قراءة السور القصيرة في السنة

قراءة سورة قصيرة في صلاة السنة: الأحكام والفضائل والتطبيقات العملية

تُعد صلاة السنن من أعظم أبواب القرب إلى الله عز وجل، وهي من النوافل المؤكدة التي واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم وحثّ عليها في أحاديثه وسنته العملية. ومن الأمور التي تثار عند أداء هذه السنن، مسألة قراءة السور القصيرة فيها، وهل تُعد كافية؟ وما حكم الاقتصار عليها؟ وما هي فضائلها؟ وكيف يكون أثرها في التخفيف على النفس والتيسير في العبادة دون الإخلال بالخشوع؟ إن موضوع قراءة السور القصيرة في صلاة السنة يكتسب أهمية كبيرة، سواء من حيث الفقه العملي أو من جهة التربية الروحية، ولذلك فإن الوقوف عنده يستوجب معالجة موسعة تشمل الأدلة والمقاصد الشرعية والممارسات النبوية.

أولًا: مفهوم صلاة السنة ومكانة القراءة فيها

صلاة السنة تشمل النوافل الرواتب وغيرها من الصلوات التطوعية كصلاة الضحى، وصلاة الليل، والوتر، وتحية المسجد، وصلاة الاستخارة، وغيرها. وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن من واظب على السنن الرواتب، بُني له بيت في الجنة، كما في الحديث الصحيح:

«من ثابر على اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة، دخل الجنة» (رواه مسلم).

أما من حيث القراءة في صلاة السنة، فقد كان هديه صلى الله عليه وسلم متنوعًا، أحيانًا يطيل فيها وأحيانًا يخفف، بحسب الحال والظروف. وهذا يدل على فسحة الأمر في السنن، بخلاف الصلوات المفروضة التي كانت قراءته فيها أكثر انتظامًا.

ثانيًا: حكم قراءة سورة قصيرة في صلاة السنة

من الجائز شرعًا أن يقرأ المصلي في صلاة السنة بسور قصيرة من القرآن الكريم، ويكون بذلك قد أدى ما عليه من القراءة الواجبة والمستحبة. فالمطلوب في كل ركعة بعد الفاتحة قراءة شيء من القرآن، سواء كان قصيرًا أو طويلًا. قال الله تعالى:

{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20].

وقد نص أهل العلم على أن من قرأ الفاتحة وسورة قصيرة بعدها فقد استوفى السنة، وخاصة في النوافل، حيث يراعى فيها التيسير وعدم المشقة، بخلاف الفرض الذي قد يُطلب فيه التطويل أحيانًا بحسب طبيعة الصلاة.

ثالثًا: فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في القراءة في السنن

جاء في السُّنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورًا قصيرة في بعض صلوات النوافل. ومما ورد في ذلك:

• عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت:

«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا ويزيد ما شاء الله، يقرأ في كل ركعة بـ{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}» (رواه ابن خزيمة والحاكم).

• وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في سنة الفجر بسورتي الإخلاص والكافرون، كما في حديث ابن مسعود:

«كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر بـ{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}» (رواه مسلم).

وهذا يدل بوضوح على مشروعية قراءة السور القصيرة في السنن، بل وكونها سُنّة مؤكدة في بعض المواضع مثل سنة الفجر.

رابعًا: الحكمة من قراءة السور القصيرة في صلاة السنة

1. التيسير على النفس:
   
   الصلاة النافلة ليست كالصلاة المفروضة من حيث الوجوب، بل يُراعى فيها حال المصلي، وقد يُراد بها القرب من الله دون كلفة أو مشقة، خاصة لمن يصلي أوقاتًا متعددة من اليوم والليل.

2. تنويع العبادة:
   
   من سنن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينوع في قراءته، وأحيانًا يقرأ بالسور الطويلة في بعض النوافل، وفي أحيان أخرى يقتصر على القصيرة، مما يحقق التوازن بين الخشوع وعدم الملل.

3. التركيز على المعنى:
   
   بعض السور القصيرة تحمل معاني عقدية عظيمة مثل الإخلاص والكافرون، وفي قراءتها تجديد للعقيدة والنية، فلا يُنظر إلى قصرها بمعيار الطول فقط، بل بمعيار المحتوى والمقصد.

4. تحفيز المداومة:
   
   عندما تكون صلاة السنة يسيرة وسهلة، فإن ذلك يعين على المداومة والاستمرارية، ويقلل من الشعور بالثقل، خاصة عند الانشغال أو الإرهاق، مما يحقق مقصود العبادة المستمرة.

خامسًا: تطبيقات عملية لقراءة السور القصيرة في السنن

هذه النماذج تُظهر لنا كيف أن السور القصيرة كانت حاضرة في غالبية صلوات السنة، وخصوصًا في الصلوات غير الجهرية.

سادسًا: قراءة السور القصيرة في السنن للمرأة والطفل

المرأة والرجل في الحكم سواء، ويُستحب لها أن تقرأ في نوافلها بما تيسر من القرآن، ولا يُشترط الإطالة، كما أن التيسير في قراءة النوافل يساعدها على المداومة والعبادة دون إرهاق.

أما الطفل المُتعلم للصلاة، فإن تعويده على قراءة السور القصيرة في النوافل يعزز من تعلقه بالصلاة ويزيد من حفظه للقرآن دون الشعور بالعبء.

سابعًا: أثر القراءة القصيرة على خشوع القلب

ليست العبرة بكثرة الكلمات وإنما بحضور القلب. فقد ثبت في الأثر:

«رب قائم حظه من صلاته التعب والسهر».

فإذا قرأ المصلي سورة قصيرة بخشوع وتدبر، فذلك خير من قراءة طويلة خالية من التأمل والتفاعل القلبي. وهذا ما يوافق مقاصد الشريعة التي تقوم على التيسير والاعتدال، وعدم التكليف بما يشق على النفس.

ثامنًا: القراءة من المصحف في السنن عند الاقتصار على السور القصيرة

من المسائل الحديثة التي قد يلجأ إليها المسلمون في زماننا، قراءة السور القصيرة أو الطويلة من المصحف أثناء صلاة السنة، خاصة في قيام الليل أو التراويح. وقد أجاز جمهور العلماء ذلك في النوافل دون الفريضة، لثبوت عمل عائشة بذلك، حيث كان مولاها يقرأ بها من المصحف.

وبالتالي فإن قراءة السور القصيرة من المصحف في صلاة السنة أمر جائز شرعًا لمن لم يحفظها أو أراد التنويع، دون أن يكون في ذلك حرج شرعي.

تاسعًا: تعظيم السور القصيرة وبيان فضلها

كثير من السور القصيرة، رغم قصرها، تحمل معاني عظيمة جدًا، ومن ذلك:

• سورة الإخلاص: تعادل ثلث القرآن.

• سورة الكافرون: براءة من الشرك، وتُعادل ربع القرآن.

• سورة الفلق والناس: سورتان للحماية من الشرور، أوصى بهما النبي صباحًا ومساءً.

فكيف لا تكون هذه السور القصيرة مناسبة للسنن؟ بل إن لها شأنًا عظيمًا في التربية الإيمانية وتعزيز العقيدة.

عاشرًا: رأي الفقهاء في الاقتصار على السور القصيرة في النوافل

• الحنفية: يرون جواز الاقتصار على سورة قصيرة في النوافل ولا يشترط الطول.

• المالكية: يستحبون القراءة بما تيسر ولا مانع من القصر.

• الشافعية: ينصون على مشروعية قراءة القصير والطويل حسب حال المصلي.

• الحنابلة: يرون أن السنة هي القراءة بما ثبت عن النبي، سواء قصيرًا أو طويلًا، ولا حرج في الاقتصار على القصير.

وهذا الاتفاق النسبي بين المذاهب يؤكد على مشروعية القراءة القصيرة وتيسيرها، خاصة في السنن غير المؤكدة.

الحادي عشر: فوائد تربوية وروحية من القراءة القصيرة في السنن

• غرس التدبر أكثر من الاسترسال.

• تأصيل الاستمرارية في العبادة.

• تعويد النفس على الحضور الذهني بدل الإرهاق الجسدي.

• ربط القلب بمعاني التوحيد والبراءة من الشرك واللجوء إلى الله.

الخاتمة: السور القصيرة.. باب واسع للتقرب إلى الله

قراءة السور القصيرة في صلاة السنة ليست فقط جائزة شرعًا، بل هي أيضًا وسيلة عظيمة لتسهيل العبادة وتعميق معاني التدبر والخشوع. ولذا فإن المحافظة على النوافل ولو بقصار السور تُعد من أعظم الأعمال التي تدل على محبة العبد لربه، واستعداده للمداومة، كما أنها تفتح للمسلم آفاقًا جديدة من القرب الروحي والاستزادة من نور القرآن.

المراجع:

1. النووي، “المجموع شرح المهذب”، دار الفكر.

2. ابن حجر، “فتح الباري شرح صحيح البخاري”، دار المعرفة.