تأثير المتفرج وأهمية المساعدة

تأثير المتفرِّج: من الأفضل أن تطلب المساعدة عندما تحتاج إليها

يعد تأثير المتفرِّج (Bystander Effect) ظاهرة نفسية وسلوكية مهمة في علم النفس الاجتماعي، والتي تشير إلى ميل الأفراد إلى تقليل احتمالية تقديم المساعدة لشخص في حالة طوارئ عندما يكون هناك آخرون موجودون أيضًا. على الرغم من أن هذا الظاهرة قد تبدو غير منطقية في البداية، فإنها تفتح أبوابًا لفهم سلوك الإنسان في المواقف الصعبة أو المؤلمة. تاريخيًا، تم إثبات تأثير المتفرِّج من خلال العديد من التجارب والحوادث الواقعية التي أظهرت كيف يمكن لتواجد الآخرين في محيط شخص محتاج أن يؤدي إلى عدم تدخل أي منهم، وهو أمر يثير العديد من الأسئلة حول طبيعة التفاعل البشري ودوافعه.

التعريف بتأثير المتفرِّج

تأثير المتفرِّج هو ظاهرة تحدث عندما يكون شخص ما في وضع طارئ أو يحتاج إلى المساعدة، إلا أن وجود عدد من الأشخاص الآخرين في نفس الوضع يؤدي إلى تراجع احتمالية تقديم المساعدة من أي شخص. تم تسمية الظاهرة بهذا الاسم بسبب ملاحظة العلماء في حالات مختلفة أن “المتفرِّج”، أي الشخص الذي لا يتدخل، يظل في حالة من السلبية عندما يعتقد أن الآخرين سيتصرفون. يبدو أن هناك نوعاً من التضارب في دوافع الأفراد في مثل هذه الحالات، حيث ينشأ شعور بأن وجود الآخرين يخفف من المسؤولية الفردية ويقلل من احتمالية التدخل.

خلفية علمية لتأثير المتفرِّج

كان تأثير المتفرِّج قد جذب الانتباه في بداية السبعينات بعد حادثة مقتل كيتي جينوفيزي (Kitty Genovese) في نيويورك عام 1964، وهي جريمة قتل تمت وسط حضور العديد من الجيران الذين لم يتدخلوا أو يتصلوا بالشرطة في اللحظات الحاسمة. هذا الحادث أثار تساؤلات واسعة النطاق حول تصرفات الأفراد في المواقف الطارئة، وأدى إلى إجراء العديد من الدراسات النفسية التي أكدت وجود الظاهرة.

أحد الدراسات الرئيسية التي أجريت لفهم هذا التأثير كانت تجربة “لانغ وكليم” (Latané & Darley) في عام 1968. في هذه التجربة، قام المشاركون بالتفاعل مع آخرين في مواقف مختلفة، منها حالات طارئة يتطلب فيها الأمر تدخلًا سريعًا. أظهرت النتائج أن المشاركين كانوا أقل احتمالية لتقديم المساعدة إذا كانوا في حضور عدد أكبر من الأشخاص، ما يدعم فكرة أن وجود الآخرين يساهم في تبديد الشعور بالمسؤولية الفردية.

العوامل التي تؤثر في تأثير المتفرِّج

هناك عدة عوامل تؤثر في مدى حدوث تأثير المتفرِّج في مواقف الطوارئ:

1. عدد الحاضرين: كلما زاد عدد الأفراد في نفس المكان، قلت احتمالية أن يتدخل أي منهم في المساعدة. يعرف هذا بمفهوم “تفتيت المسؤولية”، حيث يعتقد كل فرد أن شخصًا آخر سيقوم بالتصرف.

2. طبيعة الموقف: في الحالات التي تكون فيها المشكلة واضحة وصريحة، مثل الحوادث أو المواقف الصحية الطارئة، يزيد احتمال التدخل مقارنة بمواقف أكثر غموضًا أو أقل وضوحًا.

3. العلاقة بين الأفراد: في بعض الحالات، إذا كانت العلاقة بين الأفراد في الموقف قوية، مثل وجود صداقة أو ارتباط عائلي، فإنه من المرجح أن يتدخل الشخص ويقدم المساعدة.

4. التواجد في بيئة عامة أو خاصة: في الأماكن العامة، حيث يكون هناك العديد من الناس، يقل شعور الفرد بالمسؤولية، أما في الأماكن الخاصة أو الصغيرة، حيث عدد الأفراد محدود، فإن هذا الشعور يزداد، ما يزيد من احتمال المساعدة.

التأثيرات النفسية وراء تأثير المتفرِّج

لتفسير تأثير المتفرِّج، يشير علماء النفس إلى عدد من الآليات النفسية التي تلعب دورًا في تقليص رغبة الأفراد في التدخل:

1. التفويض الاجتماعي: هذه ظاهرة تحدث عندما يراقب الأفراد ردود أفعال الآخرين ويقررون وفقًا لذلك ما إذا كان من الضروري تقديم المساعدة. إذا لم يتصرف أي شخص من المجموعة، يعتقد الآخرون أن الموقف ليس خطيرًا بما يكفي ليتم التدخل فيه.

2. التنافر المعرفي: يختبر الأفراد التنافر المعرفي عندما يكون هناك تباين بين ما يعرفونه (أهمية المساعدة) وما يفعلونه (عدم التدخل). هذا التنافر يمكن أن يسبب إزعاجًا نفسيًا، وبالتالي يحاول الأفراد تقليصه بعدم تقديم المساعدة.

3. التأثير المجموعي: في بعض الحالات، قد يعتقد الأفراد أن ما يفعله الآخرون هو المعيار الصحيح، لذا يتصرفون وفقًا لتصرفات المجموعة بشكل عام، حتى لو كانت تلك التصرفات سلبية أو غير مفيدة.

4. الالتباس في تحديد الحالة الطارئة: عندما يكون الموقف غير واضح أو معقدًا، مثلما يحدث في بعض المواقف الاجتماعية حيث لا يبدو أن هناك مشكلة حقيقية، يصبح من الصعب على الأفراد تحديد ما إذا كان ينبغي عليهم التدخل أم لا.

تأثير المتفرِّج في الحياة اليومية

إن تأثير المتفرِّج لا يظهر فقط في الحالات الطارئة التي تتطلب تدخلاً فوريًا. بل يمكن أن يؤثر أيضًا في حياتنا اليومية في المواقف التي لا تكون فيها الحاجة للمساعدة واضحة تمامًا. على سبيل المثال، في بيئة العمل أو في المجتمع، قد يتردد الأفراد في طلب المساعدة عندما يواجهون صعوبة في إنجاز مهمة أو حل مشكلة معقدة، معتقدين أن الآخرين سيتخذون المبادرة. هذا التأثير يعزز من فكرة أن الأفراد قد يتجاهلون مشاعرهم أو احتياجاتهم بسبب الضغوط الاجتماعية أو توقعاتهم من الآخرين.

كما أن تأثير المتفرِّج قد يساهم في شعور الأفراد بالوحدة والعزلة الاجتماعية، إذ قد يعتقد البعض أن الآخرين ليسوا مهتمين بمساعدتهم. وعندما لا يشعر الفرد بدعم اجتماعي من الآخرين، قد يتسبب ذلك في تراجع معنويته ويزيد من شعوره بالعجز.

كيفية التغلب على تأثير المتفرِّج

على الرغم من أن تأثير المتفرِّج هو ظاهرة نفسية معقدة، فإنه يمكن اتخاذ بعض الخطوات للحد من تأثيره:

1. الوعي بالظاهرة: أول خطوة نحو التغلب على تأثير المتفرِّج هي أن يكون الأفراد على دراية بالظاهرة وآثارها. عندما يدرك الشخص أنه قد يتأثر بتأثير المتفرِّج، يصبح أكثر وعيًا بمسؤوليته في المواقف الطارئة.

2. التحفيز على التدخل الفردي: من خلال زيادة الإحساس بالمسؤولية الفردية، يمكن تشجيع الأشخاص على أن يكونوا أكثر استعدادًا للمساعدة. يمكن أن يكون هذا من خلال التدريبات أو الحملات التوعوية التي تبرز أهمية التدخل السريع عند الحاجة.

3. الابتعاد عن الخوف الاجتماعي: كثيرًا ما يتأثر الأفراد بتوقعات الآخرين أو خوفهم من أن يُحكم عليهم بشكل سلبي. من خلال بناء ثقافة دعم اجتماعي، يمكن تعزيز الشعور بالراحة في طلب المساعدة أو تقديمها.

4. تعزيز الثقة في النفس: يمكن للفرد التغلب على هذا التأثير من خلال تقوية ثقته في قدراته الشخصية واتخاذ المبادرة في المواقف التي تتطلب تدخلاً سريعًا.

الخاتمة

يعد تأثير المتفرِّج من الظواهر السلوكية التي تكشف الكثير عن طبيعة التفاعل البشري في المواقف الطارئة والمخاطر الاجتماعية. على الرغم من أن هذه الظاهرة قد تبدو محبطة أو حتى محيرة في البداية، فإن فهمها هو الخطوة الأولى نحو إيجاد حلول فعالة للتغلب عليها. من خلال زيادة الوعي بأهمية التدخل الشخصي في المواقف الطارئة، وتعزيز الثقة بالنفس والمسؤولية الفردية، يمكننا أن نساعد في تقليل تأثير المتفرِّج وتحفيز المجتمع على التعاون والمساعدة المتبادلة في جميع المواقف.