشارة إلى بداية مسيرة أمة كاملة نحو تحقيق آمالها وأهدافها.

وبعد قرار الخليفة عمر بن الخطاب بترتيب التقويم الهجري في السنة 17 هجرياً، بدأ استخدامه في الشؤون الإدارية والسياسية والدينية. وكان يقتصر في البداية على الأمور الداخلية لدولة الإسلام، ولكن مع مرور الوقت أصبح التقويم الهجري أساساً يُعتمد عليه في تحديد مواعيد العبادة والمناسبات الدينية، مثل بداية شهر رمضان المبارك، وعدد أيام الحج، وغيرها من المناسبات المهمة.

لماذا سمي “الهجري” وليس “المكي” أو “المدني”؟

من الواضح أن الهجرة كانت عملية انتقالية جغرافية وشخصية، ولكن لماذا اختار المسلمون تسميته “الهجري” بدلاً من “المكي” أو “المدني”؟ السبب يكمن في الطبيعة الرمزية الكبيرة لهذا الحدث. الهجرة لم تكن مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل كانت بمثابة تحول تاريخي شامل، يعكس مرحلة جديدة في حياة المسلمين. وقد كانت الهجرة بداية لانطلاق الدعوة الإسلامية إلى آفاق أوسع.

كما أن الهجرة كانت بمثابة نقطة التحول من الضعف إلى القوة، من مرحلة الملاحقة والاضطهاد في مكة إلى مرحلة التمكين والنمو في المدينة. وبذلك أصبح اسم “الهجري” أكثر تعبيراً عن هذا التحول الجذري الذي مر به المسلمون، ويمثل كذلك الطموحات الكبرى للأمة الإسلامية في تحقيق الوحدة والازدهار.

تطور التقويم الهجري عبر العصور

تأثر التقويم الهجري بالعديد من الأحداث السياسية والاجتماعية طوال فترة الخلافة الإسلامية. ومع مرور الزمن، بدأ استخدامه في كافة أنحاء العالم الإسلامي، رغم أنه لم يحظَ بالقبول في بعض الأماكن غير الإسلامية. وعليه، استمر التقويم الهجري في تطوره حتى أصبح اليوم هو النظام المعتمد في تحديد بعض المناسبات المهمة في العالم الإسلامي.

على الرغم من ذلك، واجه التقويم الهجري بعض الصعوبات في العالم المعاصر بسبب الاعتماد العالمي على التقويم الميلادي، مما جعل استخدام التقويم الهجري مقتصرًا على بعض المجالات مثل العبادات وتحديد مواعيد شهر رمضان، الحج، والعيدين. مع ذلك، ما زال يحمل أهمية كبيرة في الهوية الإسلامية.

الفروق بين التقويم الهجري والميلادي

من الجدير بالذكر أن التقويم الهجري يختلف بشكل كبير عن التقويم الميلادي في عدة جوانب. أولاً، يعتمد التقويم الهجري على الدورة الشهرية للقمر حول الأرض، مما يجعله أقصر من التقويم الميلادي الذي يعتمد على السنة الشمسية. كما أن شهور السنة الهجرية تتكون من 29 أو 30 يوماً، ولذلك تكون السنة الهجرية أقل من السنة الميلادية بحوالي 11 يوماً.

هذا الفارق الزمني بين التقويمين له تأثيرات على العديد من الأمور، مثل تحديد مواقيت العبادات، حيث يختلف شهر رمضان والعيدين سنوياً في التقويم الميلادي، ويحدث ذلك بسبب الفرق في طول السنة الهجرية مقارنة بالسنة الميلادية.

الخلاصة

إن التقويم الهجري ليس مجرد وسيلة لقياس الزمن، بل هو جزء لا يتجزأ من تاريخ الأمة الإسلامية، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بهويتها وعباداتها. وقد أُطلق عليه اسم “التقويم الهجري” نسبة إلى الهجرة النبوية التي شكلت نقطة فارقة في تاريخ الإسلام. كما أن هذا التقويم يعكس التحول الكبير في حياة المسلمين، من مرحلة الضعف والاضطهاد إلى مرحلة التمكين والازدهار في المدينة المنورة. ومع مرور الوقت، أصبح هذا التقويم أساساً لجميع المواعيد الدينية والإدارية في العالم الإسلامي، ليظل شاهداً على بداية تاريخ جديد لهذه الأمة.