كيكاي سينسن: جنون ما بعد البوابة

تُعدّ سلسلة Kekkai Sensen & Beyond واحدة من أبرز الأعمال التي مزجت بين الخيال الحضري المعاصر والفانتازيا الكونية بأسلوب بصري فريد، وقد نجحت في تقديم عالمٍ يتحدى الحدود التقليدية بين الواقع والخيال. هذه السلسلة التي عُرضت في خريف عام 2017، تمثل الموسم الثاني من سلسلة Kekkai Sensen، وتكمل مغامرات البطل ليوناردو واتش في مدينة هلسالمز لوت، المدينة التي تشكّلت بعد حادثة فتح بوابة إلى عالم “الما وراء”.

خلفية سردية وفلسفية للعالم

في عالم Kekkai Sensen، لا تدور الأحداث في مدينة نيويورك التي نعرفها، بل في نسخة مشوهة ومتحولة منها تُعرف باسم هلسالمز لوت، مدينة تغمرها المخلوقات الخارقة، التقنيات الكونية، والسحر المتفجر. منذ ثلاث سنوات، فُتحت بوابة بين الأرض وعالم آخر يُسمّى “الما وراء”، ليغمر التدفق الغريب من الكائنات المتعددة الأبعاد والأحداث الشاذة هذه المدينة، ويحوّلها إلى منطقة مغلقة ومنفصلة عن العالم الخارجي.

يُبرز هذا التحول نظرة فلسفية عميقة إلى مفهوم “الآخر”، حيث تتقاطع الأبعاد والمخلوقات في وجود واحد، وتنهار الثنائيات التقليدية مثل العادي/الخارق، الواقع/الخيال، والإنساني/اللا-إنساني. في هذا العالم المتداخل، لا يوجد شيء يُعد غريبًا بعد الآن، بل إن الجنون أصبح هو القاعدة.

الشخصية المحورية: ليوناردو واتش

ليوناردو واتش، الفتى المصوّر، يجد نفسه وسط هذا الجنون رغمًا عنه. في حادثة مأساوية، تلقى “عيون الآلهة البصيرة” وهي قدرة خارقة تمنحه الرؤية الكلية لأي شيء وكل شيء، لكن مقابل ذلك فقدت شقيقته بصرها. هذه القدرة تمثل عبئًا وجوديًا عميقًا على ليوناردو، إذ يقوده الشعور بالذنب والتساؤل حول عدالة هذه التضحية إلى سعي دائم لفهم مصدر قوته واستعادة بصر أخته.

ليوناردو ليس محاربًا خارقًا تقليديًا، بل هو أقرب إلى “العيْن الشاهدة” على أحداث تتجاوز قدرات البشر. لا يحمل سيفًا ولا يطلق طاقة نارية، بل يستخدم كاميرته وعيونه في كشف الحقائق الخفية التي تتوارى حتى عن أقوى الأعداء. قوته تكمن في معرفته، في كشفه، في رؤيته.

منظمة “ليبرا”: الحارس السري للفوضى

يجد ليوناردو نفسه عضوًا في منظمة ليبرا، وهي جماعة سرية تتألف من أفراد يملكون قوى خارقة، يعملون كحماة للعالم من الفوضى المتسللة من البوابة. أعضاء ليبرا هم شخصيات ذات قدرات خارقة وأساليب قتال فريدة، وكل منهم يحمل خلفية مظلمة أو عبقرية غير تقليدية، من زاب رينفرو المنفجر دائمًا إلى كلاوس راينهرتس القائد الصارم الذي يجسد مثال المحارب الشريف والمتأمل.

ليبرا ليست مجرد منظمة قتال، بل هي أشبه بفلسفة وجودية تناضل من أجل الحفاظ على توازن في عالم غير متوازن. يواجه أفرادها التهديدات التي قد تسحق الوجود ذاته، لكنهم يفعلون ذلك بنوع من التواضع الغريب، وكأنهم يدركون أن انتصاراتهم مؤقتة في وجه جنون كوني لا يتوقف.

طبيعة السرد: أسلوب حلقاتي ومجازي

على خلاف الموسم الأول الذي ركز على سردية متماسكة تتطور تدريجيًا، يتميز Kekkai Sensen & Beyond بأسلوب سردي يعتمد على الحلقات شبه المستقلة، حيث كل حلقة تُقدّم قصة مصغرة، وشخصيات جديدة، ومواقف غريبة تمزج الكوميديا بالسوداوية. هذا الاختيار لا يُعدّ ضعفًا سرديًا، بل يتماشى مع فكرة المدينة ذات الطابع المتغير والقصص اللامحدودة.

كل حلقة تُشكّل مجازًا بصريًا وفلسفيًا؛ فمرةً يواجه ليوناردو مخلوقًا يعيش على الأحلام، ومرةً أخرى يتعامل مع لعنة زمنية، أو يُلاحق من قبل صائد رؤى. هذا التنوع لا يجعل المشاهد في حالة ملل، بل يدخله في عالم متعدد الأبعاد، حيث كل زاوية تحمل قصة.

الجوانب البصرية والإخراج الفني

الإخراج البصري في Kekkai Sensen & Beyond يمكن وصفه بأنه انفجار فني. الألوان المتضاربة، الزوايا الحركية السريعة، التبديل بين الأنماط الفنية الكلاسيكية والتجريبية، كلها عناصر تُخلق عالمًا مضطربًا بصريًا كما هو مضطرب سرديًا. المخرج ريي ماتسوموتو يواصل نهجه في تحويل المدينة إلى كائن حي نابض، وكأنها الشخصية الأهم في السلسلة.

كما أن استوديو Bones المعروف بإنتاجاته ذات الجودة العالية، قدّم تحريكًا مذهلًا يمزج بين الواقعية الكرتونية والتعبيرية المجازية، ما يجعل كل مشهد بمثابة لوحة ديناميكية تنبض بالحياة والانفعال.

الموسيقى والصوت: سردٌ موسيقي للجنون الحضري

الجانب الموسيقي في السلسلة لا يقل إبداعًا عن عناصرها البصرية. الموسيقى التصويرية التي ألفها تاكواتو تاتشيبانا، تجمع بين الجاز، البلوز، والروك التجريبي، ما يعكس الطبيعة المعقدة والمختلطة للمدينة. أغنية الافتتاح “Fake Town Baby” وأغنية النهاية “Step Up Love” ليستا مجرد خلفية صوتية، بل هما انعكاس مزاجي لحالة المدينة والشخصيات.

الأداء الصوتي للشخصيات أضفى طابعًا خاصًا على كل مشهد، لا سيما أداء دايسكي أونو في دور ليوناردو، الذي يعبّر عن حالة التردد والتساؤل والتصميم في آنٍ واحد.

الجدول المقارن بين الموسم الأول والثاني

البعد الفلسفي: الواقع كمتغير

وراء الجنون البصري والصوتي، تقدم Kekkai Sensen & Beyond قراءة فلسفية للواقع الحضري المعاصر. مدينة هلسالمز لوت تمثل استعارة للمدن الحديثة حيث تتقاطع الثقافات، وتفقد الحدود معناها. الوحوش والسحر هنا ليسوا سوى تجسيد للغرباء، للأفكار المتنافرة، للضغوط النفسية، وللتساؤلات الوجودية التي يواجهها الإنسان في العصر الحديث.

ليوناردو ليس بطلًا خارقًا تقليديًا، بل هو الشاهد على فقدان المعنى في عالم مزدحم بالفوضى. قوته تكمن في “الرؤية”، في إدراك الحقيقة وسط الضجيج. السلسلة لا تمنحه نصرًا نهائيًا، بل تمنحه فقط فرصة الفهم، وهي أعظم هدية يمكن أن يحصل عليها الإنسان في عالم لا يفهمه.

خاتمة تحليلية

Kekkai Sensen & Beyond ليست مجرد أنمي أكشن أو كوميديا خارقة، بل هو عمل متكامل يستعرض الفوضى الكونية عبر عدسة إنسانية حساسة. يُعيد تعريف البطولة، ويعيد تشكيل المدينة ككائن حي، ويضع الإنسان في مواجهة قوى أكبر من فهمه، لا ليهزمها، بل ليحاول أن يرى بوضوح أكبر.

بهذا المعنى، يُمكن اعتبار Kekkai Sensen & Beyond عملاً يتجاوز تصنيفاته، ليصبح مرآة للواقع كما هو، بكل جنونه، بكل سحره، وبكل ما لا يمكن تفسيره من ظواهر، في عالمٍ كل ما فيه يبدو “ما بعد طبيعي”.

المراجع:

1. MyAnimeList – Kekkai Sensen & Beyond

2. Anime News Network Encyclopedia – Kekkai Sensen & Beyond