لسعة الجليد: الأعراض والعلاج

لسعة الجليد: الأسباب، الأعراض، التدابير الوقائية والعلاجية

تُعد لسعة الجليد (Frostnip) إحدى الحالات المرتبطة بالتعرض لدرجات حرارة منخفضة للغاية، وغالبًا ما تكون المرحلة الأولى من إصابة البرد التي قد تتطور لاحقًا إلى ما يُعرف بقضمة الصقيع (Frostbite). بالرغم من بساطتها الظاهرية، فإن لسعة الجليد تُعد تحذيرًا فسيولوجيًا واضحًا من الجسم بأن البيئة المحيطة تهدد سلامة الأنسجة الطرفية، خاصة الجلد، وقد تتفاقم بسرعة إذا لم يتم التعامل معها بالشكل الصحيح. تُعد هذه الحالة شائعة لدى من يعيشون أو يعملون في بيئات باردة، أو يمارسون أنشطة خارجية شتوية مثل التزلج أو التسلق أو الصيد في القطب الشمالي أو المرتفعات العالية.

تعريف لسعة الجليد

لسعة الجليد هي إصابة سطحية ناتجة عن التعرض المؤقت للبرد القارس. وتتميز بحدوث خدر مؤقت وتغير في لون الجلد دون حدوث تلف دائم في الأنسجة، وتُعتبر الشكل الطفيف والأقل خطورة من قضمة الصقيع، ولكنها مؤشر واضح على أن الجسم بدأ يتعرض لخطر انخفاض الحرارة في أطرافه.

الفرق بين لسعة الجليد وقضمة الصقيع

الأسباب الفسيولوجية

عندما يتعرض الجلد لدرجات حرارة تقل عن نقطة التجمد (0° مئوية أو أقل)، تبدأ الأوعية الدموية في الانقباض كآلية دفاعية لتقليل فقدان الحرارة والحفاظ على حرارة الأعضاء الحيوية في القلب والدماغ. هذا الانقباض يحدّ من تدفق الدم إلى الأطراف، مما يؤدي إلى نقص الأوكسجين والتغذية في الخلايا الجلدية، فتظهر أعراض الخدر والشحوب والبرودة.

إذا استمر التعرض لهذه الظروف، تبدأ السوائل داخل الخلايا بالتجمد، ما يؤدي إلى تبلور الماء داخل الأنسجة، وهي المرحلة التي تبدأ فيها الإصابة بالتدهور إلى قضمة الصقيع.

أكثر الفئات عرضة للإصابة

• الأطفال وكبار السن نظرًا لحساسيتهم البالغة للبرد.

• المرضى الذين يعانون من مشاكل في الدورة الدموية، مثل داء السكري.

• الأشخاص الذين يتناولون أدوية تؤثر على توسع الأوعية مثل بعض مضادات الاكتئاب.

• الأفراد الذين لا يرتدون ملابس مناسبة للبرد.

• المتزلجون ومتسلقو الجبال والجنود في بيئات قطبية.

• العاملون في أماكن تبريد صناعية (غرف تبريد اللحوم أو الأسماك).

الأعراض والعلامات المبكرة

• شحوب الجلد وتحوله إلى اللون الأبيض أو الرمادي.

• الإحساس بوخز أو حكة في المنطقة المصابة.

• تنميل أو خدر مؤقت في المنطقة.

• تيبّس بسيط في الجلد دون فقدان تام للإحساس.

• عودة طبيعية للجلد إلى حالته الأصلية بعد إعادة التدفئة.

التشخيص

تعتمد عملية التشخيص غالبًا على الفحص السريري من قِبل الطبيب المختص، حيث يتم تقييم لون الجلد، ومرونته، ومدى الإحساس في المناطق المتأثرة. نادرًا ما تتطلب لسعة الجليد تحاليل مخبرية أو صور شعاعية، باستثناء الحالات التي يُشتبه فيها بوجود ضرر أعمق.

الإسعافات الأولية والعلاج الفوري

يُعد التدخل السريع والمناسب ضروريًا لمنع تطور لسعة الجليد إلى قضمة صقيع. يتضمن العلاج:

1. إزالة العامل المسبب: الابتعاد فورًا عن البيئة الباردة.

2. تدفئة المنطقة المصابة: باستخدام حرارة الجسم (مثلاً: وضع اليد المصابة تحت الإبط) أو باستخدام ماء فاتر (37-39°C)، وتجنب استخدام الماء الساخن لأنه قد يؤدي إلى حروق.

3. عدم فرك المنطقة: لأن الفرك قد يؤدي إلى تلف الأنسجة الجلدية الدقيقة.

4. تغيير الملابس الرطبة: ارتداء ملابس دافئة وجافة.

5. الراحة والوقاية: الحفاظ على الجسم دافئًا ومنع تكرار التعرض للبرد.

الوقاية من لسعة الجليد

• ارتداء ملابس متعددة الطبقات توفر العزل الحراري.

• استخدام قفازات، قبعات، وأوشحة تغطي الأطراف جيدًا.

• تجنب الملابس الضيقة لأنها تقلل تدفق الدم.

• عدم البقاء في الخارج لفترات طويلة في الطقس البارد.

• الابتعاد عن الكحول والتدخين لأنهما يُقللان من كفاءة الدورة الدموية.

• ترطيب الجلد لمنع الجفاف الذي يُزيد من فرص التضرر.

• مراقبة الأعراض المبكرة خاصةً عند الأطفال وكبار السن.

المضاعفات المحتملة

في معظم الحالات، لا تترك لسعة الجليد آثارًا دائمة. إلا أن إهمال الأعراض قد يؤدي إلى:

• تفاقم الحالة إلى قضمة صقيع.

• التهاب جلدي بسيط في بعض الأحيان.

• زيادة التحسس للبرد في المستقبل، ما يُعرف بظاهرة راينود.

التكيف المجتمعي والبيئي

في المناطق الباردة حول العالم، تبنت المجتمعات استراتيجيات لتقليل تأثيرات البرد على الصحة العامة. تشمل هذه الاستراتيجيات:

• تصميم مبانٍ معزولة حراريًا.

• توفير ملاجئ دافئة للمشردين.

• تنظيم حملات توعية في المدارس والمراكز الصحية.

• تطوير ملابس ذكية حراريًا تعمل على تنظيم درجة حرارة الجسم.

الأبحاث الحديثة والتطورات العلمية

تجري العديد من الأبحاث حالياً حول:

• تطوير مواد نسيجية مقاومة للبرد تساعد في حماية الجلد من التأثر المباشر.

• دراسة الآليات الجزيئية لتضرر الأنسجة من الصقيع لإيجاد وسائل علاجية أكثر فعالية.

• استخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بمخاطر البرد على العمال في البيئات الصناعية.

• تطوير أجهزة استشعار جلدية قابلة للارتداء تكتشف العلامات المبكرة للبرد وتنبه المستخدم.

الخلاصة

لسعة الجليد تمثل إنذارًا حيويًا من الجسم ينبّه إلى خطورة البيئة الباردة. ورغم أنها لا تُعد من الإصابات الخطيرة في حال تم التعامل معها بسرعة، فإن تجاهلها أو التأخر في علاجها قد يؤدي إلى تطورات خطيرة تشمل تلفًا دائمًا في الأنسجة الطرفية. من الضروري أن يكون الأفراد، لا سيما في البيئات شديدة البرودة، على دراية بالأعراض المبكرة، وسبل الوقاية، وآليات العلاج السريع. التوعية المستمرة والتجهيز السليم يمكن أن يقللا من نسب الإصابة إلى حدٍّ كبير، ويحافظا على سلامة الأفراد وصحتهم في مواجهة قوى الطبيعة.

المراجع:

1. Castellani, J.W. & Young, A.J. (2016). Human physiological responses to cold exposure: Acute responses and acclimatization. Comprehensive Physiology.

2. American Academy of Dermatology Association. (2023). Frostbite and frostnip: What you should know. www.aad.org