كيفية صلاة تحية المسجد

تحية المسجد: كيفيتها وأحكامها المفصلة

تُعدّ صلاة تحية المسجد من السنن المؤكدة التي حثّ عليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي صلاةٌ ذات طابع تعبدي خالص، تحمل دلالات عظيمة على توقير بيوت الله، وإجلال مكانة المساجد في حياة المسلم. ومكانة هذه الصلاة مستمدة من الحديث النبوي الصحيح: “إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين” رواه البخاري ومسلم. في هذا المقال، سيتم تناول صلاة تحية المسجد من جميع الجوانب، بدءًا من معناها وحكمها، مرورًا بكيفية أدائها، وانتهاءً ببيان الأحكام التفصيلية التي تتعلق بها، وما تشتمل عليه من مسائل فقهية، وذلك في ضوء ما جاء في المصادر الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية وآراء العلماء.

تعريف تحية المسجد

تحية المسجد هي ركعتان يصليهما المسلم عند دخوله المسجد قبل أن يجلس، وذلك تعظيمًا للمسجد وامتثالًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم. وهي ليست فرضًا وإنما سنة مؤكدة عند جمهور العلماء، ما عدا من دخل المسجد في وقت نهي، أو كان الإمام يخطب، أو في حالات خاصة سنعرض لها لاحقًا.

دليل مشروعيتها

اعتمد الفقهاء في مشروعية هذه الصلاة على حديث النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في الصحيحين عن أبي قتادة رضي الله عنه:

“إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين”.

وهذا الحديث يدل على استحباب أداء الركعتين عند دخول المسجد، حيث إن النهي عن الجلوس حتى يصليهما يدل على أن الفعل مطلوب.

حكم صلاة تحية المسجد

اختلف العلماء في حكمها، ويمكن تلخيص أقوالهم كما يلي:

• الجمهور (الشافعية والمالكية والحنابلة): يرون أنها سنة مؤكدة، لا يأثم تاركها، ولكن يُثاب فاعلها.

• الحنفية: يرون أنها مستحبة وغير مؤكدة.

• ابن حزم الظاهري: ذهب إلى وجوبها، مستدلًا بالنهي الصريح عن الجلوس قبل صلاتها.

والراجح ما عليه جمهور العلماء من أنها سنة مؤكدة، وهي من السنن التي داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتركها قط عند دخوله المسجد، إلا لعذر.

كيفية صلاة تحية المسجد

صلاة تحية المسجد تُصلّى كأي ركعتين من النوافل، وتُؤدى كما يلي:

1. النية: يُنوي المسلم أداء ركعتين تحيةً للمسجد، ولا يُشترط التلفظ بها، بل تكفي النية بالقلب.

2. تكبيرة الإحرام: يبدأ الصلاة بتكبيرة الإحرام، رافعًا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه.

3. قراءة الفاتحة: في كل ركعة يقرأ سورة الفاتحة، وهي ركن من أركان الصلاة.

4. قراءة سورة قصيرة أو آيات بعد الفاتحة: ويُستحب ذلك، لكن لا يجب.

5. الركوع والسجود: كالمعتاد في الصلوات الأخرى.

6. التشهد والتسليم: يُجلس للتشهد بعد الركعتين ثم يُسلّم عن اليمين واليسار.

ولا يُشترط أن يُجهر أو يُسرّ بها، بل حسب الوقت، فإن كانت في النهار أُسرّ بها، وإن كانت ليلًا جهر بها إن كان وحده ولم يُزعج أحدًا.

وقت أدائها

تصلى تحية المسجد فور الدخول إلى المسجد وقبل الجلوس، وفي أي وقت من النهار أو الليل، لكن يستثنى من ذلك أوقات النهي، وهي:

• بعد صلاة الفجر حتى شروق الشمس.

• عند استواء الشمس في كبد السماء قبيل الزوال.

• بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس.

ومع ذلك، أجاز بعض العلماء أداء تحية المسجد في أوقات النهي، لأن سببها موجود، وهي من ذوات الأسباب، كما نصّ عليه الإمام النووي وغيره، وقال: “إذا دخل المسجد في وقت النهي، فإنه يصلي تحية المسجد، وهذا مذهبنا ومذهب جماعة من العلماء”.

أحوال خاصة تتحقق فيها الصلاة دون الحاجة لصلاة تحية المسجد

هناك حالات لا يُشرع فيها أداء صلاة تحية المسجد بشكل منفصل، ومنها:

علاقة تحية المسجد بالصلوات الأخرى

من الجدير بالذكر أن تحية المسجد يمكن أن تندمج مع أي صلاة أخرى إذا نواها الإنسان، كأن ينوي ركعتين نافلة مطلقة أو سنة راتبة أو حتى سنة الوضوء، وتحصل له بذلك تحية المسجد، وهذا من باب التشريك بين النوايا. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: “إذا صلى الداخل إلى المسجد سنة الظهر أو غيرها، أجزأته عن تحية المسجد”.

صلاة تحية المسجد عند حضور خطبة الجمعة

تُعتبر هذه من المسائل التي دار حولها الخلاف الفقهي، فهل يجوز للمسلم أن يصلي تحية المسجد إذا دخل والإمام يخطب؟

الرأي الراجح هو ما ورد في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

“إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوّز فيهما”. متفق عليه.

وهذا يدل على جواز أداء تحية المسجد حتى أثناء الخطبة، لكن ينبغي أن تكون الركعتان خفيفتين حتى لا ينشغل عن الاستماع للخطبة.

أحكام فقهية مرتبطة بتحية المسجد

1. هل تُصلى تحية المسجد في المصلى غير المسقوف؟

إذا كان المكان مخصصًا للصلاة فقط في الأوقات المحددة كالمصليات المؤقتة، فلا تُعتبر مسجدًا بالمعنى الفقهي، وبالتالي لا تجب تحية المسجد.

2. هل تُصلى في المساجد ذات الطابقين؟

نعم، كل طابق يُعدّ جزءًا من المسجد، فإذا دخل الإنسان أي جزء منه يُشرع له الصلاة.

3. هل تُشترط الطهارة لتحية المسجد؟

نعم، لا تصح صلاة تحية المسجد إلا إذا كان المسلم على طهارة، فالصلاة لا تصح إلا بذلك.

أهمية تحية المسجد من الناحية التربوية والروحية

• تعظيم بيوت الله: تُعدّ هذه الصلاة وسيلة لغرس هيبة المسجد في نفس المسلم، وتكريس فكرة احترام المكان المخصص لعبادة الله.

• الانضباط والامتثال للأوامر: تظهر هذه الصلاة مدى انضباط المسلم في اتباع تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به.

• التهيئة النفسية للعبادة: تمثل تحية المسجد لحظة صفاء واستعداد للدخول في جو العبادة.

أقوال العلماء في فضلها

• قال النووي: “هي سنة بإجماع العلماء، إذا دخل المسجد أحب أن يصلي ركعتين”.

• وقال ابن قدامة في “المغني”: “تحية المسجد سنة، فإن تركها فلا شيء عليه، وإن صلاها فحسن”.

الفرق بين تحية المسجد وبين بقية النوافل

تحية المسجد تختلف عن غيرها من النوافل في أنها ليست نافلة مطلقة، بل مرتبطة بسبب، وهو دخول المسجد، فيجب أن يُؤتى بها عند تحقق السبب، بعكس النوافل الأخرى التي يُمكن أن تُصلى في أي وقت. كما أنها تختلف من حيث الأولوية، إذ تُقدّم على الجلوس أو الاشتغال بأي شيء عند الدخول.

جدول يلخص أحكام صلاة تحية المسجد

الخلاصة

صلاة تحية المسجد سنة عظيمة، تحمل في طياتها معاني كثيرة من الأدب والتعظيم والتقرب إلى الله، وهي سنة غفل عنها كثير من المسلمين، رغم أنها أول ما ينبغي فعله عند دخول المسجد. وقد ثبتت مشروعيتها بالنصوص الصحيحة، واتفق العلماء على كونها سنة مؤكدة، ما عدا قلة من أهل العلم الذين قالوا بوجوبها. وهي فرصة لاكتساب الأجر وتهيئة النفس للعبادة، لذا فإن المداومة عليها دليل على حرص العبد على اتباع السنة واقتفاء أثر النبي الكريم.

المراجع:

1. صحيح البخاري، حديث رقم: 444

2. النووي، المجموع شرح المهذب، دار الفكر، ج4

3. ابن قدامة، المغني، دار هجر، ج2