في الفترة الأولى من حكم الدولة العثمانية، كانت الدولة تنفذ سياسة مركزية قوية حيث كانت تسعى للسيطرة الكاملة على جميع المناطق في إمبراطوريتها. ومع ذلك، بدأت الدولة تتغير تدريجيا فيما بعد لتسمح ببعض درجات الحكم الذاتي للمناطق المتدينة.
تتمثل هذه التغييرات في تبني الدولة لسياسة التسامح الديني والإدارة الذاتية المحدودة للمناطق المتدينة. على سبيل المثال، في القرن السادس عشر، أنشأت الدولة العثمانية نظامًا يعرف بـ “الملكية الجماعية”، حيث منحت الأديان المختلفة حقوقًا محدودة في إدارة شؤونها الداخلية، مثل تعيين القضاة وجمع الضرائب.
وفي القرن السابع عشر، قام السلطان محمد الرابع بتنفيذ سياسة التسامح الديني بشكل أكبر، حيث أصدر أوامر لحماية حقوق الأقليات الدينية والمسيحية في الدولة، وتمتعت هذه الأقليات بحرية دينية نسبية وحقوق محدودة في الحكم الذاتي لمجتمعاتهم.
وفي القرن الثامن عشر، قام السلطان سليم الثاني بتنفيذ سياسة إصلاحية تعرف باسم “التنظيمات”، حيث منح الأقليات الدينية مزيدًا من الحقوق والحكم الذاتي في مجالات مثل القضاء والتعليم والإدارة المحلية.
ومع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية على الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، بدأت الدولة تتراجع عن سياسة التسامح الديني والحكم الذاتي، وعادت إلى تنفيذ سياسة مركزية أكثر قوة. واستمر هذا الاتجاه حتى انهيار الدولة العثمانية في القرن العشرين.