كيف تتجنّب أضرار الجلوس لوقت طويل في العمل؟
في عالمنا المعاصر، أصبح الجلوس لساعات طويلة في العمل جزءًا لا يتجزأ من الروتين اليومي للكثيرين. ومع تطور التكنولوجيا، تحوّل العمل المكتبي إلى بيئة تقتضي من الأفراد الجلوس خلف الشاشات لساعات طويلة دون القيام بأي نشاط بدني يذكر. هذا الأمر قد يبدو غير مؤذي في البداية، إلا أن الأبحاث الطبية والبيئية تؤكد أن الجلوس لفترات طويلة يسبب مجموعة من الأضرار الصحية التي تتراوح من مشاكل في المفاصل والعضلات إلى تأثيرات سلبية على القلب والأوعية الدموية. في هذا المقال، سنتناول كيفية تجنب هذه الأضرار من خلال اتباع مجموعة من النصائح العلمية المدروسة والفعّالة التي تساعد على الحفاظ على الصحة أثناء ساعات العمل الطويلة.
1. أهمية الحركة المنتظمة:
أظهرت الدراسات أن الجلوس لمدة طويلة يؤدي إلى تباطؤ الدورة الدموية، ما يسبب زيادة في خطر الإصابة بالأمراض القلبية والسكتات الدماغية. الحركة المنتظمة، حتى وإن كانت بسيطة، تلعب دورًا كبيرًا في تحفيز الدورة الدموية وتحسين الصحة العامة. لذلك، من الضروري أن تكون هناك فترات استراحة قصيرة خلال يوم العمل للسماح للجسم بالحركة.
2. تقنيات الجلوس الصحيحة:
حتى إذا كان لا بد من الجلوس لفترات طويلة، يمكن تقليل تأثير الجلوس السلبي على الجسم من خلال تحسين وضع الجلوس. أولاً، يجب أن تكون الكرسي الذي تستخدمه في وضع مريح يحافظ على تقوّس العمود الفقري الطبيعي. يوصى بأن تكون قدميك مسطحة على الأرض أو على مسند قدمين، وأن تكون الركبتان بزاوية 90 درجة. كما ينبغي أن يكون سطح المكتب في ارتفاع يتناسب مع مستوى العينين بحيث لا يضطر الشخص لثني رقبته للأمام.
3. ممارسة تمارين الإطالة البسيطة:
تمارين الإطالة تلعب دورًا حيويًا في منع التصلب العضلي الناتج عن الجلوس لفترات طويلة. يمكن للشخص القيام بإطالات بسيطة لليدين والقدمين والظهر كل ساعة. على سبيل المثال، يمكن تمديد الذراعين للأعلى أو التواء الجذع بلطف من جانب إلى آخر. هذه الإطالات تساعد على تخفيف التوتر العضلي، وتحفيز الدورة الدموية، ومنع الألم الناتج عن الجلوس المطول.
4. استخدام مكتب قابل للارتفاع:
تعد المكاتب القابلة للارتفاع من الأدوات المفيدة في تقليل الأضرار الصحية الناتجة عن الجلوس الطويل. هذه المكاتب تتيح لك التحوّل من وضعية الجلوس إلى وضعية الوقوف بكل سهولة. إن العمل والوقوف لفترات معينة خلال اليوم يساعد على تحسين وضعية الجسم وتقليل الضغط على الظهر والمفاصل. لذلك، إذا كان من الممكن، يفضل دمج العمل في وضعية الوقوف مع فترات الجلوس.
5. ممارسة التمارين الرياضية اليومية:
إن ممارسة الرياضة بشكل منتظم له دور أساسي في الحفاظ على الصحة العامة وتحسين لياقة الجسم. يوصى بأن يتم ممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة على الأقل يوميًا. يمكن أن تشمل هذه التمارين المشي، ركوب الدراجة، أو تمارين القوة التي تساعد في تقوية العضلات. عندما تكون هذه الأنشطة جزءًا من روتينك اليومي، فإنها ستساعد في تحسين مرونة المفاصل وتخفيف الآلام الناتجة عن الجلوس لفترات طويلة.
6. الاهتمام بوضعية الشاشة:
تعد وضعية الشاشة أحد العوامل الأساسية التي تؤثر في صحة الرقبة والظهر عند الجلوس لفترات طويلة. يجب أن تكون الشاشة في مستوى العين بحيث لا يحتاج الشخص لرفع أو خفض رأسه أثناء العمل. كما يفضل أن تكون المسافة بين العينين والشاشة حوالي 50-70 سنتيمترًا. ضبط السطوع والتباين في الشاشة بطريقة صحيحة يساعد أيضًا في تقليل إجهاد العينين.
7. شرب الماء بانتظام:
من الأضرار غير المرئية التي يمكن أن يسببها الجلوس الطويل هي الجفاف. قد ينسى العديد من الأشخاص شرب الماء بشكل منتظم عندما يكونون مشغولين بالعمل. لكن شرب الماء بكميات كافية يساعد على تحسين وظائف الجسم المختلفة، ويقلل من التعب والإرهاق. ينصح بشرب الماء بانتظام خلال اليوم لتجنب الجفاف الذي قد يؤدي إلى الصداع وقلة التركيز.
8. التركيز على التغذية السليمة:
تلعب التغذية دورًا كبيرًا في تقليل الأضرار الصحية الناتجة عن الجلوس المطول. تناول الطعام الغني بالعناصر الغذائية، مثل الفواكه والخضروات، يساعد في الحفاظ على طاقة الجسم ويقلل من خطر السمنة وأمراض القلب. كما يفضل تجنب تناول الأطعمة التي تحتوي على سكريات مكررة أو دهون مشبعة، لأنها قد تؤدي إلى زيادة الوزن وبالتالي الضغط على المفاصل والأعضاء الداخلية.
9. التأكد من فترات الراحة النفسية:
من المهم أن يأخذ الفرد فترات راحة نفسية قصيرة بعيدًا عن العمل خلال اليوم. يمكن أن تشمل هذه الفترات القيام بنشاطات صغيرة مثل التنزه في الهواء الطلق أو الاستماع إلى الموسيقى المريحة. هذه الفترات تساعد في تجديد النشاط العقلي والبدني، وتقلل من مستوى التوتر والإجهاد الناتج عن العمل الطويل.
10. الاهتمام بالصحة العقلية:
إن الجلوس لساعات طويلة يمكن أن يكون له تأثير سلبي ليس فقط على الجسد، بل أيضًا على الصحة العقلية. زيادة مستويات التوتر والقلق يمكن أن تحدث عندما يظل الفرد مشغولًا لفترات طويلة دون فترات استراحة كافية. لذلك، من المهم أن يكون هناك وقت مخصص للراحة النفسية بعيدًا عن الضغوط اليومية، سواء كان ذلك من خلال التأمل أو الأنشطة المريحة مثل القراءة أو التواصل الاجتماعي.
11. التعامل مع الآلام والمشاكل الصحية المبكرة:
إذا كنت تشعر بأي ألم أو انزعاج أثناء الجلوس لفترات طويلة، فمن المهم عدم تجاهل هذه العلامات. يمكن أن تكون هذه الآلام علامة مبكرة على مشكلة صحية، مثل التوتر العضلي أو مشاكل في العمود الفقري. في هذه الحالات، يفضل استشارة طبيب مختص لتحديد السبب الدقيق وتقديم العلاج المناسب.
12. دور الأدوات المساعدة:
يمكن استخدام بعض الأدوات المساعدة لتحسين وضعية الجسم وتقليل تأثيرات الجلوس الطويل. تشمل هذه الأدوات مساند الظهر القابلة للتعديل، وكذلك وسائد الرقبة المريحة التي تساعد في الحفاظ على الوضعية الصحيحة. كما يمكن استخدام أجهزة التنبيه التي تذكّر الموظف بضرورة القيام من الجلوس أو تغيير وضعية الجسم كل فترة.
13. التوازن بين العمل والحياة الشخصية:
أحد أكبر التحديات التي تواجه العاملين في المكاتب هو التوازن بين العمل والحياة الشخصية. قد يتسبب العمل المفرط والجلوس الطويل في نقص التفاعل الاجتماعي أو النشاط البدني. من المهم تخصيص وقت كافٍ للأنشطة الاجتماعية والأنشطة التي تشمل الحركة مثل الرياضة أو الترفيه في الهواء الطلق. هذا يساعد في تقليل الشعور بالتعب والإرهاق ويعيد التوازن إلى الحياة اليومية.
14. التدريب على مهارات العمل الوقائي:
من الضروري تعلم مهارات الوقاية من أضرار الجلوس الطويل ضمن التدريب المهني. يمكن تنظيم ورش عمل دورية لتعليم الموظفين أهمية الوضعية الصحية، والحركة المنتظمة، واستخدام أدوات العمل بطريقة صحيحة. هذا يساعد على تقليل الإصابة بالأمراض المتعلقة بالعمل المكتبي على المدى الطويل.
15. التعامل مع الإجهاد الرقمي:
العمل المستمر على الكمبيوتر أو الهواتف المحمولة يمكن أن يؤدي إلى إجهاد العينين، ما يعرف بالإجهاد الرقمي. يمكن التقليل من هذا الإجهاد عن طريق استخدام تقنية 20-20-20، والتي تعني أنه يجب على الشخص أن ينظر إلى شيء بعيد عن الشاشة لمدة 20 ثانية كل 20 دقيقة، بحيث يكون هذا الشيء على مسافة 20 قدمًا.
الختام:
على الرغم من أن الجلوس لفترات طويلة قد يبدو غير ضار في البداية، إلا أن تأثيراته السلبية على الصحة لا يمكن إغفالها. باتباع مجموعة من العادات الصحية مثل الحركة المنتظمة، التحسينات في وضعية الجلوس، ممارسة الرياضة اليومية، واستخدام الأدوات المساعدة، يمكن تقليل الأضرار الناتجة عن الجلوس الطويل بشكل كبير. من خلال اتخاذ هذه الإجراءات الوقائية، يمكن تحسين جودة الحياة الصحية للموظفين وزيادة مستوى الإنتاجية في العمل.
