كيف تتخلص من العلاقات الإدمانية

سايكولوجيا العلاقات الإدمانية وطرق التخلص منها

تُعد العلاقات الإدمانية من أكثر أنواع العلاقات التي تضر بالصحة النفسية والجسدية على حد سواء. يعتقد الكثيرون أن العلاقات الإدمانية تقتصر فقط على الإدمان المادي، مثل تعاطي المخدرات أو الكحول، إلا أن الإدمان في العلاقات العاطفية والاجتماعية يعد أحد أكثر المشكلات الخفية التي يمكن أن تؤثر على حياة الإنسان. هذه العلاقات تعتمد على التعلق المفرط والمبالغ فيه بالشخص الآخر لدرجة أن الشخص يصبح غير قادر على العيش بدون هذا التعلق، ما يؤدي إلى تعطيل جوانب حياته الأخرى مثل العمل والصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية.

تعريف العلاقات الإدمانية

العلاقات الإدمانية هي تلك التي يشعر فيها الفرد بأنه غير قادر على الاستغناء عن الآخر، حيث تصبح العلاقة هي محور الحياة، ويكون الخوف من فقدان الشخص الآخر هو المحرك الأساسي للسلوكيات والأفكار. في هذه الأنواع من العلاقات، يصبح الشخص مهووسًا بالعلاقة بشكل غير صحي، ما يؤدي إلى فقدان التوازن في حياته.

قد تظهر هذه العلاقات في العديد من الأشكال: من التعلق العاطفي المفرط إلى السيطرة المدمرة، أو الإدمان على الحب، أو حتى الخضوع المفرط لشريك في العلاقة. على الرغم من أن الحب أساس أي علاقة، إلا أن عندما يتحول هذا الحب إلى إدمان، فإنه يصبح مدمرًا ويؤدي إلى شعور دائم بعدم الراحة والقلق المستمر.

أسباب العلاقات الإدمانية

1. الاحتياج العاطفي العميق
   
   غالبًا ما يواجه الأفراد الذين يمرون بتجارب عاطفية سابقة مؤلمة، مثل الخيانة أو الطلاق، صعوبة في بناء الثقة في الآخرين. هذا الاحتياج المفرط للمحبة والدعم العاطفي يجعلهم يتورطون في علاقات غير صحية، حيث يبحثون عن “التعويض العاطفي” في الشخص الآخر.

2. الاعتماد على الآخر للحصول على الأمان النفسي
   
   يعتبر الشخص الذي يعاني من إدمان العلاقة أن الأمان النفسي لا يتحقق إلا من خلال وجود الشخص الآخر. يصبح هذا الشخص مصدرًا دائمًا للراحة، وفي حال غيابه يشعر الفرد بعدم الاستقرار العاطفي والقلق الشديد.

3. الخوف من الوحدة
   
   الوحدة هي من أعمق المخاوف التي يعاني منها العديد من الأشخاص، وهذا قد يقودهم إلى الدخول في علاقات مدمرة. يشعر الفرد في هذه العلاقات بالراحة الوهمية على الرغم من الألم المستمر، لأنه يخشى أن يكون بمفرده.

4. تجارب الطفولة المجهدة
   
   يمكن أن تكون تجارب الطفولة، مثل الإهمال العاطفي أو غياب الأب أو الأم، سببًا قويًا وراء تكوين علاقة إدمانية في مرحلة لاحقة من الحياة. هؤلاء الأفراد قد ينشؤون وهم في حاجة ماسة لشخص آخر لملء الفراغ الذي يشعرون به بسبب تلك التجارب.

علامات العلاقات الإدمانية

1. الاعتماد المفرط
   
   يشعر الفرد أنه لا يستطيع العيش دون الآخر، ويعتمد على هذا الشخص في كل جوانب حياته العاطفية والاجتماعية. قد يتجاهل احتياجاته الخاصة واهتماماته الشخصية من أجل إرضاء الآخر.

2. الشكوك المستمرة
   
   يعيش الفرد في حالة من الشكوك المستمرة بشأن ولاء الشخص الآخر أو حبه له، ما يؤدي إلى مراقبة تصرفاته بشكل مفرط أو التشكيك في كل شيء.

3. التحكم والتلاعب
   
   قد يتحول الشخص المهووس بالعلاقة إلى شخص يتحكم في الآخر بطرق غير مباشرة أو من خلال التلاعب العاطفي. يمكن أن يتضمن ذلك الشعور بالذنب، أو استخدام الأساليب الماكرة للحفاظ على العلاقة.

4. التضحية المستمرة
   
   الشخص في علاقة إدمانية قد يضحي بمصالحه الشخصية وحياته الخاصة من أجل الآخر، حتى لو كان ذلك على حساب صحته أو سعادته.

5. القلق المستمر
   
   يعاني الأفراد في العلاقات الإدمانية من القلق المستمر بشأن العلاقة نفسها، ما يؤدي إلى توتر دائم وألم عاطفي بسبب الخوف من فقدان الشخص الآخر أو الفشل في العلاقة.

6. الإفراط في التفاهم والتسوية
   
   لا يستطيع الشخص في العلاقة الإدمانية اتخاذ قرارات مستقلة. قد يسعى دائمًا للتفاهم والتسوية مع الآخر، حتى لو كان ذلك ضد مبادئه الشخصية أو مصلحته.

تأثير العلاقات الإدمانية على الصحة النفسية والجسدية

تؤثر العلاقات الإدمانية بشكل سلبي على الجوانب النفسية والجسدية للشخص. من الناحية النفسية، قد يعاني الفرد من القلق المزمن، الاكتئاب، والشعور بالعجز وفقدان الهوية. هذا النوع من العلاقات قد يؤدي إلى تدهور القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، أو التشويش الذهني، أو حتى انخفاض تقدير الذات.

أما من الناحية الجسدية، فإن التوتر المستمر الذي ينتج عن هذا النوع من العلاقات يمكن أن يتسبب في زيادة معدلات ضغط الدم، وزيادة مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر) في الجسم، مما يؤثر على الجهاز المناعي ويعرض الفرد لمشاكل صحية أخرى.

كيفية التخلص من العلاقات الإدمانية

التخلص من العلاقات الإدمانية يتطلب جهدًا كبيرًا ووقتًا طويلًا، إلا أن الخطوات التالية قد تساعد في بدء عملية التعافي:

1. الاعتراف بالمشكلة
   
   الاعتراف بوجود مشكلة في العلاقة هو الخطوة الأولى نحو التعافي. هذا الاعتراف يفتح المجال للفرد لفهم طبيعة العلاقة وأسباب الارتباط العاطفي المفرط.

2. تحديد حدود صحية
   
   يجب على الفرد أن يحدد حدودًا صحية في العلاقة. هذه الحدود تشمل معرفة متى وأين يجب التوقف عن التضحية بالذات من أجل الآخر. يتطلب ذلك فهم احتياجات الشخص الخاصة وتعلم كيف يقول “لا” عندما يكون ذلك ضروريًا.

3. استعادة الهوية الشخصية
   
   من الضروري أن يعمل الفرد على استعادة هويته الشخصية بعيدًا عن العلاقة. قد يتضمن ذلك ممارسة هواياته القديمة، أو الاهتمام بمشروعاته الخاصة، أو بناء شبكة دعم اجتماعي قوية.

4. التركيز على النمو الشخصي
   
   من المهم أن يركز الشخص على تطوير نفسه بشكل مستقل عن العلاقة. يمكن أن يشمل ذلك العمل على تحسين مهارات التواصل، وتنمية الذات، والاهتمام بالصحة النفسية والجسدية.

5. طلب الدعم النفسي
   
   قد يحتاج الفرد إلى دعم مختص من خلال العلاج النفسي. يمكن للعلاج أن يساعد في معالجة الأسباب الجذرية للإدمان العاطفي وتطوير استراتيجيات للتعامل مع العلاقات بشكل صحي.

6. الابتعاد عن الشخص المسبب للإدمان
   
   في بعض الحالات، قد يكون من الضروري اتخاذ خطوة جذرية تتمثل في الابتعاد عن الشخص المسبب للإدمان. هذا القرار قد يكون صعبًا، لكنه خطوة هامة نحو الشفاء النفسي. يمكن أن يتضمن الابتعاد أيضًا تقليل التواصل أو تحديد مسافة عاطفية مع الشخص.

7. المساهمة في المجتمعات الداعمة
   
   الانضمام إلى مجموعات دعم أو مجتمعات عبر الإنترنت يمكن أن يساعد في تقديم التوجيه والمشورة من أشخاص مروا بتجارب مشابهة. التواصل مع الآخرين الذين يفهمون الموقف يساعد في تعزيز الشعور بالأمان والدعم.

8. التعلم من التجربة
   
   بعد التعافي، من المهم أن يتعلم الفرد من التجربة. يمكن أن تشمل هذه الدروس فهم الأعراض الأولى للإدمان العاطفي، والتعرف على العلاقات الصحية، وتعلم كيفية إدارة التوقعات.

الخاتمة

العلاقات الإدمانية هي علاقات مدمرة تؤثر على الحياة الشخصية والنفسية والجسدية للفرد. التخلص منها يتطلب جهودًا مستمرة ووعيًا عميقًا بالآثار السلبية التي تترتب عليها. من خلال الاعتراف بالمشكلة، وضع حدود صحية، والتركيز على النمو الشخصي، يمكن للفرد التحرر من هذه العلاقات وبناء حياة صحية ومستقرة عاطفيًا.